Skip to main content

الفصل الثاني - التمثال العظيم - أزمة الحلم

الصفحة 5 من 7: أزمة الحلم

أزمة الحلم

نعود الآن إلى الحديث عن حلم الملك نبوخذ نصر وتعبيره. ونقول أولاً أن دانيال قابل ثلاث أزمات في حياته. الأزمة الأولى: هي أزمة امتحان طهارته وثباته تحت ضغوط القصر الإمبراطوري، وقد اجتاز دانيال هذه الأزمة بنجاح تام كما رأينا في الفصل الأول. والأزمة الثانية: هي أزمة حلم الملك نبوخذ نصر وهي موضوع دراستنا فيما يلي من حديث. والأزمة الثالثة: هي أزمة امتحان ولائه لله وشريعته وسنتحدث عنها في مكانها.

الأزمة التي نحن بصددها الآن هي أزمة حلم الملك نبوخذ نصر، وهي الأزمة التي تعرض فيها دانيال وأصحابه لخطر الموت.

أعطى الله دانيال وأصحابه معرفة وعقلاً في كل كتابة وحكمة، وأوصلتهم هذه المعرفة وتلك الحكمة إلى الوقوف أمام الملك، وبعد أن اجتازوا الاختبار الملكي أصبحوا بين حكماء بابل المسئولين عن تفسير الأمور العسرة والعويصة للملك نبوخذ نصر.

امتاز هؤلاء الرجال الأربعة بالمعرفة والحكمة، وكل امتياز يحمل في ثناياه مسئولية، وجاء يوم المسئولية.

"وفي السنة الثانية من ملك نبوخذ نصر حلم نبوخذ نصر أحلاماً فانزعجت روحه وطار عنه نومه. فأمر الملك أن يستدعى المجوس والسحرة والعرافون فأتوا ووقفوا أمام الملك" (دانيال 2: 1- 2).

والآن تعال معي لنرى ما حدث في القصر الإمبراطوري بين الملك وحكمائه.

قال الملك نبوخذ نصر لحكمائه: قد حلمت حلماً وانزعجت روحي لمعرفة الحلم. قال الحكماء للملك: أخبر عبيدك بالحلم فنبين تعبيره. ويبدو أن روح الملك انزعجت انزعاجاً شديداً، وأنه أراد أن يكون التعبير عن حلمه دقيقاً.. ولذا أصر الملك على طلب لا يقدر عليه أعظم الحكماء.

قال الملك لحكمائه "قد خرج مني القول إن لم تنبئوني بالحلم وبتعبيره تصيرون إرباً إرباً وتجعل بيوتكم مزبلة" (دانيال 2:5).

قال الحكماء للملك ثانية: ليخبر الملك عبيده بالحلم فنبين تعبيره. وأجاب الملك حكماءه قائلاً: " إني أعلم يقيناً أنكم تكتسبون وقتاً إذ رأيتم أن القول قد خرج مني. بأنه إن لم تنبئوني بالحلم فقضاؤكم واحد. لأنكم قد اتفقتم على كلام كذب وفاسد لتتكلموا به قدامي إلى أن يتحول الوقت. فأخبروني بالحلم: فأعلم أنكم تبينون لي تعبيره." (دانيال 2: 8- 9) هنا يظهر عجز السحر، والتنجيم، والعرافة، والاستنتاج البشري عن كشف أسرار الله "هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أيضاً إلا روح الله" (1 كورنثوس 2: 11). وهكذا أقر الكلدانيون بعجزهم.

قالوا للملك "ليس على الأرض إنسان يستطيع أن يبين أمر الملك. لذلك ليس ملك عظيم ذو سلطان سأل أمراً مذل هذا من مجوسي أو ساحر أو كلداني. والأمر الذي يطلبه الملك عسر وليس آخر يبينه قدام الملك غير الآلهة الذين ليست سكانهم مع البشر." (دانيال 2: 10- 11) هنا اشتعل غضب الملك، واغتاظ جداً، وأمر بإبادة كل حكماء بابل.

"فخرج الأمر وكان الحكماء يقتلون فطلبوا دانيال وأصحابه ليقتلوهم" (دانيال 2: 13).

كانت هذه الأزمة، أزمة حياة أو موت.. أزمة لا مخرج منها إلا بإعلان خاص من الله.

ولعلنا نتساءل: لماذا يسمح الله للأقلية الأمينة التي تعبده بالروح والحق أن تجتاز مثل هذه الأزمات؟ والجواب:

أولا: لأن الله يريد أن يؤكد أن لهذه الأقلية ما قاله داود في المزمور "الله لنا إله خلاص وعند الرب السيد للموت مخارج" (مزمور 68: 20).

ثانياً: إن الله يريد أن يستخدم هذه الأزمة لكي ينادي باسمه في كل الأرض "لأنه يقول الكتاب لفرعون إني لهذا بعينه أقمتك لكي أظهر فيك قوتي ولكي باسمي في كل الأرض" (رومية 9: 17).

وثالثاً: ليجعل الله من هذا الأزمة المدمرة طريقاً لرفعة الأقلية الأمنية. وفي سفر أعمال الرسل نرى أن الله قد سمح بأن تخرج من الحرارة أفعى وتنشب أنيابها في يد بولس الرسول ليتيح له الفرصة للشهادة له، وليدفع سكان جزيرة مليطة إلى إكرامه. (أعمال 28: 1- 10).

كيف تصرف دانيال بهذه الأزمة؟ هل استسلم للقلق، والاضطرابات، والفزع، والانزعاج، والخوف؟ هل سار هائماً على وجهه لا يدري ماذا يفعل؟ هل رفع صوته بلوم الله لسماحه بأزمة مريرة كهذه؟ هل ملأت رأسه أفكار الشك في محبة الله وعنايته وحكمته؟ هل حاول أن يهرب لحياته إلى بلد بعيد؟

لم يفعل دانيال شيئاً من هذه.. لقد تصرف بهدوء عجيب، لأنه آمن بالله، وتيقن أن بيده مقاليد الأمور، وأنه كاشف الأسرار، وأنه سمح بهذه الأزمة الطاحنة لخيره وخير أصحابه... وعرف أنه إذا كان الشيطان قد حاول استخدام هذه الأزمة للتخلص من دانيال وأصحابه بالقتل، فإن الله العلي سيستخدم بحكمته هذه الأزمة لإتمام مقاصده الحكيمة.

والآن تعال معي لنرى كيف تصرف دانيال

استخدام الحكمة الممنوحة له من الله
الصفحة
  • عدد الزيارات: 28366