الفَصلُ الأوَّل "مَواقِفُ المَجيء إلى الرَّبّ" - المساكِينُ بالرُّوح
المساكِينُ بالرُّوح
التَّطويبَةُ الأُولى هي، "طُوبَى لِلمَساكِين بالرُّوح، لأنَّ لَهُم مَلَكُوت السَّماوات." (متَّى 5: 3) هذا المَوقِف المُبارَك الأوَّل يتعلَّقُ بذلكَ السُّؤال الذي طرَحَهُ رِجالُ الدِّين على يُوحَنَّا المَعمدان: "ماذا تَقُولُ عن نفسِكَ؟" (يُوحَنَّا 1: 22) فبِدُونِ موقِفٍ صَحيحٍ تجاهَ نُفُوسِنا، لن نَكُونَ أبداً جُزءاً من حُلُولِ رَبِّنا يسُوع المسيح لمشاكِل العالم.
الوَعدُ الذي يَصِفُ البَرَكَةَ التي تُحَقِّقُها هذه التَّطويبَة في حياةِ تلميذِ المسيح، تعني بِبٍَساطَةٍ أنَّنا إتَّخَذنا يسُوعَ المسيح مُخَلِّصَنا، رَبَّنا ومَلِكَنا. وكَونَنا جُزءاً من مَلَكُوتِ السَّماوات، هي طريقَةٌ أُخرى للقَولِ أنَّنا من رَعايا مَلك المُلُوك ورَبّ الأربَاب – لأنَّهُ هُوَ وحدَهُ الحَلُّ الحقيقيّ. هذا هُوَ المَوقِفُ الأوَّلُ الذي ينبَغي أن نتمتَّعَ بهِ، إذا أرَدنا أن نَكُونَ جُزءاً منَ الحلِّ لحاجَةِ البَشَرِيِّةِ، ذلكَ الحلّ الذي يُريدُ المسيحُ أن يُحَقِّقَهُ للنَّاسِ المُتألِّمينَ في هذا العالم، من خلالِ تلاميذِهِ.
يُخبِرُنا المُفَسِّرُونَ أنَّ عبارَة "مساكين بالرُّوح" يُمكِنُ أن تَعني أيضاً "المُنكَسِرينَ في الرُّوح." هذا يعني أنَّ هذا المَوقِف يَصِفُ الإنكِسار –الذي هُوَ أمرٌ نراهُ في حياةِ أُولئِكَ الذين يَدعُوهُم اللهُ ويُؤَهِّلُهُم لخدَماتٍ خاصَّة ومُمَيَّزَة. لاحِظُوا بينَما تقرَأُونَ الكتابَ المُقدَّس، كيفَ يُعلِّمُ اللهُ هذا المَوقف الأوَّل المُطَوَّب، لأُولئِكَ الذين دَعاهُم للقِيامِ بأعمالٍ عَظيمَةٍ لمَجدِهِ. مثلاً، يعقُوب إختَبَرَ الإنكِسار عندما تصارَعَ معَ ملاكِ اللهِ طِوالَ الليل. (تكوين 32: 24- 32).
أشخاصٌ أمثال يعقُوب، مُوسى، والرَّسُول بُطرُس، كانَ عليهِم أن يتعلَّمُوا ثلاثَةَ دُرُوسٍ بينما كانَ اللهُ يجعَلُ منهُم مساكين بالرُّوح: تعلَّمُوا أنَّهُم لا أحَد ذا قيمَة؛ وتعلَّمُوا أنَّهُم أصبَحُوا أحداً ذَا قيمة؛ ومن ثَمَّ تعَلَّمُوا أنَّ اللهَ قادِرٌ أن يعمَلَ شَيئاً عظيماً من خلالِ شخصٍ تعلَّمَ أنَّهُ لا أحد. تفسيرٌ شَعبِيٌّ مُبَسَّط لهذه التَّطويبَة الأُولى التي علَّمَها يسُوع، يُمكِنُ أن يَقُول: "طُوبى لكُم عندَما تُصبِحُوا على نهايَةِ قُدرَتِكُم. فبِمِقدارِ ما تنقُصُون، بِمِقدارِ ما يَزيدُ الرَّبُّ ويَسُود." (متَّى 5: 3)
بِكَلِمَةٍ واحِدَة، إنَّ حالَةَ النِّعمَة التي وصَفَها يسُوعُ بِعبارَة "مساكين بالرُّوح،" تعني بِبساطَةٍ "التَّواضُع." التَّواضُعُ هُوَ مفهُومٌ يصعُبُ فهمُهُ. فإذا كُنتَ تَظُنُّ أنَّكَ مُتَواضِع، قد تَكُونُ بالحقيقَةِ أبعدَ ما يَكُونُ عنِ التَّواضُع. قدَّمَت لَجنَةُ إحدى الكنائِسُ ميدالِيَّةَ تواضُعٍ لرَاعيها، ولكنَّهُم سُرعانَ ما إستَرَدُّوها منهُ لأنَّهُ صارَ يُعَلِّقُها على صَدرِهِ صَبَاحَ كُلِّ أحَد! نحنُ نُظهِرُ أنَّنا نفهَمُ التَّواضُعَ، عندما نُصَلِّي قائِلين: "يا رَبّ، أنا لَستُ الحلّ. وليسَ بإمكانِي حتَّى أن أجِدَ حُلُولاً لمشاكِلي، ولهذا فأنا غيرُ قادِرٍ أن أحُلَّ مشاكِلَ الآخرين. ولكنَّني الآن أعرِفُ أنَّكَ أنتَ تستطيعُ! فأنتَ الحَلُّ لِمشاكِلِهم. فإن كُنتَ فيَّ وإن كُنتُ أنا في علاقَةٍ حَميمَةٍ معَكَ، عندها سيَكُونُ لدَيَّ القُدرَة لأُصبِحَ أداةً وقناةً لحَلِّكَ ولِجوابِكَ، بينما أتعاطَى معَ النَّاس وأُلاحِظُ مشاكِلَهُم."
- عدد الزيارات: 12316