الفصلُ الأوَّل "نظرَة خاطِفة على رسالةِ بُولُس إلى أهلِ رُومية" - خُطَّة الله للتبرير
خُطَّة الله للتبرير
بالنِّسبَةِ لبُولُس، النِّعمة هي منبَعُ تبريرِنا (3: 24). إنَّ صَليب يسُوع المسيح هُوَ القاعِدة لتبريرِنا، وقِيامَةُ يسُوع هي ضمانُ كونِنا مُبَرَّرِين (3: 25؛ 4: 24، 25). يختُمُ بُولُس هذا الجزء من حُجَّتِهِ بالكلماتِ التالِيَة: "فإذْ قد تَبَرَّرنا بالإيمان، لنا سلامٌ معَ الله بِرَبِّنا يسُوع المسيح." (5: 1) فإذاً، الإيمانُ هُوَ المبدَأُ الذي بهِ نُطَبِّقُ هذه المُعجِزة شخصياً على خطيَّتِنا، ونُعلَنُ مُبَرَّرِينَ من الله. ثُمَّ يُخبِرُنا بُولُس لاحِقاً أنَّ اللهَ هُوَ الذي يُبَرِّر (8: 33).
تَجدُرُ المُلاحَظَةُ أنَّ هُناكَ مجمُوعة مُؤلَّفة من بضعِ كَلِماتٍ نجدُها مائة وخمسينَ مرَّةً في الكتابِ المقدَّس، عندما يُعلَّمُ مفهُومُ التبرير. إنَّ هذه الكلمات هي "في عينيهِ." هُناكَ بُعدٌ عامُودي وبُعدٌ أُفُقِيّ مُرتَبِطانِ بالتبرير. فإذا إرتكبنا جريمة، بإمكانِنا أن نُعلَنَ مُبَرَّرين في عينَي الله بالإيمان، بالإعتِراف، وبالتوبة، ولكنَّنا لن ننجُوَ من السجن، لأنَّنا لم نُبَرَّرَ في عيني المُجتَمَع، أو في البُعدِ الأُفُقِيّ أمامَ الإنسان.
عندما تحدُثُ مُحاكَمَةٌ أمامَ قاضٍ وبِدُونِ لجنَةِ تحكيم، أُولئكَ الذينَ يحضُرونَ هذه المُحاكَمة قد يظُنُّونَ أنَّ المُتَّهَمَ هُوَ شخصٌ رائِع، ولكن إذا ظَنَّ القاضي أنَّ هذا الشخصَ مُذنِبٌ، فإنَّ هذا الشخص سوفَ يُزَجُّ في السجن، أو يُواجِهُ عُقُوبَةَ الإعدام. وقد يَظُنُّ الحُضُورُ أنَّ المُتَّهَمَ هُوَ شخصٌ رَديء، ولكن إذا إعتَقَدَ القاضي أنَّ المُتَّهَمَ بَريءٌ، فسيتِمُّ إطلاقُ سراحه. بنفسِ الطريقة، يوماً ما سوفَ نُدرِكُ أنَّ ما يهُمُّ فِعلاً هُوَ ما يراهُ دَيَّانُ كُلِّ الأرض حولَ الذنبِ أوِ البَراءَة. لِهذا من الرائِع أن نعلَمَ أنَّنا نتبرَّرُ وكأنَّنا لم نُخطِئ أصلاً.
الإصحاحاتُ الأربعة التالية تَتحدثُ عَنِ التبريرِ بالعلاقةِ مع الشخصِ الذي ناَلَ التبرير بالإيمان. فاللهُ يتوقَّعُ منَّا أن نتبنَّى الصلاح، أن نُصبِحَ صالِحين وأن نعملَ الصلاح عندما يُعلِنُ لنا أنَّنا أصبحنا أبراراً (1يُوحنَّا 3: 7). في الإصحاحات الأربَعة التالية من هذه الرِّسالة (5- 8)، يُعالِجُ بُولُس الصِّراعات التي يجتازُها الشخص الذي يُعلَنُ بارَّاً، إذ يجِدُ القُوَّةَ في الرُّوحِ القدُس ليَعيشَ حياةَ البِرّ.
في الإصحاحات الثلاثة التالِيَة (9- 11)، يُظهِرُ بُولُس علاقَة التبرير بالعالَمِ أجمَع وخاصَّةً بشعبِ اللهِ القديم. هذه ثلاثَةٌ من أهمِّ إصحاحاتِ الكتابِ المقدَّس حولَ موضُوع النُّبُوَّة الكِتابِيَّة. ففي هذه الإصحاحات الثلاثة، يتنبَّأُ بُولُس أنَّ شَعب الله القديم إسرائيل سيتورَّطُ بما يحدُثُ في العالم.
فبالنسبَةِ لبُولُس، إنَّ شعبَ إسرائيل كانُوا شعبَ الله المُختار. وهُم أعظَمُ إيضاحٍ كِتابِي عن عقيدَةِ الإختِيار – أي التعليم أنَّ اللهَ يختارُ شعباً للخلاص. ولكن، في هذه الإصحاحاتِ الثلاث، يكتُبُ بُولُس قائِلاً أنَّ اليَهُودَ هُم أعظَمُ إيضاحٍ في الكتابِ المقدَّس عن حقيقَةِ أنَّ اللهَ خَلَقَ الإنسان ليكُونَ خَليقَةً تتخِذُ خيارات. يُشدِّدُ بُولُس على هذه النُّقطة عندما يُخبِرُنا أنَّ اليهُودَ إختارُوا أن لا يعُودوا شعبَ الله المُختار، وذلكَ برفضِهم يسُوع المسيح وخلاصَهُ.
وهكذا يُخبِرنا بولس أنه من أجل معاقبة اليهود بسبب رفضهم المَسِيَّا، توجَّهَ اللهُ إلى غير اليهود، إلى الأمم الأخرى، وصارَ يُخَلِّصُ الشعوب غير اليَهُودِيَّة، منذُ أن رفضَ اليهُودُ يسُوعَ المسيح. وعندما يُخَلِّصُ الربُّ الأممَ بما يكفي لتأديب اليهود بسبب رفضهم، سيعود الله ثانية إلى اليهود و"سيخلص جميع إسرائيل" (رُومية 11: 26).
لقد شَهِدنا تحقُّقَ نُبُوَّة العهدِ القَديم عن عودة اليهود الجُغرافِيَّة من شُتاتِ الأرض ليكُونُوا أُمَّةً. هُنا يَضُمُّ بُولُس صَوتَهُ إلى أنبِياءِ العهدِ القديم، إذ يتنبَّأُ عن عودَةِ اليهود الرُّوحِيَّة إلى الله. هذه العَودة الرُّوحِيَّة التي هي الأكثرُ أهمِّيَّةً بِنَظَرِ الله، لم تحدُثْ بعد. في هذه الإصحاحات الثلاثة، يُرينا بُولُس أنَّهُم عندما سيختَبِرونَ هذه العَودَة الرُّوحِيَّة إلى الله، سوفَ يُحَقِّقُ اللهُ خُطَّةَ التبرير من خِلالِهم إلى العالَم أجمَع.
الإصحاحاتُ الأربعة الأخيرة (12- 16) هي القسمُ التطبيقيُّ العملِيّ من هذه الرِّسالة الرائعة. إنَّ كُلَّ رسالَةٍ من رسائِلِ بُولُس الرسُول تنقَسِمُ إلى قِسمَين. أوَّلاً، لدَيكُم الجزء التعليمي من الرِّسالة، وفيما بعد يأتي الجزءُ التطبيقيّ من الرسالة. دائماً فتِّشُوا عن هذين القِسمَين التعليمي والتطبيقي في رسائِلِ بُولُس.
رُغمَ أنَّ الإصحاحات الأحد عشر الأُولى من هذه الرِّسالة هي أعظَم تصريح عن الإنجيل الذي إستَودَعَهُ بُولُس في يدي الكنيسة، وأنَّ الإصحاحات الثلاثة التالِيَة هي أصعَبُ التصريحات اللاهُوتِيَّة والنَّبَويَّة عن فهمِ الإنسان، إلا أنَّ الإصحاحات الأربَعة الأخيرة هي أكثَرُ تطبيقاتِ بُولُس عملانِيَّةً وبَسَاطَةً عن حقيقةِ الإنجيل التي نكتَشِفُها في رسائِلهِ المُوحاة.
- عدد الزيارات: 7769