الفصلُ السادِس "نماذِج يوم الخَمسين تُؤسِّسُ الكنيسة"
بِحَسَبِ لُوقا، كانَت هُناكَ نُقاطُ تَحَوُّل حاسِمَة في إنتِشار الإنجيل. نقرَأ عن إحدَى نُقاط التحوُّل هذهِ في الإصحاح 16 من سفرِ الأعمال. فعندما كانَ بُولُس مأخُوذاً في رحلتِهِ الإرساليَّة الثانِيَة، رغِبَ بأن يذهَبَ إلى أسيا ليُبشِّرَ بالإنجيل. هُنا نقرأُ أنَّ الروحَ القُدُس تدخَّلَ، فمنَعَهُ الروحُ هُوَ ورِفاقَهُ من الكِرازَةِ في آسيَّا. وظَهَرَت لبُولُس رُؤيا في الليل، رجُلٌ مكدونِيٌّ قائمٌ يطلُبُ إليهِ ويقولُ، "أعبُرْ إلينا وأعِنَّا."
بعدَ أن رأى بُولس الرؤيا، نعرِفُ أنَّ لُوقا إنضَمَّ إلى الفَريق الإرسالِيّ عندما نقرَأ: "فَلَمَّا رأى الرُّؤيا طَلبنا أن نخرُجَ إلى مَكدُونيَّة مُتَحَقِّقِين أنَّ الرَّبَّ قد دَعانا لِنُبَشِّرَهُم." (أعمال 16: 10). فعلى الرُّغم من أنَّ بُولُس ورِفاقَهُ سوفَ يُسافِرونَ إلى آسيا قريباً، كانَ من المُهِمّ جداً بالنسبَةِ للرُّوحِ القُدُس أن يجعَلَهم يدخُلُونَ مكدُونيا قبلَ أن يُبَشِّرُوا آسيا.
لقد قامَ بُولُس في نُقطَةِ التحوُّلِ هذه بخدمةِ الغلاطِيِّين. فعِندما نتأمَّلُ بما كتبَهُ بُولُس للغلاطِيِّين عن المشاكِل الصحِّيَّة التي عانى منها في تِلكَ المرحلة، بإمكانِنا أن نفتَرِضَ أنَّ الرُّوحَ القُدُس إستَخدَمَ مُشكِلَةَ بُولُس الصِّحِّيَّة ليمنَعَهُ من دُخُولِ آسيَّا (غلاطِية 4: 13- 15). إنَّ هذا الإفتِراض معقُولٌ جداً، لأنَّ طبيبَهُ المحبُوب لُوقا إنضَمَّ إليهِ في هذه المرحلة.
أوَّلُ مدينَةٍ وصلوا إليها عندَ دُخُولِهم مكدُونيَّة، هي فيلبِّي. قد نظُنُّ أنَّهُ بما أنَّ بُولُس رأى في رُؤياهُ رجُلاً، سُرعانَ ما سيصِلُ إلى مكدونية، حتَّى يجد حوالي مائتي رجُل ينتَظرونَهُ ليسمعوا الإنجيل. لقد وجدَ بُولُس مجمُوعَةً صغيرَةً من النساء بقُربِ نَهرٍ، حَيثُ كُنَّ يجتَمِعنَ للصلاة. بدأَ بُولُس بما أعطاهُ إيَّاهُ الرَّبُ فكرزَ بالإنجيل لتلكَ النساء اليهوديَّات.
"وكانَ هُناكَ إمرأةٌ تُسمَّى ليديا، وكانت بائعة أُرجُوان."(14) لربَّما كانت خيَّاطَةً للعائِلاتِ المَلَكِيَّة. نقرَأُ أنَّهُ عندما فتحَ بُولُس كلمةَ الله، "فتَحَ الربُّ قلبَها." (14) ثُمَّ فتَحَت بيتَها لِبُولُس ولِفَريقِهِ الإرسالي. فأصبَحَ بيتُ ليديا أوَّلُ كنيسةٍ في أوروبَّا. لقد كانَت هُناكَ الآلافُ من مَباني الكنائِس الرائِعة في أُورُوبَّا، ولا تزال، ولكن في السماء، سيكُونُ بإمكانِ هذه الخَيَّاطَة اليهُودِيَّة البسيطَة القَول أنَّ بيتَها كانَ أوَّل كنيسة في أُوروبَّا.
وهُناكَ في مدينَةِ فيلبِّي، تمَّ إعتِقالُ بُولُس وسيلا. وجُلِدوا بالسِّيَاط وأُلقُوا في السجِن (22- 24). رُغمَ هذا العِقاب، نقرأُ أنَّهُ في مُنتَصَفِ تلكَ الليلَة، كانَ بُولُس وسيلا يُصلِّيانِ ويُسبِّحانِ الرب وسَمِعَهُما السُّجناء. وفجأَةً في مُنتَصَفِ الليل حدَثَت زلزَلَةٌ عجيبَة وتحطَّمَت قُيُود السُّجَناءِ وفُتِحَت أبوابِ السجنِ. لقد كانت هذه زلزلَةٌ غريبَةٌ بالفِعل.
عندما استَيقَظَ حارِسُ السجنِ في مُنتَصَفِ الليل، ورأى أبوابَ السجنِ مفتُوحَةً ظَنَّ أنَّ السُّجناءَ قد هربُوا جميعاً، فاستَلَّ سيفَهُ عازماً أن يقتُلَ نفسَهُ، ولكنَّ بُولُس قالَ لهُ، "إيَّاكَ أن تُؤذِي نفسَكَ؛ فنحنُ جميعاً هُنا." عندها طرحَ السجَّانُ سُؤالَهُ العظيم قائلاً، "ماذا ينبَغي عليَّ أن أفعَل لكَي أخلُص؟" فأعطاهُ بُولُس جوابَهُ العظيم: "آمن بالربِّ يسوع المسيح، فتخلُص أنتَ وأهلُ بيتِكَ."
ثُمَّ نقرأُ، "وكلَّمَاهُ وجميعَ من في بيتِهِ بكَلِمَةِ الربّ. فأخذَهُما في تِلكَ الساعَةِ منَ الليل وغسَّلَهُما من الجِراحاتِ واعتَمَدَ في الحَالِ هوَ والذينَ لهُ أجمَعُون. ولمَّا أصعَدَهُما إلى بيتِهِ قدَّمَ لهُما مائدةً وتهلَّلَ معَ جميعِ بيتِهِ إذ كانَ قد آمنَ بالله." (28- 34)
لم يسبِقْ أن قُدِّمَ طريقُ الخلاصِ بشكلٍ أوضَح من الكلماتِ التالية: "آمن بالربِّ يسوع فتخلُص." لقد إختَبَرْتُ الخلاص وأصبحتُ تِلميذاً ليسُوع المسيح عام 1949، في أوِّلِ مرَّةٍ سمِعتُ وعظاً عن هذه الكلمات. أعتَقِدُ أنَّ بُولُس إلتَقى عندها بالرَّجُل الذي رآهُ في الرُّؤيا ووجَّهَهُ للذهابِ إلى مَكدُونِية.
بعدَ إيمانِ سجَّانِ فيلبِّي، أرسَلَ الوُلاةُ أمراً بإطلاقِ سراحِ بُولُس وجعلِهِ يَترُكُ المدينة (35، 36). ولكن بُولُس رفَضَ المُغادَرة بتلكَ الطريقة وفي ذلكَ الظرف. لقد تمَّ ضَربُ بُولُس وهو مُواطِنٌ روماني، بدونِ مُحاكَمة. لهذا طلبَ بُولُس أنَّ يأتيَ الوُلاةُ بأنفُسِهم ويُرافِقوهما إلى خارِجِ المدينة. وهكذا تركَ بُولُس فيلبِّي طوعاً واختِياراً.
لقد رأى بُولُسُ المسيحَ يَقلِبُ المدينَةَ رأساً على عقِب. ولقد تأسَّست الكنيسة التي ستكُونُ المُفضَّلَةَ عندهُ في مدينَةِ فيلبِّي. إنَّ هذه الكَنيسة أصبَحَت مركز الدعم الذي مكَّنَ بُولُس من الوُصولِ إلى تأسيسِ كنائِس في مُدُنٍ مثل كُورنثُوس، أفسُس، وتسالُونيكي. لقد إستَخدَمَ بُولُس أمانة الفيلبِّيِّين نمُوذجاً ومِثالاً للكنائِسِ الأُخرى (2كُورنثُوس 8، 9). ولقد مارَسَ بُولُس مهنتَهُ كَصانِعِ خِيام، بدَلَ أن يقبَلَ دَعماً من المُؤمنين الذين لم يكُونُوا ناضِجينَ في دوافِعِهم، والذين شكَّكُوا بِحقِّ بُولُس بأن يدعُوَ نفسَهُ رَسُولاً، ولم يكُونُوا جديرينَ بأن يُدعَوا شُركاءَهُ في خِدمتِهِ.
بينما تقرأ قصَّة بُولُس في مدينَةِ فيلبِّي، لا تنسَ الكلمات العظيمة التالية: "آمنْ بالرَّبّ يسُوع المسيح، فتَخلُص أنتَ وأهلُ بيتِكَ." لاحِظْ أنَّ هذه الكلمات تضَعُ أمامَنا التحدِّي بأن نُؤمِنَ بالرَّبِّ يسُوع المسيح. فيسُوعُ يعني أن نُؤمِنَ أنَّهُ مُخَلِّصُنا. والمسيحُ يعني أن نُؤمِنَ أنَّ مُخَلِّصَنا هُوَ المَسيَّا. والرَّبُ يعني أنَّنا جعلنا من مُخَلِّصِنا المسيَّا، ربَّاً وسيِّداً.
هل تُؤمِنُ أنتَ شخصيَّاً أن يسُوعَ هُوَ مُخَلِّصُكَ ومسيحُكَ وربُّكَ؟ إن لم تكُن قد إتَّخذتَ هكذا خُطوةً من قَبل، "آمِنْ بالرَّبِّ يسُوع المسيح، فتخلُص – أنتَ وأهلُ بيتِكَ."
- عدد الزيارات: 3154