دعوة للغلاطيين أن يرجعوا (5: 2- 12)
"ها أنا بولس" وهي ديباجة توهم بأنه كان في موقف قضاء رسمي "أقول لكم إنه إن اختتنتم" وأنتم على مثل هذه الآراء والاعتقادات بحيث تحسبون الختان ضرورياً للخلاص "فالمسيح لن ينفعكم شيئاً". لأن إشراك الأمور الطقسية في عمل المسيح من أجل الفداء يجعل المسيح ينسحب عنا بالكلية لأن الفرد الذي له المقام الأسمى لا يطيق رؤية منافس له فإذا عرض له المنافس تركه وارتحل "بل أشهد أيضاً" كما شهدت سابقاً "لكل إنسان يختتن" يظن الختان ضرورياً للخلاص "أنه مكلف بأن يقيم الشريعة كلها" لأنه قد أخذ على عاتقه طوعاً أن يحمل نير الشريعة الموسوية التي يُحسب ختان الرجل بمثابة انتمائه إليها "لقد سقطتم عن المسيح يا من تبررون بالشريعة" لأنكم أنكرتم أنه الواسطة الوحيدة للخلاص "لقد أقصيتم عن النعمة" لأنكم اتّكلتم على مساعيكم لحفظكم ظواهر الشريعة وذلك بمثابة إنكار لنعمة الله. انظر فيلبي 3: 4- 9 حيث يصف الرسول كيف كفَّ عن الاتكال على الشريعة لأن نجاحه ظاهرياً في حفظها إنما كان يؤدي إلى اليأس. لما لفظة "أُقصيتم" فتدل في الأصل على معنى النفي والإبعاد عن البلاد مع التجريد عن هذه الامتيازات والحقوق الوطنية وهو ما يحدث للمؤمنين الذين يلتجئون إلى غير المسيح. لأن من طلب التجنس بجنسية أجنبية وجب عليه أن يتنصل من جنسيته القديمة "لأننا نحن" معشر المؤمنين المخلصين "بالروح نتوقع" واللفظة اليونانية تدل على التوقع بشوق "رجاء بر" أي المجد والخلود مع الله "بالإيمان" أي ليس باعتمادنا على نجاحنا الذاتي وحفظنا فرائض الشريعة كما يظهر من التعليل الآتي "لأنه في المسيح يسوع" الذي تدعون الانتماء إليه "لا الختان" الذي تتبجحون به "ينفع شيئاً ولا الغرلة" لأنني لست أدعي أن مجرد الامتناع عن الخلاص أمر ضروري للخلاص "بل الإيمان" كما قلنا سابقاً. لا الإيمان الدال على التصديق العقلي بل الإيمان "العامل بالمحبة" الذي يحيي القلب ويغيره. وهذا القيد للإيمان يطابق قيد الإيمان في الآية السابقة وهو قوله "نتوقع بالإيمان" وهو نتيجة اتضاع النفس وانكسارها أمام محبة الله بالمسيح يسوع.
"كنتم تحاضرون حسناً" والاستعارة مأخوذة من السباقات اليونانية القديمة. قابل أصحاح 2: 2 و1 كورنثوس 9: 24- 27 "فمن عاقكم" والعبارة في الأصل اليوناني تدل على تخريب الطريق وجعله غير صالح للمرور. فكأن الرسول يسألهم قائلاً: "من وضع العراقيل أمامكم "حتى لا تطيعوا الحق" المعلن في يسوع المسيح"؟ "إن هذا الاقتناع" أو الاعتقاد الجديد "ليس من الذي دعاكم" أي ليس من الله. نعم إن الأمر الرديء الذي قد يكون صغيراً جداً ولكن على رأي المثل "خَمِيرَةٌ يسيرةٌ تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ" سواء كانت تلك الخميرة رديئة أم (كما في مثل السيد المسيح) جيدة "أما أنا فإنني واثق بكم" أي أننا نحن نعرف بعضنا بعضاً حق المعرفة "في الرب" الذي هو مرجع كل ثقة متبادلة "أنكم لا ترتأون شيئاً آخر" بعد إطلاعكم على هذه الرسالة وتأملكم فيها "ولكن الذي يثيركم" أي ذلك الدخيل الذي يزعجكم "فسيتحمل القضاء" أي الدينونة "كائناً من كان" حتى ولو كان من رؤساء الكنيسة.
ثم يعود الرسول فيتذكر تهمة من تهم ذلك الخصم الدخيل وهي قوله أنه أي بولس كان قد ختن تيموثاوس في كنيسة غلاطية نفسها فأراد أن يبرهن لهم أن أمر تيموثاوس يختلف عن أمرهم لأنه (أي تيموثاوس) كان يهودياً. فلقول بأن بولس كان يكرز بضرورة الختان لأجل الخلاص ظاهر البطلان فقال "وأنا أيها الإخوة إن كنت لا أزال أكرز بالختان فلماذا أُضطهد؟" أي لماذا يقاومني حزب الختان؟ "فلعل عثرة الصليب قد أُبطلت!" والكلام هنا تهكم فإن بولس كان لا يزال حاملاً عار الصليب "ليت الذين يفتنونكم" والعبارة تشير إلى السعي على التجريد من حقوق الوطنية الروحية "ينبترون!" والكلمة في الأصل اليوناني تحتمل معنى آخر وهو الخصي. وكان كهنة بعض الأديان في غلاطية خصياناً. وغرض بولس هو أن كلا الختان والخصي متساويان فيما يخص الغلاطيين لأن كليهما من باب تعذيب الجسد أملاً بالحصول على نتيجة روحية.
- عدد الزيارات: 1721