الفَصلُ الأوَّل "مَواقِفُ المَجيء إلى الرَّبّ" - الحَزَانَى
الحَزَانَى
المُوقِفُ الثَّانِي المُبارَك هُو: "طُوبَى لِلحَزَانَى لأنَّهُم يتعزَّون." (متَّى 5: 4) يُعطينا يسُوعُ هُنا دَرساً في القِيَم. فهَل نعتَبِرُ أنفُسَنا مُبارَكِينَ عندما نَكُونُ حزَانَى؟ يَعِدُنا يسُوعُ بِوُضُوحٍ ببَرَكَةٍ وتعزِيَةٍ مُمَيَّزَتين في الأوقاتِ التي نَكُونُ فيها حَزَانَى. إنَّهُ بالحقيقَةِ يُقَدِّمُ تصريحاً في القِيَم، يَقُولُ فيهِ أنَّ الحَزَانَى مُبارَكُون.
سُليمانُ، أحكَمُ إنسانٍ عاشَ على الأرض، وافَقَ معَ يسُوعَ عندَما كتَبَ يَقُولُ: "الذَّهابُ إلى بيتِ النَّوحِ خَيرٌ منَ الذَّهابِ إلى بَيتِ الولِيمة لأنَّ ذاكَ نهايَةُ كُلِّ إنسانٍ والحَيُّ يَضَعُهُ في قَلبِهِ. الحُزنُ خَيرٌ منَ الضَّحِك لأنَّهُ بِكآبَةِ الوَجهِ يُصلَحُ القَلبُ. قَلبُ الحُكماءِ في بَيتِ النَّوحِ وقَلبُ الجُهَّالِ في بَيتِ الفَرَح. "في يَومِ الخَيرِ كُنْ بِخَيرٍ وفي يومِ الشَّرِّ إعتَبِرْ. إنَّ اللهَ جعَلَ هذا معَ ذاكَ لِكَيلا يَجِدَ الإنسانُ شَيئاً بعدَهُ." (جامِعَة 7: 2- 4، 14)
بِكَلِماتٍ أُخرى، "تبَارَكَ أُولئِكَ الذين يحزَنُون." يكتُبُ سُليمانُ قائِلاً ما معناهُ أنَّهُ لإختِبارٌ مَهُوب أن نذهَبَ إلى جنازَةٍ وننظُرَ إلى جُثَّةِ شَخصٍ نُحِبُّهُ أو نعرِفُهُ، وقد فارَقَ هذه الحياة. تتحرَّكُ مشاعِرُنا بِعُمقٍ لأنَّنا نَعرِفُ أنَّ القَضِيَّة لَيسَت قَضِيَّة: ماذا لَو حدَثَ هذا لنا، بل هي قضيَّة: متَى سيَحدُثُ لنا أن نُصبِحَ جُثَّةً هامِدَة على وَشَكِ دُخولِ القَبر. يُعلِنُ سُليمانُ أنَّ نِظامَ قِيَمِنا هُوَ في إنسِجامٍ أكثَر معَ القِيم الأبَدِيَّة التي يُريدُ اللهُ أن يُعَلِّمَنا إيَّاها عندما نَكُونُ في جنازَة. فمِنَ الأفضَل الذَّهابُ إلى بيتِ النَّوحِ مِمَّا هُوَ إلى بَيتِ الوَليمة.
أحياناً يَكُونُ لدَى المُؤمنين إقتناعٌ مَغلُوط بأنَّهُم إذا أظهَرُوا عَلاماتِ الحُزن على وفاةِ شَخصٍ محبُوبٍ لديهم، يَكُونُ إيمانُهُم ضَعيفاً. ولكنَّ يسُوعَ حضَرَ جنازَةَ شَخصٍ أحَبَّهُ، وبكى لدَرَجَةِ أنَّ النَّاسَ علَّقُوا بالقَول، "أُنظُرُوا كم كانَ يُحِبُّهُ!" (يُوحَنَّا 11: 35، 36) تَفسيرٌ وتطبيقٌ بِدائِيٌّ لهذه التَّطويبَة الثَّانِيَة هي أنَّهُ علينا أن لا نَكبُتَ حُزنَنا.
كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّنا عندما نفقُدُ أشخاصاً مُؤمنين مَحبُوبين، علينا أن لا نحزَنَ كَغَيرِ المُؤمنين الذين لا رَجاءَ لهُم بأن يَرَوا فقيدَهُم المحبُوب ثانِيَةً (1تسالونيكي 4: 13). عندما فَقَدَ داوُد طِفلاً، عبَّرَ عن الرَّجاء والألم الذي يشعُرُ بهِ الحَزينُ التَّقِيُّ عندما قالَ: "أنا سأذهَبُ إليهِ ولكنَّهُ هُوَ لن يرجِعَ إليَّ." (2صَمُوئيل 12: 23) رَجاؤُنا هُوَ أنَّنا سنرَى في السَّماء فقيدَنا المَحبُوب، الذي سبقَ وتعرَّفَ على يسُوع المسيح كَرَّبٍّ ومُخَلِّصٍ لهُ. ولكنَّ حُزنَنا المَشرُوع مُؤَسَّس على الحقيقَةِ التي لا تُدحَض بأنَّنا سنقضِي بَقِيَّةَ حياتِنا بِدُونِ أن نرى مُجَدَّداً فقيدَنا المَحبُوب.
إذا أرَدنا أن نكتَشِفَ البَرَكَة والتَّعزِيَة اللَّتَينِ وعدَ بهما يسُوع في إختِبارِ حُزنِنا، علينا أن ندعَ اللهَ يستَخدِمُ حُزنَنا ليُحَرِّكَنا بِثلاثَةِ طُرُق: أوَّلاً، علينا أن ندعَ حُزنَنا يأتي بنا إلى المكان حيثُ نطرَحُ فيهِ الأسئِلَةَ الصَّحيحة – لَرُبَّما للمَرَّةِ الأُولى في حياتِنا – علينا أن نطرَحَ الأسئِلَةَ الصَّحِيَحة. كثيرُونَ يقضُونَ حياتَهُم بِدُونِ أن يطرَحُوا بتاتاً الأسئِلَةَ الصَّحيحة. ولكن هُناكَ أسئِلَةٌ يُريدُنا اللهُ أن نطرَحَها عندما نحزَنُ.
أيُّوبُ هُوَ أفضَلُ مثَلٍ على ذلكَ. فلقد فقدَ أولادَهُ العَشرَة، وكُلَّ مُقتَنياتهِ التي إقتَنى، ومن ثَمَّ فقدَ صحَّتَهُ. عبرَ إختبارِ أيُّوب للحُزنِ النَّاتِج عن فُقدانِهِ كُلَّ شَيء، سمحَ أيُّوبُ لِحُزنِهِ بأن يَقُودَهُ إلى المكان الذي طرحَ فيهِ الأسئِلَةَ الصَّحيحَة. طرحَ سُؤالاً عظيماً مثل: "أمَّا الرَّجُل فيَمُوتُ ويَبلَى. الإنسانُ يُسلِمُ الرُّوحَ فأينَ هُوَ؟ إن ماتَ رَجُلٌ أَفَيَحيَا؟" (أيُّوب 14: 10- 14). هُناكَ أمثِلَةٌ عنِ الأسئِلَةِ الصَّحيحة التي يُريدُنا اللهُ أن نَطرَحَها.
الطَّريقَةُ الثَّانِيَة التي يُريدُنا اللهُ أن نتحرَّكَ بإتِّجاهِها عندما نحزَنُ، هي أنَّنا نُحِبُّ أن يَقُودَنا حُزنُنا إلى ذلكَ المكان الذي نستطيعُ فيهِ أن نُصغِيَ إلى أجوِبَةِ اللهِ على الأسئِلَةِ الصَّحيحَة. لقد حصَلَ أيُّوبُ على جوابٍ عظيمٍ على سُؤالِهِ، في أسوأِ مرحَلَةٍ من آلامِهِ، عندما حصَلَ على الإعلانِ المَسيَاوِيّ. فصرخَ قائِلاً، "أمَّا أنا فقَد عَلِمتُ أنَّ وَلِيِّي حَيٌّ والآخَرُ على الأرضِ يَقُوم." (أيُّوب 19: 25).
قد لا يُعطينا اللهُ إعلاناتٍ خارِقَة للطَّبيعَة كما فعلَ معَ أيُّوب، ولكنَّ الكتابَ المُقدَّس مَليءٌ بأجوِبَةِ اللهِ على الأسئِلَةِ الصَّحيحة. المَزمُورُ المُفَضَّلُ عندِي هُوَ مَزمُورُ الرَّاعِي لِداوُد (مَزمُور 23)حيثُ أجِدُ الكثيرَ منَ الأجوِبَة.
أعطانا يسُوعُ جواباً عَظيماً عندما حضَرَ تلكَ الجنازَة التي بكى فيها كثيراً. فإلى جانِبِ القَبر، تحدَّى إمرأَةً محزُونَةً على أخيها الفقيد المَحبُوب، بقَولِهِ لها: "أنا هُوَ القِيامَةُ والحياة. من آمنَ بي وإن ماتَ فسَيَحيا. وكُلُّ من كانَ حَيَّاً وآمنَ بي فلن يَمُوتَ إلى الأبد. أتُؤمِنينَ بهذا؟" (يُوحَنَّا 11: 25، 26)
سُؤالُ يسُوع في نهايَةِ ذلكَ التَّحدِّي الذي قدَّمَهُ قُربَ قَبرِ لعازار، يَقُودُنا إلى الطَّريقَةِ الثَّالِثَة التي بها يُريدُ اللهُ أن يَنقُلَنا بإتِّجاهِ البَرَكة التي وعدَ بها يسُوعُ عندما نَكُونُ حَزانى: إذا أرَدنا أن نكتَشِفَ البَرَكة والتَّعزيَة اللَّتَينِ وعدَ بِهِما يسُوعُ للحَزَانَى، علينا أن ندعَ حُزنَنا يأتي بنا إلى ذلكَ المكان حيثُ نُؤمِنُ ونَثِقُ بأجوِبَةِ اللهِ على الأسئِلَةِ الصَّحيحَة.
عندَما نُؤمِنُ بأجوِبَةِ اللهِ عل الأسئِلَةِ الصَّحيحَة، سنُحَقِّقُ الإكتِشاف أنَّ البَرَكَة والتَّعزِيَة اللَّتَين وعدَ بهما يسُوعُ للحَزانى، هُما ما يُسَمِّيهِ الكتابُ المُقَدَّسُ "بالخَلاص". هذه الكلمة تعني بِبَساطَة "التَّحرير". بإمكانِنا أن نختَبِرَ التَّحريرَ الأساسِيّ للخَلاص أو التَّحريرَ الذي نحتاجُهُ منَ الحُزنِ والإكتِئاب. بإمكانِنا أن نمُرَّ في أهمِّ إختِباراتِ حياتِنا عندما يَدفَعُنا حُزنُنا لنسأَلَ، نُصغِيَ ونُؤمِن.
يكشِفُ إطارُ هذا التَّعليم تفسيراً وتطبيقاً آخر لهذه التَّطويبَة الثَّانِيَة. ستراتيجيَّةُ يسُوع في هذه الخُلَوة هي: "أنظُرُوا إلى أسفَلِ الجَبَل. هل تَرَونَ كُلَّ أُولئِكَ الجُمُوع هُناك؟ تلكَ الجُمُوع المُتألِّمَة. هل تَظُنُّونَ بإخلاصٍ أنَّهُ بإمكانِكُم أن تَنزِلُوا إلى هُناكَ وتَكُونُوا جُزءاً منَ حَلِّهِم وجُزءاً منَ الجوابِ على مشاكِلِهِم المأساوِيَّة، بِدُونِ أن تُعَرِّضُوا أنفُسَكُم للأذَى؟" إنَّ كَلِمَة "عَطف" تعني "الشُّعُور مع." فكيفَ بإستِطاعَتِكُم أن تَشعُرُوا معَ المُتأَلِّمينَ إن لَم تتألَّمُوا أنتُم بأنفُسِكُم؟
قالَ أحدُهُم، "المُبَشِّرُ هُوَ مُتَسَوِّلٌ يُخبِرُ المُتَسَوِّلينَ الآخرينَ عن مكانِ وُجودِ الخُبز." فالشَّافِي المَجرُوح، الذي سبقَ وتألَّمَ وتعزَّى من قِبَلِ اللهِ، هُوَ، "قَلبٌ مُتألِّم يُخبِرُ قَلباً مُتألِّماً آخر عمَّن وأينَ هُوَ المُعَزِّي." كَثيرُونَ سيَقُولُونَ أنَّهُم آمنُوا باللهِ وعرفُوا عنِ الله، ولكنَّهُم لم يَعرِفُوا اللهَ حتَّى إختَبَرُوا مُستَوَىً منَ الألم وحدَهُ اللهُ يستَطيعُ تعزِيَتَهُ. عندما يُدفَعُونَ لإكتشافِ المُعَزِّي، يكُونُونَ قد أسَّسُوا علاقَةً معَ الله.
تُعَبِّرُ جُملَةٌ شَعبِيَّةٌ بفصاحَةٍ عن هذه التَّطويبَة الثَّانِيَة بالقَول: "أنتُم مُبَارَكُونَ عندما تشعُرُونَ أنَّكُم فقدتُم أعَزّ ما هُوَ لدَيكُم. فقط عِندَها بإمكانِكُم أن تشعُروا بأنَّ اللهَ الذي ينبَغي أن يَكُونَ أعَزّ ما لَديكُم، يغمُرُكُم بحنانِهِ. "(متَّى 5: 4)
نكتَشِفُ أيضاً نظرَةً أُخرى على هذه التَّطويبَة الثَّانِيَة، عندما ندمُجُها بالتَّطويبَةِ الأُولى. غالِباً ما نحزَنُ عندَما نعلَمُ أنَّنا مساكين بالرُّوح. فالخَوفُ منَ الفَشَل يُطارِدُ ويُحَرِّكُ الكثير منَ النَّاس، لأنَّ الفَشَلَ مُؤلِمٌ جِدَّاً. فنحنُ نحزَنُ عندما نفشَل. ولكنَّ الفَشَلَ الشَّخصِيَّ هُوَ بالحقيقَةِ الأداة المُفَضَّلة التي يستَخدِمُها اللهُ ليُقنِعَنا بأنَّنا لن نستَطيعَ أن نعمَلَ شَيئاً بِدُونِهِ. فمُوسى وبُطرُس عانَيا من إختِباراتِ الحُزن المُؤلِمَة النَّاتِجَة عنِ الفَشَل، بينما كانَا يتعلَّمانِ أنَّهُما كانا مِسكِينَينِ بالرُّوح، قبلَ أن يستَخدِمَهُما اللهُ بِقُوَّة.
- عدد الزيارات: 12317