Skip to main content

مقارنة النظامين من وجهة نظر أخرى (4: 1- 11)

وهنا يرجع بولس إلى المثل "المربي" (عدد 2 آنفاً) ويذكر أن التلميذ الذي تحت يد المربي لابد له أن يكون قاصراً أيضاً لا يجوز له أن يرث بعد. فقال: "وأقول أنه ما دام الوارث قاصراً" واللفظة في الأصل اليوناني تعني غير راشد "فلا يمتاز بشيء عن العبد" بل هو تحت وصاية عبد (لأنه كما رأينا كان المربي وقتئذ أحد العبيد "وإن يكن مالك الجميع" أي أنه سيصبح مالكاً للكل عندما يبلغ الرشد "فإنه تحت الأوصياء" الموكلين على شخصه "والوكلاء" المعهود إليهم بإدارة أشغاله وأعماله "إلى الأجل الذي ضربه الآب" حينما بلغ الرشد. "هكذا نحن أيضاً لما كنا قاصرين" بالمعنى الروحي أي غير بالغين روحياً أي قبل اهتدائنا "كنا مستعبدين لمبادئ العالم الأولية: ومعنى "المبادئ الأولية" في الأصل هو "الألف باء" (الحروف الأبجدية) والمقصود من ذلك هنا كما يتضح من كولوسي 2: 19 و20 هو طقوس خارجية كثيرة زهيدة الفائدة الروحية ككثر الفرائض الموسوية "ولكن لما حان ملء الوقت" أي الأجل الذي ضربه الله لأولاده القاصرين "أرسل الله من عنده" أفاض من ذاته تعالى "ابنه" لا عبداً مخلوقاً كموسى أو غيره من الأنبياء "مولوداً من امرأة" أي لابساً ثوب الناموس وكل ما يترتب عليه "مولوداً تحت الشريعة" متحملاً ما يترتب على ذلك من الحدود الأدبية لكي يتغلب غلبة نهائية "ليفتدي من هم تحت الشريعة" يعني الأولاد القاصرين "لننال التبني" وهذا التبني يجعل ما كان في حيز الإمكان حقيقياً "وبما أنكم أبناءٌ أرسل الله من عنده" أفاض بعد أقنوم كلمته أقنوم "روح ابنه" و"روح الله" وروح الآب" و"روح ابنه" واحد "إلى قلوبكم منادياً" فيكم وبكم "أبّا" وهي الكلمة السريانية التي كان المسيح يستعملها دائماً في أثناء حياته الأرضية ومعناها "أيها الآب" وهذه المناداة التي نلجأ إليها كلما قلنا "أبانا الذي في السموات" هي البرهان على نبوءة المؤمنين الروحية "فلست بعد عبداً" كما كنت قبل أيم النعمة "بل أنت ابن وإذا كنت ابناً فأنت وارث" لك جميع امتيازات الوراثة وحقوقها "بالله" أي بسبب تبني الله لك وضمه لك في يسوع المسيح.

هذا هو التعليم المجيد. فيا من أنت تحت الشريعة سواء كانت شريعة موسى أم شريعة محمد أم شريعة أخرى. قدّم الشكر لله واعلم أن طور الوصاية قد انقضى وقد دعاك الله إلى الرشد لتؤمن به وتكون ابناً له. فإذا لبّيت نداءه ولدت ولادة جديدة وهكذا تمكنت من مقاومة الخطية والتغلب عليها وإتمام البر بطريقة لم تكن ممكنة قبلاً.

رأينا في ما مضى أن بولس شرح الامتيازات العجيبة التي للمؤمنين في المسيح وكيف أنهم ينالون حقوق التبني التامة بعد أن يقضوا مدة القصر تحت الشريعة. ونراه الآن يدهش من تصرف الغلاطيين ويستاء من تقهقرهم خطوة إلى الوراء حالة كونهم أنها خطوة إلى الأمام!

"أما في ذلك الزمن" أي زمن الجاهلية "فإنكم تعبدتم للذين" دعموهم آلهة واعتقدتم كونهم كذلك وهم "ليسوا في الحقيقة آلهة" بل أبالسة. انظر 1 كورنثوس 10: 20 حيث يقول إن المخلوقات التي يتصورها الأمم آلهة في الحقيقة أبالسة[1] "وأما الآن" بعكس الزمن المشار إليه "وقد عرفتم الله" معرفة القلب "بل بالحري عرفكم الله" والمقصود من هذا الاستدراك منع الغلاطيين من المباهاة بكونهم هم الذين عرفوه باجتهادهم. وليست معرفة الله هذه بمعنى العلم المطلق بل بمعنى الرضى "فكيف ترجعون ثانية إلى المبادئ الأولية" التي نسبتها إلى المبادئ العليا كنسبة الألف باء إلى الجملة المفيدة. وقد وصف كونها تلك بكونها "الضعيفة" إذ لا قوة لها على الخلاص. انظر غل 3: 21 ورومية 8: 3 "التافهة" والكلمة الأصلية هي تماماً بمعنى قول العامة "فقائري" والخلاصة أن تلك المبادئ لا قيمة لها ولا تعني شيئاً ومع هذا فهي المبادئ "التي تريدون أن تتعبدوا لها تعبداً جديداً" أيها الغلاطيون! ولا عجب إذا استاء بولس الرسول فإن حالة أولئك الغلاطيين كانت تشبه حالة عبيد أمريكا فيما لو قالوا بعد أن سُفكت دماء كثيرة لأجل تحريرهم أننا نريد أن نرجع إلى عبوديتنا السالفة. أو كأن الإنسان الماهر في القراءة والكتابية يقول: "إنني أحب الرجوع لدرس الألف باء".

تُرى ما هي المبادئ التي أشار إليها الرسول؟ ترى الجواب في قوله "أتحفظون أياماً وشهوراً وأوقاتاً وسنين!" كأن الدين لا يقوم إلا بحفظ تلك الطقوس ولو أدى حفظها إلى إهمال الحياة الروحية في المسيح ولا يخفى أن الرسول لا يستنكر حفظ يوم الأحد مثلاً أو العيد الكبير أو عيد العنصرة الخ. لأنه هو نفسه كان يحفظها بل قصده أن حفظها أمر ثانوي لأنها بمثابة مبادئ أولية أي ألف باء في الدين وأن المبادئ الصحيحة هي الحقائق التي تنطوي عليها محبة الله. وإنما تذكرنا بها هذه الآحاد والأعياد.

 

[1]- وفي قراءة أخرى إن كلمة "ليسوا" تنفي "آلهة" لا بالطبيعة" فيكون المعنى مختلفاً قليلاً أي الذين ليسوا آلهة بالحقيقة بل بالاسم.

  • عدد الزيارات: 1820