الدرس السابع عشر
الفصل 11: 1-12
النص الكتابي:
"1وَأَمَّا الإيمان فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأمور لاَ تُرَى. 2فَإِنَّهُ فِي هَذَا شُهِدَ لِلْقُدَمَاءِ. 3بِالإيمان نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ، حَتَّى لَمْ يَتَكَوَّنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ. 4بِالإيمان قَدَّمَ هَابِيلُ لِلَّهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ، فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ، إِذْ شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ. وَبِهِ، وَإِنْ مَاتَ، يَتَكَلَّمْ بَعْدُ! 5بِالإيمان نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى الْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ نَقَلَهُ - إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أرضى اللهَ. 6وَلَكِنْ بِدُونِ إيمان لاَ يُمْكِنُ أرضاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إلى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ. 7بِالإيمان نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أمور لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكاً لِخَلاَصِ بَيْتِهِ، فَبِهِ دَانَ الْعَالَمَ، وَصَارَ وَارِثاً لِلْبِرِّ الَّذِي حَسَبَ الإيمان. 8بِالإيمان إبراهيم لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إلى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثاً، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إلى أَيْنَ يَأْتِي. 9بِالإيمان تَغَرَّبَ فِي أرض الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِناً فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. 10لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ. 11بِالإيمان سَارَةُ نَفْسُهَا أيضاً أَخَذَتْ قُدْرَةً عَلَى إِنْشَاءِ نَسْلٍ، وَبَعْدَ وَقْتِ السِّنِّ وَلَدَتْ، إِذْ حَسِبَتِ الَّذِي وَعَدَ صَادِقاً. 12لِذَلِكَ وُلِدَ أيضاً مِنْ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مِنْ مُمَاتٍ، مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ فِي الْكَثْرَةِ، وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُعَدُّ".
نظراً لوجود الصعوبات العديدة في وجه أهل الإيمان ناشدهم صاحب الرسالة إلى العبرانيين بأن يعيشوا حياة الإيمان مذكّراً إياهم بما قاله الرب بواسطة عبده حبقوق: "أما البار فبالإيمان يحيا، وإن ارتد لا تسر به نفسي". وانتهى في العدد الأخير من الفصل العاشر بقوله: "وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا مِنَ الاِرْتِدَادِ لِلْهَلاَكِ، بَلْ مِنَ الإيمان لاِقْتِنَاءِ النَّفْس". أما في الفصل الحادي عشر فإن كاتب الرسالة يود أن يعطينا صورة حية لهذا المبدأ الكتابي وذلك برحلة تاريخية سريعة تظهر لنا أن سائر الذين أرضوا الله منذ فجر التاريخ كانوا رجال ونساء إيمان، إيمان بالله وبمواعيده الأكيدة وبكلمته التي لا تتغير ولا تعرف الفشل أو الخذلان. وهو يعطينا في العدد الأول من هذا الفصل هذا الوصف الخالد للإيمان حسب مفهومه الكتابي: "أما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى".
الإيمان الحي الذي يتغلب على صعوبات الحياة هو ذلك الإيمان الذي يثق ثقة تامة بما يرجى لا لأن موضوع الرجاء هو فكر الإنسان أو تخيلاته، بل لأن ما يرجى إنما هو وعد الله الصريح الذي لابد أن يتم في الوقت المناسب الذي يختاره الله وحسب الطريقة التي يختارها الله. والإيمان هو الإيمان بأمور لا ترى أي الإقرار بعالم الروح، عالم ما فوق الطبيعة، وفوق كل شيء هو اليقين التام بالله الذي لا تراه عين الجسد والذي هو هو منذ الأزل وإلى الأبد الإله القدوس بارئ الكل وخالق العالمين.
بعد وصف الإيمان الحي بواسطة هذه الكلمات الخالدة يطلب منا صاحب الرسالة أن نستعرض معه سيرة أبطال الإيمان منذ هابيل. نعم إن ابن آدم وحواء المؤمن اختلف عن أخيه قايين في هذا الأمر الهام: إنه كان رجل إيمان. كان قد وضع ثقته في إلهه وفي رحمته وقدم ذبيحته للخالق تعالى حسب روح الإيمان ولذلك قبلت تقدمته بينما رفضت تقدمة أخيه نظراً لأنها لم تكن قد قدمت حسب رغبة الله ولا عن قلب مؤمن.
نأتي إلى سيرة أخنوخ وهو من رجال ما قبل الطوفان. كان يسر الله ويعيش معه ويحيا بطريقة تختلف اختلافاً جوهرياً عن حياة أغلبية الرجال في أيامه. فما كان من الله إلا أن نقله من هذه الحياة الفانية إلى حياة النعيم بدون أن يرى الموت.
لا يمكن إذن لأي مخلوق بأن يرضي الله بدون الإيمان، الإيمان الحي بأن الله موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه بقلب صادق معطياً إياهم الحياة الأبدية.
أما نوح فان حياته كانت حياة إيمان تام بكلمة الله وبوحيه. أوحى الله له بأن الطوفان آت لتدمير العالم وأمره بأن يبني فلكاً لخلاص بيته من الموت غرقاً بمياه الطوفان. وبينما كان الناس يسخرون منه ومن عمله الذي ابتدأ وانتهى بالإيمان كان نوح ينظر بعين الإيمان إلى إلهه بدون خوف عالماً انه كان سينقذ من الموت لتطبيقه مباديء الإيمان في حياته.
وأخيرا نأتي إلى التأمل في حياة إبراهيم خليل الله. عاش إبراهيم حياة الإيمان بالله ومات مؤمناً وإن لم تكن جميع مواعيد الله له قد تمت في حياته على الأرض. لو لم يكن إبراهيم مؤمناً لما لبى دعوة الله له للخروج من أور الكلدانيين والتغرب في بلاد لم يكن يعرفها. فمع أنه كان يعيش حياة متمدنة إلا أنه أصبح متنقلاً من مكان إلى آخر وكان يعيش غريباً مع أولاده اسحق ويعقوب في خيام. ومع أن الله كان قد وعد بإعطائه أرض الميعاد إلا انه لم يستعجل الله ولم يحلم بالرجوع إلى أور الكلدانيين عندما كثرت صعوبات حياته البدوية. وكان الله قد وعد إبراهيم بأن تتبارك جميع أمم الأرض بنسله ولكن كيف كان هكذا وعد سيتم وزوجته سارة لم تلد له أولاداً وكانا كليهما طاعنين في السن؟ لو كان إبراهيم يعيش حسب العيان وليس بالإيمان لكان قد رفض السير مع الله ولكان قد قفل راجعا إلى عشيرته وآلهة آبائه وأجداده ولكنه كان رجل إيمان، لا بمعنى أنه كان يعيش بواسطة الأحلام البشرية، كلا إنه كان رجل إيمان بالله وبمواعيده التي لابد أن تتم وإن ظهرت مستحيلة ومن وجهة نظر بني البشر المحدودة. وقد شاركت سارة زوجها إبراهيم إيمانه ووثقت بالله وبمقدرته أن يجعلها قادرة بأن تنشيء نسلاً في شيخوختها ولذلك ولد أيضاً من واحد ومن ممات مثل نجوم السماء في الكثرة وكالرمل الذي على شاطىء البحر. نعم نتغلب بالإيمان بالله على الصعوبات ولو كانت كبيرة كالجبال.
- عدد الزيارات: 4056