الفصلُ الخامِس وَصَفاتٌ لِلتَّواصُلِ معَ النَّاس - أضيئُوا الأنوار
أضيئُوا الأنوار
بينما تتكاثَرُ البَكتِيريا في الظَّلام، مُعظَمُ البَكتِيريا لا تستطيعُ العَيشَ في النُّور. فإذا أرادَ زَوجٌ وزَوجَةٌ أن يَبنِيا علاقَةً زوجِيَّةً وطيدة ويُحافِظا عليها، يُمكِنُ النَّظَرُ إلى تواصُلِهِما الجَيِّد وكأنَّهُ نُورٌ ساطِعٌ يُسلِّطانِهِ على البَكتيريا التي تُشَكِّلُ عقبَةً في تواصُلِهما. وعندما يفعَلانِ ذلكَ، مُعظَمُ هذه البَكتِيريَا سوفَ تمُوتُ، وبحُسنِ التواصُل، سيُمكِنُهما التعامُلُ معَ البَكتيريا التي لم تَمُتْ. يَصِحُّ هذا المبدَأُ على كُلِّ العلاقات.
بناءً على هذا التعريف للإتِّصالِ أو التواصُل، هُناكَ مُلاحَظَةٌ أُخرى بإمكانِي تقديمُها هي أنَّهُ يُوجدُ دائماً بُعدانِ للإتِّصال. يُفيدُ تعريفي العَمَليّ للإتِّصال أنَّهُ، "عطاءُ وأخذُ المَعلومات، الرَّسائِل، والأفكار." يتبَعُ أنَّ التواصُلَ في العلاقَةِ الزوجِيَّةِ، أو في أيَّةِ علاقَةٍ أُخرى، فيهِ مجالٌ للعطاءِ وآخَرُ للأخذ. بِحَسَبِ هذا التَّعريف، بإمكانِي أيضاً الإستِنتاج أنَّهُ يُوجَدُ بُعدانِ لمشاكِل التواصُل في العلاقات. أحياناً يكُونُ مصدَرُ المُشكِلة هُوَ المُعطي، وأحياناً أُخرى يكُونُ مصدَرُ المُشكِلة هُوَ الشخصُ الذي يتلَقَّى الإتِّصال.
وصفَت إحدى النِّساء مُشكِلَةَ الإتِّصال في زواجِها كالآتي: "وكأنَّ زَوجي يعيشُ على جَزيرَةٍ سِرِّيَّةٍ، وأنا أَدُورُ حولَ هذه الجزيرة منذُ عشرينَ عاماً، مُحاوِلَةً إيجاد مرفَأٍ لأركُنَ فيهِ سفينَتي، ولكن بِدُونِ جَدوَى."
تصوَّرْ أنَّكَ أنتَ وزوجَتُكَ تعيشانِ بالفِعل على جَزيرَتَينِ مُنفَصِلَتَين، وطريقَةُ تواصُلِكُما الوَحيدة هي بِواسِطَةِ الجهاز اللاسِلكِي. فلِكَي تتواصَلا معاً، ينبَغي أن يحدُثَ أمران؛ على واحدٍ منكُم أن يفتَحَ جهازَهُ اللاسِلكيّ ويُرسِلَ رِسالَةً للشخصِ الآخَر. والزوجُ الآخر الذي تُرسَلُ إليهِ الرِّسالَة، على أن يُقَرِّرَ أن يفتَحَ جهازَ الإستِقبالِ خاصَّتَهُ، وأن يُفتِّشَ على الموجَةِ الصحيحة، فيتلَقَّى تِلكَ الرِّسالة.
كما تعلَّمنا في الفَصلِ الأخير، حتَّى التواصُل الذي لدَينا إيَّاهُ معَ الله لهُ بُعدان: العطاءُ والأخذ. التواصُلُ في الزواج أو في أيَّةِ علاقَةٍ أُخرى لهُ بُعدانِ مُمَيَّزانِ، كما ولو كُنتُما كَزَوجَينِ كُلٌّ منكُما على جزيرَةٍ منفَصِلاً عن الآخر.
أحياناً، يكُونُ مصدَرُ مُشكِلَةِ التواصُلِ في الزواج هُوَ أنَّ المُرسِلَ لا يُديرُ جهازَهُ اللاسِلكي ولا يُرسِلُ رسالَةً. وعندما يفعَلُ هذا، تفسُدُ الرِّسالَةُ وتُصبِحُ مُشوَّشَة. قالت إمرَأَةٌ مرَّةً عن زوجها، "أنا أعرِفُ أنََّكَ تَظُنُّ أنَّكَ فَهِمتَ ما قُلتُهُ أنا، ولكن ما أنتَ بحاجَةٍ أن تعرِفَهُ هُوَ أنَّ ما قُلتُهُ أنا هُوَ ليسَ ما قصدتُهُ." هُناكَ أوقاتٌ أيضاً يكُونُ فيها جهازُ الإستِقبالِ مُغلَقَاً، أو غيرَ مَوضُوعٍ على المَوجَةِ الصَّحيحَةِ.
عبرَ أكثَر من عشرة عقُودٍ قضَيتُها في خِدمَتي كراعي كنيسة، كانَ يُجيبُني الأزواجُ بَينَما أسألُهم عن تواصُلِهم، فيقُولُونَ أنَّهُ ليسَ بينهم تواصُلٌ جَيِّد. وبما أنَّ الأشخاص الذي لا يتكلَّمُونَ كثيراً معَ بعضِهم نادِراً ما يتزوَّجُونَ، مُعظَمُ هؤُلاء الأزواج أجابُوا على سُؤالي بقولِهم لي أنَّهُ كانَ لديهم إتِّصالٌ جَيِّدٌ جداً عندما تزوَّجُوا في بدايَةِ الأمر.
وعندما إتَّفقنا أنا وشَريكَينِ زَوجِيَّين على أنَّهُ من الواضِح أنَّ شَيئاً ما حدَثَ ودمَّرَ خُطُوطَ تواصُلِهما، أعطَيتُهما فرضاً منزِليَّاً. طَلبتُ منهُما أن يكتُبَا لائِحَةً بكُلِّ الأسباب التي يعتَقِدانِ أنَّها إدَّت إلى تضرُّرِ تواصُلِهما. من هذه اللوائح، إكتَشَفتُ عارِضَينِ واضِحَين ونمُوذَجِيَّين لمُشكِلَةِ التواصُلِ في الزواج. وهذان العارِضَانِ كانَا أنَّ أحدَهُما توقَّفَ عنِ الكلام، والعارِضُ الآخر كانَ أنَّ أحدُهما أو الآخر كانَ يَغضَبُ عندَ مُحاوَلَتِهما التواصُل.
إن كانَت مُشكِلَةُ تواصُلِهما أنَّ أحدَهُما أو كِلاهُما توقَّفا عن الكلام، طلَبتُ من الشريكِ الصامِتِ أن يكتُبَ لائحَةً بكُلِّ الأسبابِ التي من أجلِها توقَّفَ عن التحادُث. إن كانت المُشكلة أنَّ أحدَهُما أو كلاهُما كانَا يغضَبانِ عندما يُحاوِلانِ التحادُثَ معَ بعضِهما كُنتُ أطلُبُ من الشخصِ الغاضِب أن يكتُبَ لائحَةً بكُلِّ الأسباب التي جعلت التواصُلَ بيَنُهما يُسبِّبُ الغضَبَ لهما.
أخبَرتُهُما أنَّ أسبابَ توقُّفِهما عن الكلامِ مع بعضِهما، أو أنَّهُما كانَا يغضَبانِ عند مُحاوَلتِهما التواصُلَ، كانت تُسمَّى هذه الأسبابُ بمُعطِّلاتِ حلقة الإتِّصال. وهي تُشبِهُ قطعَةً كهربائيَّة تقطَعُ التيَّارَ الكَهربائِي عندما يزدادُ تحميلُ الشبكة، وينشأُ خطرٌ بإندلاعِ النار أو حُدُوثِ أذىً مُعيَّناً للأجهزة الكهربائيَّة في المنازِلِ والأبنِيَة. وطَلبتُ منهُما أن لا يُناقِشاَ لوائِحُهما بمُعطِّلاتِ حلقَةِ الإتِّصال، إلى أن نُناقِشَها معاً في جلستِنا المُقبِلة.
وعندما ناقَشتُ معَهُما "مُعطِّلاتِ حلقة الإتِّصال" هذه، واحدةً بعدَ الأُخرى، شجعَّتُهُما على التفكيرِ بما يَظُنَّانِهِ مطلُوباً لترميمِ حلقات الإتصال المقطوعة هذه. ولقد ركَّزَت هذه العمليَّةُ لي ولأُلئكَ الأزواج على الحقيقة التي لا تُدحَضُ أنَّ التواصُلَ الجَيِّد هُوَ وضعِيَّةُ عَطَاءٍ وأَخذٍ. كانت "مُعطِّلاتُ حلقَاتِ الإتِّصال" هذه غالَباً عن كيفَ يتِمُّ إستِقبالُ إتِِّصالِ أحدِ الشريكَين من قِبَلِ الشَّريكِ الآخر.
مثلاً، كتبَت زوجَةٌ مرَّةً، "عدم الإستِماع" كسببٍ أدَّى إلى توقُّفِها عنِ الكَلام. قالَت أنَّها عندما كانت تقُولُ لِزَوجِها، "لقد تكلَّمَ الطفلُ الجديدُ ببعضِ الكلماتِ اليوم،" أدرَكت أنَّ زوجها أدارَ لها الأُذن الطَّرشاء. وبما أنَّهُ من غَيرِ المُفتَرَضِ بالتَّواصُل أن يَكُونَ حِواراً معَ الذَّات أو مُونُولُوغ، توقَّفَتِ الزَّوجَةُ عن الكلام. وقبلَ أن تُجهِشَ بالبُكاء، أخبَرتني أنا وزوجَها أنَّ عدم إصغاء زوجها لها كانَ يعني أنَّهُ لم يكُنْ مُهتَمَّاً؛ وكونُهُ غير مُهتَمّ كانَ يعني أنَّهُ لم يشعُرْ بالإلتِزام، وعدم شُعُورِهِ بالإلتِزامِ تِجاهَها وتجاهَ الطفل يعني أنَّهُ لم يكُنْ يُحِبُّها ولم يكُنْ يُحبّ الطفل!
ذكَرَ زوجٌ أنَّهُ عندما كانَ يُشارِكُ أمراً كانَ مُهِمَّاً بالنسبَةِ لهُ، مثل فكرة ذهابِهِ ليدرُسَ في كُلِّيَّةِ اللاهُوت، كانَت زوجَتُهُ تضحَكُ عليهِ. عِندَها صَرَّحَ أنَّهُ لن يُشارِكَ بمَشاعِرِ قَلبِهِ العَميقَة معَ زوجَتِهِ مُجدَّداً.
عندما تفتَحُ قلبَكَ أمامَ شخصٍ آخر، وكأنَّكَ وضعتَ قَلبَكَ بينَ يديه. وعندما يُمسِكُ الشخصُ الأخرُ بقَلبِكَ بينَ يديهِ، بإمكانِهِ أن يعمَلَ بهِ ما يَشاء. بإمكانِهِ أن يعصُرَهُ؛ بإمكانِهِ أن يطرَحَهُ أرضاً ويدُوسَ عليهِ؛ أو بإمكانِهِ أن يزدَرِيَ بهِ. أسوَأُ شَيءٍ بإمكانِهِ أن يفعَلَهُ بقَلبِكَ هُوَ أن يتجاهَلَهُ، لأنَّ نقيضَ المحبَّةِ ليسَ الكَراهِيَة، بل اللامُبالاة أو التجاهُل.
أن تتجاهَلَ شخصاً آخر هُوَ نقيضُ محبَّةِ هذا الشخص الآخر. من المُمكِن أن تتجاوَبَ معَ مُحاوَلاتِ زوجتِكَ بالتواصُلِ معَكَ، بمُجرَّدِ تجاهُلِ عواطِفِها القَلبِيَّة للتواصُلِ معكَ. أنتَ تَتَجاهَلُ شَريكَةَ حياتِكَ الزَّوجِيَّة عندما تُحاوِلُ زوجَتُكَ أن تتواصَلَ معَكَ وأنتَ لا تُصغي إلَيها.
كتبَ أحدُ الأزواج أنَّ زوجتَهُ كانت "سَليطَةَ اللِّسان." بالنسبَةِ لهُ، عندما جعلَ من نفسِهِ ضعيفاً قابِلاً للكَسرِ، بمُحاوَلَتِهِ أن يتواصَلَ معَها على مُستَوىً عميق، كانت غالِباً تستَغِلُّ إستسلامَهُ فتطعَنُهُ في الظَّهرِ. ولقد وجدتُ هذا مُثيراً للإهتمامِ أنَّهُ في جلسَةِ الإرشاد نفسِها تلكَ، ذَكَرت زوجَتُهُ على لائحتِها لمُعَطِّلاتِ حَلَقاتِ الإتِّصال أنَّ زوجَها كانَ "مُجرِماً في كلامِهِ." وكانت تخافُ أن تُحَدِّثَهُ عن أُمُورٍ عديدة، لأنَّهُ كانَ "سيغتالُها في كلامِهِ" إذا حاوَلَت أن تُخبِرَهُ بما كانَ يحتاجُ أن يسمَعَهُ، ولو لم يكُنْ يُحِبْ أن يسمَعَهُ.
هُناكَ نظرَةٌ مُشتَرَكَة حيالَ ديناميكيَّاتِ الإتِّصال بينَ الزوجِ والزَّوجَةِ، بينَ كُلِّ هذه الأمثِلة. فالإتِّصالُ ليسَ فقط الطريقة التي يُقدَّمُ فيها؛ الإتِّصالُ في العلاقَةِ الزَّوجِيَّةِ، أو في أيَّةِ علاقَةٍ أُخرى، يتعلَّقُ أيضاً بالطريقَةِ التي يُتَلَقَّى فيها هذا الإتِّصالُ من الشخصِ الآخر. في هذين المَثَلَين، الطريقَةُ التي تلقَّى بها أحدُ الشَّريكَينِ الإتِّصالَ من الشَّريكِ الزَّوجِيِّ الآخَر، كانت من مُعطِّلاتِ حلقَةِ الإتِّصال. إذ نُطَبِّقُ وصفاتٍ كتابِيَّةً على التواصُلِ في علاقاتِنا، تُرينا هذه الحقيقَةُ الأساسيَّةُ عن الإتِّصال في الحَياة أنَّنا نحتاجُ أن نُدرِّبَ أنفُسنا لنُصبِحَ مُتَلَقِّينَ جَيِّدين، أو مُستَمِعِينَ جَيِّدِين.
- عدد الزيارات: 10430