الدرس التاسع عشر
الفصل 12: 1-17
النص الكتابي:
"1لِذَلِكَ نَحْنُ أيضاً إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هَذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، 2نَاظِرِينَ إلى رَئِيسِ الإيمان وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ. 3فَتَفَكَّرُوا فِي الَّذِي احْتَمَلَ مِنَ الْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هَذِهِ لِئَلاَّ تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ. 4لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ، 5وَقَدْ نَسِيتُمُ الْوَعْظَ الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ كَبَنِينَ: «يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ، وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ. 6لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ». 7إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟ 8وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ الْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ لاَ بَنُونَ. 9ثُمَّ قَدْ كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ، وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلاَ نَخْضَعُ بِالأولى جِدّاً لأَبِي الأَرْوَاحِ، فَنَحْيَا؟ 10لأَنَّ أولئِكَ أَدَّبُونَا أياماً قَلِيلَةً حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ، وَأَمَّا هَذَا فَلأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ. 11وَلَكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أخيراً فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلاَمِ. 12لِذَلِكَ قَّوِمُوا الأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ وَالرُّكَبَ الْمُخَلَّعَةَ، 13وَاصْنَعُوا لأَرْجُلِكُمْ مَسَالِكَ مُسْتَقِيمَةً، لِكَيْ لاَ يَعْتَسِفَ الأَعْرَجُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يُشْفَى. 14اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ. 15مُلاَحِظِينَ لِئَلاَّ يَخِيبَ أَحَدٌ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ. لِئَلاَّ يَطْلُعَ أَصْلُ مَرَارَةٍ وَيَصْنَعَ انْزِعَاجاً، فَيَتَنَجَّسَ بِهِ كَثِيرُونَ. 16لِئَلاَّ يَكُونَ أَحَدٌ زَانِياً أَوْ مُسْتَبِيحاً كَعِيسُو، الَّذِي لأَجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُورِيَّتَهُ. 17فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أيضاً بَعْدَ ذَلِكَ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرِثَ الْبَرَكَةَ رُفِضَ، إِذْ لَمْ يَجِدْ لِلتَّوْبَةِ مَكَاناً، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا بِدُمُوعٍ".
كتب صاحب الرسالة إلى العبرانيين عن موضوع الإيمان ووجوب التسلـح به للحياة حسب مشيئة الله. وكذلك أظهر لنا في الفصل الحادي عشر أن جميع أبطال الإيمان في العهد القديم لم يسيروا على طريق مفروش بالورود والرياحين بل كان عليهم أن يحتملوا المشقات وكذلك أن يمضوا حياتهم على الأرض بدون أن يروا بعين الجسد تحقيق جميع مواعيد الله لهم. إن صفة أبطال العهد القديم الرئيسية كانت الإيمان الحي بالله والعيش حسب كلمته والثقة التامة بأن مواعيد الله كانت ستتم في أنها بالرغم من جميع الدلائل التي كانت تشير إلى عكس ذلك. والآن وقد انتهى من استعراض حياة أبطال الإيمان في العهد القديم، ما هي وصيته لمؤمني العهد الجديد الذي يفوق العهد القديم بالمجد بمقدار ما يتسامى يسوع المسيح على سائر الأنبياء في العهد الماضي؟ "1لِذَلِكَ نَحْنُ أيضاً إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هَذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، 2نَاظِرِينَ إلى رَئِيسِ الإيمان وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ...".
لينظر كل مؤمن ومؤمنة إلى الرب يسوع المسيح وليتعلم منه الجميع الصبر والثبات والتضحية الكلية في سبيل تتميم المشيئة الإلهية. وبما أن أهل الإيمان من مستلمي هذه الرسالة كانوا يقاسون المتاعب والمشقات ويتعرضون إلى اضطهادات متزايدة، فقد فهمهم كاتب الرسالة أن جميع هذه الأمور لا تحدث لهم بمعزل عن معرفة الله أو عن تدبيره لحياتهم. كلا، إن الله لا يؤخذ على غرة وليست هناك مفاجآت بالنسبة إليه تعالى. إنه لم يتخل مطلقاً عن عرشه وهو سيد الكون بأسره وجميع أمور التاريخ إنما تسير حسب تدبيره الحكيم. وهكذا إن وضع المؤمنون والمؤمنات هذه الحقائق أمام أعينهم استطاعوا أن يفهموا السبب الذي من أجله يسمح الله لأحبائه بأن يضطهدوا. جميع مشقات هذه الحياة التي تنهمر على حياة المؤمنين من كل حدب وصوب وجميع الآلام التي تكتنفهم وتنقض عليهم يستعملها الله تعالى لتأديب بنيه المؤمنين. هذا هو التعليم الأساسي الذي علينا أن نتعلمه من الجزء الأول من الفصل 12. من الناحية البشرية، هل هناك أب عاقل ومحب لأولاده يمتنع عن تأديبهم؟ من منا لا يتذكر تأديب آبائنا وأمهاتنا؟ ألسنا شكورين جداً للتربية التي حصلنا عليها في بيوتنا؟ لماذا الهرب إذن من تأديب الله لنا؟ إن كنا نرى أهمية تأديب آبائنا البشر بالرغم من معرفتنا أن تأديبهم لم يكن كاملاً ولا خالياً من الأخطاء، إن كنا شكورين لتأديب والدينا أفلا يجب علينا أن نكون أكثر شكرا لله، الآب السماوي الذي يؤدبنا لمنفعتنا الروحية والأبدية لنشترك في قداسته؟ طبعاً يقر كاتب الرسالة بأن كل تأديب في الحاضر لا يرى بأنه للفرح بل للحزن، ولكن عندما ينظر الإنسان إلى الماضي ويتأمل في التأديب الذي ناله من والديه، يشكر الرب على ذلك ويفرح لأن والديه لم يتركوه بدون تربية. هكذا أيضاً عندما نتأمل في ضيقات ومشقات الحياة لا نفهم لماذا سمح الله لها بأن تعكر صفو حياتنا ولكننا ما أن نبتعد عنها مدة حتى نرى أن اليد التي سمحت لها بأن تأتي علينا إنما هي يد أبينا السماوي المحب والحنون.
يعظ كاتب الرسالة المؤمنين بأن يأخذوا كلماته عن تأديب الله ويطبقوها في حياتهم ويقوّموا سيرتهم التي كانت مهددة بالخطر الشديد أي خطر الارتداد عن الإيمان القويم. ويذكّرهم بواجبهم كمؤمنين وكأعضاء في جسد المسيح أن يهتموا اهتماماً فعلياً بحياة إخوتهم وأخواتهم الروحية لئلا يبدأ البعض بالارتداد فعلياً والرجوع إلى اليهودية. ويذكرهم بسيرة عيسو المحزنة، فإن هذا الأخير كان قد تربى في بيت والده اسحق مع أخيه يعقوب ولكنه احتقر مواعيد الله وكان مادياً في ميوله ولذلك رُفض ولم يجد مكاناً للتوبة لأنه لم يكن حزيناً بسبب الشرور التي ارتكبها بل لخسارته المادية فقط. فليمتحن كل إنسان قلبه وليتّعظ من سيرة عيسو وسائر المرتدّين عن الإيمان بالمسيح يسوع.
- عدد الزيارات: 4045