Skip to main content

الدرس السادس عشر

الفصل 10: 19-39

النص الكتابي:

"19فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إلى «الأقداس"بِدَمِ يَسُوعَ، 20طَرِيقاً كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثاً حَيّاً، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ، 21وَكَاهِنٌ عَظِيمٌ عَلَى بَيْتِ اللهِ، 22لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِقٍ فِي يَقِينِ الإيمان، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ، وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ. 23لِنَتَمَسَّكْ بِإِقْرَارِ الرَّجَاءِ رَاسِخاً، لأَنَّ الَّذِي وَعَدَ هُوَ أَمِينٌ. 24وَلْنُلاَحِظْ بَعْضُنَا بَعْضاً لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ، 25غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ، بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضاً، وَبِالأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ يَقْرُبُ، 26فَإِنَّهُ إِنْ أَخْطَأْنَا بِاخْتِيَارِنَا بَعْدَمَا أَخَذْنَا مَعْرِفَةَ الْحَقِّ، لاَ تَبْقَى بَعْدُ ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطَايَا، 27بَلْ قُبُولُ دَيْنُونَةٍ مُخِيفٌ، وَغَيْرَةُ نَارٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تَأْكُلَ الْمُضَادِّينَ. 28مَنْ خَالَفَ نَامُوسَ مُوسَى فَعَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَمُوتُ بِدُونِ رَأْفَةٍ. 29فَكَمْ عِقَاباً أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقّاً مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِساً، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟ 30فَإِنَّنَا نَعْرِفُ الَّذِي قَالَ: «لِيَ الاِنْتِقَامُ، أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ الرَّبُّ». وَأيضاً: «الرَّبُّ يَدِينُ شَعْبَهُ». 31مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ! 23وَلَكِنْ تَذَكَّرُوا الأيام السَّالِفَةَ الَّتِي فِيهَا بَعْدَمَا أُنِرْتُمْ صَبِرْتُمْ عَلَى مُجَاهَدَةِ آلاَمٍ كَثِيرَةٍ. 33مِنْ جِهَةٍ مَشْهُورِينَ بِتَعْيِيرَاتٍ وَضِيقَاتٍ، وَمِنْ جِهَةٍ صَائِرِينَ شُرَكَاءَ الَّذِينَ تُصُرِّفَ فِيهِمْ هَكَذَا. 34لأَنَّكُمْ رَثَيْتُمْ لِقُيُودِي أيضاً، وَقَبِلْتُمْ سَلْبَ أَمْوَالِكُمْ بِفَرَحٍ، عَالِمِينَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَنَّ لَكُمْ مَالاً أَفْضَلَ فِي السَّمَاوَاتِ وَبَاقِياً. 35فَلاَ تَطْرَحُوا ثِقَتَكُمُ الَّتِي لَهَا مُجَازَاةٌ عَظِيمَةٌ. 36لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إلى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشيءةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ. 37لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيلٍ جِدّاً «سَيَأْتِي الآتِي وَلاَ يُبْطِئُ. 38أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإيمان يَحْيَا، وَإِنِ ارْتَدَّ لاَ تُسَرَُّ بِهِ نَفْسِي». 39وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا مِنَ الاِرْتِدَادِ لِلْهَلاَكِ، بَلْ مِنَ الإيمان لاِقْتِنَاءِ النَّفْسِ."

انتهينا في درسنا السابق من دراستنا للقسم العقائدي للرسالة إلى العبرانيين وقد رأينا مع كاتب الرسالة بأن المسيح يسوع دشن عهداً جديداً بقدومه إلى العالم وبأن هذا العهد كان قد تنبأ عنه أنبياء العهد السابق المعروف بالعهد القديم. وكذلك لاحظنا أن النظام الجديد الذي وفد بقدوم المسيح وبعمله الفدائي على الصليب هو نظام تام وكامل ونهائي بعكس النظام السابق الذي كان نظاماً وقتياً وغير كامل. وعندما ابتدأنا بدراستنا لهذه الرسالة أشرنا إلى أن السبب الرئيسي الذي دفع صاحبها إلى كتابتها إنما كان خطر الارتداد عن المسيحية إلى اليهودية، ذلك الخطر الذي كان يلازم جماعة الإيمان الذين استلموا الرسالة. نبدأ الآن بالقسم الثاني والنهائي من الرسالة إلى العبرانيين حيث يحاول الكاتب تطبيق العقائد الكتابية والموحي بها في حياة المؤمنين.

1. واجب التقدم إلى الله حسب طريقة العهد الجديد والحصول على القوة الكافية منه تعالى للسير على طريق الإيمان القويم:

يبدأ صاحب الرسالة القسم الثاني من رسالته بمناشدة المؤمنين بأن يتقدموا إلى الله مباشرة متّكلين على ما قام به كاهن العهد الجديد العظيم أي يسوع المسيح. وكنا قد رأينا سابقاً أن هذا الامتياز العظيم لم يكن لسائر أفراد الشعب ولا للكهنة أثناء النظام القديم بل إن رئيس الكهنة كان يدخل قدس الأقداس مرة واحدة في السنة ليقدم إلى الله ذبائح عن نفسه وعن بقية الشعب. ولكن امتياز المؤمنين العظيم في العهد الجديد هو أن يتقدموا إلى الله مباشرة وبدون كاهن بشري. وعليهم ألا يدعوا أي شيء يبعدهم عن هذا الهدف النبيل لأن الذي وعد بقبول المؤمنين حسب هذه الطريقة هو أمين. وبما أن المؤمنين حسب هذه الطريقة لا يقتربون إلى الله كأفراد فقط بل كأعضاء في جسد المسيح أي في كنيسته، يوصي كاتب الرسالة المؤمنين بأن لا يحذو حذو أولئك الذين أخذوا بالامتناع عن الاجتماع مع سائر المؤمنين قائلاً: "غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ، بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضاً، وَبِالأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ يَقْرُب".

2. عدم الاكتفاء بمعرفة عقلية لحقائق الإنجيل:

نرى في هذا الفصل إنذاراً شديداً وقد لاحظنا إنذاراً مثله في الفصل السادس من هذه الرسالة. وعندما يقول: "إِنْ أَخْطَأْنَا بِاخْتِيَارِنَا بَعْدَمَا أَخَذْنَا مَعْرِفَةَ الْحَقِّ" يعني صاحب الرسالة أن الذي قد حصل على معرفة كافية لطريقة الخلاص ثم رفضها بعد ذلك بشكل اختياري فلا يعود هناك مجال لخلاص الإنسان. ولكن هذه المعرفة لم تكن بمعرفة قلبية اختبارية بل عقلية فقط. وهذا إنذار كبير لجميع الذين يسمعون الإنجيل ويوافقون عقلياً على مبادئه السامية ولكنهم لا يسمحون لتلك المباديء المحررة أن تعمل في قلوبهم. فالذي يختبر ضمن حياته خلاص الرب ويقبل في عقله تعاليم الإنجيل لا يقوم بهذه الأمور المحزنة التي يذكرها صاحب الرسالة. والدينونة الرهيبة التي تنتظر كل من لا يسمح للإنجيل بأن يعمل في حياته بل يكتفي بمعرفة سطحية عقلية، هذه الدينونة هي شديدة للغاية. فإن كان الذين يخالفون نص الشريعة الموسوية وخاصة فيما يتعلق بعبادة الأصنام، إن كانوا يتعرضون لعقوبة الموت على شاهدين أو ثلاثة أفلا ينتظر من الله تعالى أن يعاقب الذين يحتقرون طريقته الفعالة للخلاص معاقبة صارمة؟

3. وجوب التسلح بالإيمان وإتمام الجهاد المسيحي:

كان أهل الإيمان قد قبلوا المسيح كمخلص لهم وتعرضوا لاضطهادات اليهود وكذلك كانوا على علم بأن كاتب الرسالة نفسه قد أوثق في سبيل المسيح. فبعد أن قاسوا جميع تلك الأمور لماذا التفكير بالارتداد وهم أقرب إلى النهاية من اليوم الذي آمنوا فيه؟ ليذكروا الحقيقة الكتابية العظمى التي أعلنها الرب لعبده حبقوق في أيام النظام القديم: "أما البار فبالإيمان يحيا وإن ارتد لا تسر به نفسي". يسر الله بالمؤمنين الذين لا يفكرون بالارتداد ويود منهم جميعاً أن يعلموا أن حياتهم الجديدة لا تبدأ فقط بالإيمان بالسيد المسيح بل إنها تستمر وتدوم بالإيمان. البار بالإيمان يحيا الآن ودائماً فليكن شعارنا جميعاً، يقول صاحب الرسالة، أن نقول من قرارة قلوبنا: "وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا مِنَ الاِرْتِدَادِ لِلْهَلاَكِ، بَلْ مِنَ الإيمان لاِقْتِنَاءِ النَّفْسِ".

  • عدد الزيارات: 4107