عودة الرسول إلى الكتابة محذراً أهل فيلبي من خطأين متضادين - الخطأ الثاني
1:4 إعتبار المسيحيين معفون من الشرائع الأدبية ص 15:3_ ص
دعوتهم إلى التمثل به. وتحذيرهم من الحياد عن الطريق المستقيم مطالباً إياهم بذلك بصفة كونهم من رعايا السماء
ص15:3-1:4
ولذلك خاطبهم الرسول قائلاً "فليفكر جميع البالغين بيننا" أي البالغين في الحياة المسيحية لا الأحداث القصر الذين هم عرضة للإنقلاب (أفسس 13:4) وكلمة ((بالغين)) في الأصل اليوناني لا تدل على البلوغ فقط بل على الدخول في رتبة من الرتب السرية كالماسونية مثلاً. ومقصد الرسول هو أنه يجدر بجميع الداخلين في سر الديانة الأخيرة القويمة أن يظهروا ذلك ليس بافتخارهم وخمولهم بل بسعيهم لنيل ذلك المجد الذي لا ينال إلا بالسعي
"وإن فكرتم في شيء خلافه" أي إذا لم تستطيعوا أن توجهوا أفكاركم إلى هذا الأمر "فسيعلن لكم اللَّه هذا أيضاً" ويوضح لكم أن ذلك المستقبل المجيد لا يمكن نيله إلا بالسعي "بيد أن ما وصلنا إليه فلنسلك ذلك السبيل بعينه" لأنه إذا لازم الجميع بأمانة الطريق الذي أوصلهم إلى ذلك الحد فلا بد أن يفضي بهم إلى النهاية التي كان بولس يراها جلياً أمامه وإن كانت تخفى على الذين هم أقل بصراً منه.
"كونوا جميعاً متمثلين بي" في تفضيل معرفة المسيح على كل شيء آخر في هذا العالم- لا تقليداً أعمى كما يفعل الذين يعيشون في ديانة أبائهم بلا فكر بل تقليداً مبنياً على الخبرة والعقل كما يفعل الذين يقتفون أثر من يسير في هذا العالم على مبدأ قويم وكما يقتدي الأخ الصغير غير المحنك. ولذلك خاطب الرسول القوم بقوله لهم "أيها الأخوة" وأشار عليهم أن يتوقعوا نفس تلك القدوة من رؤسائهم قائلاً "راقبوا الذين يسيرون حسب المثال الذي لكم فينا"
وقد كان مبدأ القديس في ذلك الزمن بمنزلة محك للديانة المسيحية الذي بواسطته أمكن تمييز الكذبة من الصادقين. لذلك كتب يقول "لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم مراراً" عند ما كنت معكم "والآن أذكرهم باكياً" في هذه الرسالة "يسيرون معادين لصليب المسيح" كالذين أشير إليهم في الإصحاحين الأول والثالث وهم اليهود المتنصرين الذين استأجرهم المتعصبون المتطرفون من حزبهم لاقتفاء خطوات القديس بولس وإفساد عمله (أنظر الرسالة إلى أهل غلاطية) أولئك الرجال "الذين آخرتهم الهلاك" لأن غلطهم لم يكن عن حسن نية بل عن تعمد "الذين إلههم بطنهم" وهم خونة مأجورون "وفخرهم في عارهم" فلا يخجلون. أولئك "الذين يفكرون في الأرضيات" وما أكثرهم في كل مكان وزمان ونعرفهم بينا فأنهم يتصدون للدفاع عن الدين ومع ذلك نشعر أنه ليس فيهم روح الدين بل هم يتاجرون به لجر مغنم وهم بعيدون عن التفكير في الروحيات.
أما الأتقياء الحقيقيون فقال عنهم الرسول "فأن وطننا نحن" أي الوطن الذي نحن أبناؤه "فهو في السموات" حيث ملكوت اللَّه. ولا يخفى أنه حيثما تكون كنوز المرء فهناك يكون قلبه أيضاً لأن في ذلك الوطن غير المنظور يقيم ملك الأرض والسموات- تلك السموات "التي منها نتوقع منقذاً" لأن رعية ذلك الملك واقعون هنا تحت الاضطهاد وهم في حاجة إلى منقذ يخلصهم من ظلم العالم ومن قيود الماديات الثقيلة. نعم لابد أن ينقذهم منها منقذ "هو الرب يسوع المسيح" عند مجيئه الثاني في مجده "الذي سيحول شكل جسد ذلنا" أي الجسد الذي هو بحالته الحاضرة مقيد بقيود الذل والامتهان ومعرض للتجارب والأحزان. فلابد من تغيير شكله "ليكون على صورة جسد مجده" ذلك الجسد الذي كان له عند القيامة وقد صعد به إلى السموات وهو يقيم به في عالم الغيب وليس ذلك الجسد قابلاً لمظاهر الذل المذكورة. هذا هو التغيير الذي لابد من حصوله للذين يجتهدون أن يقلدوه في هذه الحياة. الذين يوجهون أفكارهم إليه لا إلى الأرضيات. وهو يريد أن يحيوا معه إلى الأبد فلابد إذاً من أن يغير أجسادهم لتكون ملائمة لتلك البيئة "حسب عمل قدرته على إخضاع جميع الأشياء" سواء كانت روحية أو مادية كالروح والجسد والموت فأن له على جميعها سلطة تامة لا تظهر في الماديات إلا عند مجيئه وهو يؤجل إظهارها في الماديات امتحاناً لقديسيه في حالة ((جسدهم)) أو ((ذلهم)) الحاضر. وهذا التعليم العجيب يوافق ما جاء في1يوحنا 1:3 و2 ((أنظروا آية محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد اللَّه. أيها الأحباء. الآن نحن أولاد اللَّه ولم يظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذا اظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو)).
"إذاً" أي بما أن المسيح آت بالمجد ليمجد الذين هم خاصته كما قال آنفاً "يا أخوتي الأحباء يا سروري وإكليلي" أي أكليل أتعابي- لاحظ كيف يستعمل الرسول هذه العبارات الكثيرة الدالة على العطف والحنان قبلما يطلب منهم شيئاً هو خلاصة كل شيء "أثبتوا في الرب" لأنه آت بالمجد ولا تفشلوا مادام رجاؤنا وطيداً ومضموناً "أيها الأحباء" (وهذا الكلام متعلق بما قبله).
نهاية انتقال الرسول عن الموضوع.عوده إلى متابعة كلام الذي انقطع عنه في ص1:3 عظاته الأخيرة عن الإتحاد وحثه على إزالة الانقسام وقد وجه طلبه إلى أشخاص ذكر أسماءهم
"اطلب إلى أفودية وسنتيخي" وهما امرأتان مؤمنتان والظاهر أنهما كانتا من المتقدمات في كنيسة فيلبي.
"أن تجمعا في الرب على رأي واحد" أي أن تتفقا بقلب واحد ويد واحدة على العمل في سبيل اللَّه. وقد رأينا من أشارات سابقة متعددة أن كنيسة فيلبي كان فيها بعض الميل إلى التحزب وهو نقطة ضعفها الوحيد. والظاهران أن المرأتين المشار إليهما كانتا في خطر من هذه الجهة.
"أجل وأسألك أنت أيضاً يا رفيقي المخلص" الخطاب إلى زعيم آخر لم يذكر الكتاب أسمه وربما هو راعي كنيسة فيلبي "أن تعضدهما" لتتبعا مشورتي ونصحي لهما بالإتحاد وذلك بأن تنصح لهما أنت أيضاً وتكون جامعاً بينهما لا مفرقاً لأنهما أهل لمساعدتك.
"فأنهما جاهدتا معي في الإنجيل" كبرسكيلا الأفسسية و فيلبي الكورنثية وهما مثل على تأثير الإنجيل في إظهار فضيلة المرأة وتقوية حريتها "مع أكليمندس" المجاهد معي- وقد زعم البعض أن هذا الشخص أصبح فيما بعد زعيماً لكنيسة رومية وكتب رسالته المشهورة إلى كنيسة كورنثوس عند نهاية القرن الأول واللَّه أعلم " وسائر العالمين معي الذين أسماؤهم في سفر الحياة" فلماذا لا يتفق الجميع معاً في هذه الحياة.
- عدد الزيارات: 4716