Skip to main content

الفصل الثاني - التمثال العظيم - دانيال الآن في حضرة الملك نبوخذ نصر

الصفحة 7 من 7: دانيال الآن في حضرة الملك نبوخذ نصر

دانيال الآن في حضرة الملك نبوخذ نصر

"أجاب الملك وقال لدانيال الذي اسمه بلطشاصر هل تستطيع أنت على أن تعرفني بالحلم الذي رأيت وبتعبيره" (دانيال 2: 26) وهنا يتكلم دانيال فيعطى كل المجد لله كاشف الأسرار، ويقف هو مختفياً في ظلال المجد الإلهي.

" أجاب دانيال قدام الملك وقال. السر الذي طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون على أن يبينوه للملك. لكن يوجد إله في السموات كاشف الأسرار وقد عرف الملك نبوخذ نصر ما يكون في الأيام الأخيرة. حلمك ورؤيا رأسك على فراشك هو هذا. أنت أيها الملك أفكارك على فراشك صعدت إلى ما يكون من بعد هذا وكاشف الأسرار يعرفك بما يكون. أما أنا فلم يكشف لي هذا السر لحكمة فيّ أكثر من كل الأحياء.ولكن لكي يعرف الملك بالتعبير ولكي تعلم أفكار قلبك" (دانيال 2: 27- 30).

دانيال يعلن بكلماته للملك نبوخذ نصر عن عجز السحرة والمنجمين والحكماء الأرضيين عن معرفة أسرار الله، كما يؤكد له بأنه يوجد إله في السموات، ويشهد بأن هذا الإله كاشف الأسرار، وأنه أعطاه حلمه العجيب ليعرفه ما يكون في الأيام الأخيرة. وليعطيه جواباً عن تساؤلات قلبه بخصوص مستقبل إمبراطوريته.

الحلم الذي رآه نبوخذ نصر نبوي. يبدأ من مملكته ويستمر حتى يصل إلى آخر أحداث التاريخ.. إلى أحداث الأيام الأخيرة حين يأتي الرب يسوع المسيح لينهي حكم الأمم ويؤسس ملكوته السعيد. ونبوات سفر دانيال تتصل مباشرة بهذه الأحداث، وعلى هذا لابد من دراسة سفر دانيال دراسة دقيقة لنستطيع تفسير رؤيا يوحنا، فهناك ارتباط عضوي بين السفرين النبويين العظيمين.

والآن تعال معي لنستمع إلى دانيال وهو يسرد للملك حلمه العجيب. "أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك ومنظره هائل. رأس هذا التمثال من ذهب جيد. صدره وذراعاه من فضة. بطنه وفخذاه من نحاس. ساقاه من حديد. قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف. كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان.أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها" (دانيال 2: 31- 35).

استطرد دانيال يقول "هذا هو الحلم. فنخبر بتعبيره قدام الملك. وبدأ تعبيره للحلم بحديث عن سيادة الله المطلقة على مخلوقاته، وبأن هذا الإله القادر على كل شيء هو الذي أعطى نبوخذ نصر مملكته وسلطانه.

"أنت أيها الملك ملك الملوك لأن إله السموات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً. وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعاً. فأنت هذا الرأس من ذهب" (دانيال 2: 37- 38).

ويذكر التاريخ أن الإمبراطورية البابلية، ويطلق أحياناً عليها اسم الإمبراطورية الكلدانية، قد ظهرت في الوجود تحت حكم الملك "نبو بولاصر" وهو غير مذكور في الكتاب المقدس. لكن هذه الإمبراطورية الجبارة وصلت إلى أوج مجدها إبان حكم ابنه "نبوخذ نصر". وعلينا أن نذكر أنه حين يتحدث الوحي عن ملك فهو في ذات الوقت يتحدث عن مملكة، فلا ملك بلا مملكة. وفي تعبيرات الوحي الملك والمملكة مترادفان. وعلى هذا فيمكننا القول بأن الرأس من ذهب لم يكن يشير إلى الملك نبوخذ نصر وحده بل إلى المملكة البابلية في تاريخها كله.

"رأس هذا التمثال من ذهب جيد" (دانيال 2: 32).

"فأنت هذا الرأس من ذهب" (دانيال 2: 28).

هذا الرأس يشير إلى المملكة البابلية.

" وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك" (دانيال 2: 39). ومن النبوات الواردة في سفر دانيال نعرف أن هذه المملكة هي مملكة "مادى وفارس" ويتضح هذا مما كتبته أصابع اليد الكاتبة على ملكس حائط قصر الملك "قسمت مملكته وأعطيت لمادى وفارس" (دانيال 5: 28) "وفي تلك الليلة قتل بيلشاصر ملك الكلدانيين. فأخذ المملكة داريوس المادى وهو ابن اثنتين وستين سنة" (دانيال 5: 30- 31).

"صدره وذراعاه من فضة" (دانيال 2: 32).

"وبعدك تقوم مملكة أخرى أصفر منك" (دانيال 2: 39).

هذا الصدر وهذان الذراعان تشير إلى مملكة مادى وفارس. ومملكة مادى وفارس كانت أصغر من المملكة البابلية.

ومن النبوات الواردة في الإصحاحات التالية من السفر، وهذه النبوات هي تكرار في صورة أخرى لحلم الملك نبوخذ نصر، تماماً كما رأينا التكرار في حلم فرعون مصر أولا في البقرات السبع الحسنة المنظر والبقرات السبع العجاف. ثم في السبع السنابل الممتلئة الحسنة والسبع السنابل الملفوحة بالريح الشرقية مع أن الحلم كان واحداً في تفسيره ومعناه.

نقول أن تكرار النبوات في سفر دانيال هو لتأكيد حدوثها.

"بطنه وفخذاه من نحاس" (دانيال 2: 32)".

"ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض" (دانيال 2: 39) فهذا البطن وهذان الفخذان إلى المملكة اليونانية.

"وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأن الحديد يدق ويسحق كل شيء وكالحديد الذي يكسر كل هؤلاء" (دانيال 2: 40).

لم يذكر دانيال في نبواته اسم المملكة الرابعة بالتحديد، كما ذكر مملكة بابل، ومملكة مادى وفارس، ومملكة اليونان.. ولكننا نستطيع أن نرى أن هذه المملكة القوية الصلبة كالحديد هي الإمبراطورية الرومانية، وهي المملكة التي كانت موجودة وقت ميلاد يسوع المسيح كما يقول لوقا البشير "وفي تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة" (لوقا 2: 1). الإمبراطورية الرومانية إذاً هي المملكة الرابعة وصلابتها الحديدية ليست صلابة القيم الأدبية أو الدينية، ولا هي صلابة وحدة الإمبراطورية، ولكنها صلابة القوة العسكرية التي دقت وسحقت كل من وقف في طريقها.

"وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث إنك رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين. وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصماً. وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف. وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد. لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والفضة والذهب. الله العظيم قد عرًف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين" (دانيال 2: 41- 45).

حكمت الإمبراطورية الرومانية لأكثر من خمسمئة سنة، ورفرف علمها على الجزر البريطانية حتى الخليج العربي، ومن البحر الشمالي إلى صحراء ليبيا، ومن المحيط الأطلنطي إلى نهر الفرات، وعلى كل دول البحر الأبيض المتوسط.

ولكن الإمبراطورية الحديدية الرومانية تفتتت تحت هجوم القبائل البربرية ولم تجيء سنة 476 بعد الميلاد إلا وكانت الإمبراطورية الرومانية قد انقسمت.    

وعلينا أن نذكر أن الله قد أعطى الحلم لنبوخذ نصر لكي يعرفه ما يكون في الأيام الأخيرة (دانيال 2: 28) كما أبقى تعبير الحلم لرجل عبراني ليعلن للملك الوثني الذي بدأت بحكمه "أزمنة الأمم" إن إعطائه السلطة الحاكمة على الأرض لا يعني الرفض النهائي لشعبه القديم.

ولعلنا نرى بوضوح أن التمثال العظيم البهي الذي يمثل الحكم الأممي على الأرض، يرينا أن حكم الأمم على الأرض سيتدهور في قيمته الفعلية بينما سيتصاعد في أمم كثيرة في قسوته وقوته العسكرية. فالتمثال الذي رآه نبوخذ نصر في حلمه والذي يمثل "أزمنة الأمم" يبدأ بالذهب الجيد، وينتهي بالحديد مختلطاً بخزف الطين.

وقد رأينا هذا في أساليب الحكم.. ففي أيام نبوخذ نصر كان عقاب العصيان أتون النار المتقدة، وفي أيام داريوس المادى كان عقاب العصيان الطرح في جب الأسود.. ومع الزمن تطورت طرق التعذيب ووصلت إلى انتهاك كل حرمات الإنسان.

وقد أعلن الله للملك نبوخذ نصر أن الحكم الأممي الذي يظهر بهياً وعظيماً يسير كل يوم نحو التدهور والانحطاط. من الذهب إلى الفضة إلى النحاس إلى الحديد المختلط بخزف الطين.

وعندما نصل إلى القدمين والأصابع في التمثال العظيم نرى أنفسنا أمام آخر مشاهد التاريخ، المشهد الذي سيتم في صورته النهائية في الضيقة العظيمة وقبل عودة الرب يسوع المسيح. ونرى أنفسنا في ذات الوقت مساقين إلى دراسة الإصحاح السابع من سفر دانيال، مع الإصحاحين الثالث عشر والسابع عشر من سفر رؤيا يوحنا.

ففي الإصحاح السابع من سفر دانيال نقرأ الكلمات"بعد هذا كنت أرى في رؤى الليل وإذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جداًوله أسنان من حديد كبيرة. أكل وسحق وداس الباقي برجليه. وكان مخالفاً لكل الحيوانات الذين قبله. وله عشرة قرون" (دانيال 7: 7) وفي الإصحاح الثالث عشر من سفر الرؤيا نقرأ الكلمات "ثم وقفت على رمل البحر. فرأيت وحشاً طالعاً من البحر له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى قرونه عشرة تيجان وعلى رؤوسه اسم تجديف وتعجبت كل الأرض وراء الوحش... وسجدوا للوحش" (رؤيا 13: 1- 4).

وفي الإصحاح السابع عشر من سفر الرؤيا نقرأ الكلمات "ثم قال لي الملاك لماذا تعجبت. أنا أقول لك سر المرأة والوحش الحامل لها الذي له السبعة الرؤوس والعشرة القرون... العشرة القرون التي رأيت هي عشرة ملوك يأخذوا ملكاً بعد لكنهم يأخذون سلطانهم كملوك ساعة واحدة مع الوحش" (رؤيا 17: 7- 12).

عشرة أصابع في قدمي التمثال (دانيال 2: 41- 42).

عشرة قرون في الحيوان الهائل (دانيال 7: 7) .

عشرة قرون للوحش الصاعد من البحر (رؤيا 13: 1).

عشرة قرون للوحش الحامل للمرأة (رؤيا 17: 7- 12).

ودانيال يفسر أصابع التمثال العشرة بأنهم ملوك فيقول "وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً (دانيال 2: 44).

ويفسر يوحنا القرون العشرة فيقول "العشرة قرون التي رأيت هي عشرة ملوك لم يأخذوا ملكاً بعد لكنهم يأخذون سلطانهم كملوك ساعة واحدة مع الوحش" (رؤيا 17: 12).

فأصابع التمثال العشرة هي نفسها العشرة القرون وهي تشير إلى عشرة ملوك يأخذون ملكاً مع الوحش الصاعد من الهاوية.

النبوة إذاً هنا تنتقل بنا لإلى أحداث الضيقة العظيمة، وبالتالي إلى عودة الرب يسوع المسيح الحجر الذي قطع لا بيدين.

ويجدر بنا أن نذكر هنا خلال حكم الوحش ومعه هؤلاء الملوك في الضيقة العظيمة، سيكون الحكم مزيجاً من القسوة التي لا تعرف الرحمة والتي يشير إليها الحديد ، والتي رأينا منها نموذجاً خلال الحكم النازي لألمانيا، وإلى التدهور الأدبي والاجتماعي، والأخلاقي، والاقتصادي الذي إليه يشير خزف الطين. في تلك الحقبة السوداء من تاريخ البشرية سيسلم الأخ أخاه إلى الموت والأب ولده، وستكون الخيانة هي العنصر السائد في العلاقات البشرية، ويتفاقم الشر ويرتفع مده، ويسجد الناس للشياطين، وتكون المادة هي آلهتهم لأنهم سيسجدون لأصنام الذهب والفضة والنحاس والحجر والخشب، وستتدهور أخلاقهم إلى الحضيض فيتوغلوا في القتل والسحر والزنى والسرقة (رؤيا 9: 20) وعلينا أن نفهم أن الدول المتحدة تحت حكم الوحش سيكون بعضها في قوة الحديد وبعضها في ضعف الطين، ولن تكون وحدتها قلبية حقيقية بل مجرد مظهر لوحدة زائفة إذ "لن يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بخزف الطين" (دانيال 2: 43). إن هذه الوحدة القادمة تحت حكم الوحش ومعه الملوك العشرة كانت أمنية الكثيرين من الملوك والرؤساء.. كانت أمنية شارلمان، وتشارلس الخامس،ولويس الرابع عشر، ونابليون، والقيصر وليم الثاني، وأدولف هتلر.. ولقد قال نابليون ذات مرة "لن تستريح أوربا إلا تحت حكم إمبراطور واحد يعطي قواده لقب ملوك"

ولكن هذه الوحدة لن تكون كاملة حتى تحت حكم الوحش "وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف" (دانيال 2: 43). والحديد يشير إلى الحكام الأقوياء ونسل الناس يشير إلى عامة الشعب. وقد أعطى المفسرون عدة شروحات لهذا النص فقال بعضهم أن اختلاط الحديد بخزف الطين يشير إلى اختلاط الملوك أصحاب العروش بالشعب عن طريق الزواج. وكان دليلهم أن أوربا مرت بوقت كانت فيه الملكة فكتوريا ملكة انجلترا هي الجدة، وكان الملك كريستيان ملك الدانمارك هو الجد لغالبية الملوك المتوجين في أوربا. ولكن بعد الحرب العظمى الأولى زالت معظم ملكيات أوربا، ووصل إلى مراكز القوة أشخاص من عامة الشعب واختلط الحديد بالخزف. وقال مفسرون آخرون إن الحديد وخزف الطين يشيران إلى أنواع الحكومات المختلفة كالحكم الديمقراطي، أو الدكتاتوري، أو الشيوعي. وقال البعض الآخر من المفسرين إن الحديد يرمز إلى الحكم الملكي، وخزف الطين يرمز إلى حكم الشعب. ويقول المفسر المعروف "كيل" إن الذهب والفضة والنحاس يشيرون إلى نوع هذه الممالك، والحديد والخزف يشير إلى نوع الحكم في المملكة الرابعة واختلاط أصحاب التيجان بالشعب عن طريق الزواج.

    الأمر المهم في هذه النبوة كيفما كان تفسيرها هو ما ذكره دانيال "وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد. لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب" (دانيال 2: 44). وهذا النص يشير إلى مملكة المسيح، هذه المملكة التي قال عنها جبرائيل الملاك للعذراء مريم "وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا سيكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية" (لوقا 1: 31- 33). هذه المملكة إذاً قادمة، ذلك لأن المسيح في مجيئه الأول لم ينهي الحكم الأممي على الأرض، والقائلون بأن التبشير بالإنجيل سيجعل الأرض مع الزمن مملكة للمسيح يخطئون ضد كلمات النبوة التي تؤكد أن الزمن سيقود إلى الارتداد لا إلى مملكة السلام (اقرأ 2 تسالونيكي 2: 1- 5).

إن الرب يسوع المسيح هو الحجر الذي قطع من جبل لا بيدين. فالمسيح له المجد لم يولد عن طريق التناسل البشري، وليس للبشر يد في ولادته.إنه الحجر الذي قطع من جبل لا بيدين. والجبل هنا يشير إلى الله الجالس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال، وهو المكان الذي اشتهى إبليس أن يصل إليه بتمرد كما قال أشعياء "كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح. كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم. وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السموات أرفع كرسي إلى فوق كواكب الله وأجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال.. أصير مثل العلي" (أشعياء 14: 12- 14).

إن الرب يسوع هو الحجر الذي تنبأ أشعياء إلى مجيئه بالكلمات "لذلك هكذا يقول السيد الرب. هأنذا أؤسس في صهيون حجراً حجر امتحان حجر زاوية كريماً أساساً مؤسساً. من آمن لا يهرب" (أشعياء 28: 16) وقد أشار بطرس الرسول إلى هذا النص في كلماته " الرب.. الذي إذ تأتون إليه حجراً حياً مرفوضاً من الناس ولكن مختاراً من الله الكريم".. لذلك يتضمن أيضاً في الكتاب "هئنذا أضع في صهيون حجر زاوية مختاراً كريماً والذي يؤمن به لن يخزى. فلكم أنتم الذين تؤمنون الكرامة وأما للذين لا يطيعون فالحجر الذي رفضه البناؤون هو صار رأس الزاوية وحجر صدمة وصخرة عثرة" (1 بطرس 2: 3- 8) وقد أشار الرب يسوع إلى نفسه باعتباره هذا الحجر في حديثه إلى الشعب بالكلمات "إذا ما هو هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية. كل من يسقط على هذا الحجر يترضض. ومن سقط هو عليه يسحقه" (لوقا 20: 17- 18).

عندما يأتي يسوع ثانية سيأتي كحجر ساحق، ويلاشى من الوجود كل نظم الحكم الأممي، ولا يكون لملكه نهاية أي لن تستطيع قوة في الوجود أن تنهي ملكه كما انتهت الإمبراطورية البابلية بقيام الإمبراطورية الفارسية، وكما انتهت الإمبراطورية الفارسية بقيام الإمبراطورية اليونانية، وكما انتهت الإمبراطورية اليونانية بقيام الإمبراطورية الرومانية.. والمسيح الملك "لا يترك لشعب آخر" (دانيال 2: 44) وسيستمر ملكه إلى أن يتلاشى الزمن في الأبدية.

إن أصابع التمثال العظيم الذي رآه نبوخذ نصر تصل بنا إلى معركة هرمجدون، وبالتالي إلى الملك الألفي، ملك المسيح على الأرض، ملك السلام والكفاية والعدل.

هذا كله يتضح من الكلمات:

"وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً.." (دانيال 2: 44).

وهؤلاء الملوك كما رأينا فيما سبق من حديث هم العشرة القرون الذين سيملكون مع الوحش الصاعد من الهاوية، وسيستمر ملكهم حتى يلاشيه الرب في معركة هرمجدون كما يقول سفر رؤيا يوحنا "والعشرة قرون التي رأيت هي عشرة ملوك.. هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك" (رؤيا 17: 12- 14).

ومتى يتم هذا كله؟

يقول يوحنا الرائي "ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً وبالعدل يحكم ويحارب. وعيناه كلهيب نار وعلى رأسه تيجان كثيرة وله اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلا هو. وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله. والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزاً أبيض ونقي. ومن فمه يخرج سيف ماض لكي يضرب به الأمم وهو سيرعاهم بعصا من حديد وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شيء. وله على ثوبه وفخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤيا 19: 11- 16).

كل هذا سيكون إتماما لما رآه الملك نبوخذ نصر في حلمه وعبره له دانيال النبي، وما قاله المزمور الثاني، وما تنبأ به الأنبياء.

سمع الملك نبوخذ نصر تعبير الحلم "وخر على وجهه وسجد لدانيال وأمر بأن يقدموا له تقدمة وروائح سرور" (دانيال 2: 46). وينتقد النقاد دانيال لقبوله السجود والتقدمات قائلين إنه بهذا جعل نفسه إلهاً. ولكن القرينة ترينا أن إكرام الملك لدانيال لم يكن إكراماً لشخصه بل كان إكراماً لإلهه. لقد أكرمه نبوخذ نصر باعتباره سفيراً لهذا الملك العظيم ويتضح هذا من كلمات نبوخذ نصر "فأجاب الملك دانيال وقال. حقاً إن إلهكم إله الآلهة ورب الملوك وكاشف الأسرار إذا استطعت على كشف هذا السر" (دانيال 2: 47).

وانتهت الأزمة الرهيبة التي كانت تقضي على حياة دانيال وأصحابه بتعظيم دانيال، وبتوليه أصحابه في أعظم المراكز "حينئذ عظم الملك دانيال وأعطاه عطايا كثيرة وسلطه على كل ولاية بابل وجعله رئيس الشحن على جميع حكماء بابل" (دانيال 2: 48).

وهكذا "من الآكل خرج أكل ومن الجافي خرجت حلاوة" (قضاء 14: 14).

ولم ينس دانيال أصحابه، فقد كان مثال الولاء في صداقته "فطلب دانيال من الملك فولى شدرخ وميشخ وعبدنغو على أعمال ولاية بابل. وأما دانيال فكان في باب الملك" (دانيال 2: 49).

فلا تجزع يا أخي ولا تفزع حين تصطدم بأزمة خطيرة تظن أن لا مخرج منها، بل الجأ إلى الله وثق بعنايته، ورعايته، ومحبته، وقدرته، وقل مع إمام المغنين "الله لنا ملجأ وقوة. عوناً في الضيقات وجد شديداً. لذلك لا نخشى ولو تزحزحت الأرض ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار" (مزمور 46: 1- 2) وستخرج من أزمتك لامعاً كالذهب المصفى بالنار، وقد ازددت نعمة، وحكمة، وبركة، ونجاحاً في كل دوائر حياتك.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 28372