شروط الصلاة الفعالة
لنا في هذا الكتاب المقدس مواعيد كثيرة للصلاة ونحب أن نرددها، أما الشروط التي تسبق الصلاة فلا نذكرها. لننظر مثلا إلى الوعد الوارد في يوحنا 15، 7 " تطالبون ما تريدون فيكون لكم " يبدو هذا الوعد بدون قيد أو شرط، تطلبون فيكون لكم و لكن بعد التعمق فيه و درس غيره من الوعود نجد أنه يتضمن عدة شروط، و حسب تعاليم العهد الجديد يوجد ستة شروط للصلاة الفعالة المستجابة.
1- الإيمان:
" ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة، لأن المرتاب يشبه موجا من البحر تخبطه الريح وتدفعه" (يعقوب 1، 6) كنت أنام في غرفة واحدة مع بعض شبان عديمي النزاهة، فكثيرا ما تفقد جواربنا أو غيرها من المقتنيات، لذلك ساد الغرفة و الزملاء، جو من عدم الثقة و سوء التفاهم، وواضح أن جوا كهذا يخلق الشك والقلق، فتفقد الحياة صفوها. هذا ما يحدث لنا تماما إذا لم يكن إيماننا وطيدا وقويا بالله، لن تكون علاقتنا معه صحيحة وقد يسودها سوء التفاهم كذلك الصلاة، كيف نطلب من الله ما لم تكن لنا ثقة تامة بصدقه و كرامته و قدرته على الإجابة؟ انهزأ به؟ الإيمان يعني التسليم الكلي ليد الله القوية الأمينة. لن يعسر على الله أن يعمل دون إيماننا، و لكنه هكذا فرض علينا. أنه يطلب من المسيحي أن يجعل حياته كلها معتمدة على الإيمان.
كيف نقوي إيماننا؟ لا يتوقف تقوية إيماننا على تلاوة ترنيمة مثلا أو عمل نعمله الإيمان من الله كما جاء في أفسس 2، 8 و هو وحده يقويه بعد أن نطلب منه. بعد الطلب علينا أن نقرأ الكلمة ونركز عليها لأن " الإيمان بالخبر و الخبر بالكلمة " (رومية 10، 17) فكلما قرأنا الكلمة و ركزنا أفكارنا على الله من خلال كلمته، نرى قوته ومجده، ويزداد إيماننا وتقوى ثقتنا فبه، لأن الإيمان يشبه عضلات الجسد التي تتشدد وتقوى بكثرة الاستعمال و التمرين، و لضعف إيماننا لا يستجيب لنا الله" لأن كل ما ليس من الإيمان فهو خطية "(رومية 14، 23) فما علينا إلا أن نعترف بضعف إيماننا ونطلب من الله أن يقويه.
2- القصد الصحيح:
يقول لنا يعقوب " تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون رديا لكي تنفقوا في لذاتكم " (يعقوب 4، 3) كثيرا ما نطلب طلبات جيدة و لكن القصد رديء. فلو تمعنا في صلوات الرب يسوع و الرسول بولس لما وجدنا أثرا للأنانية، وأن الاهتمام في صلواتهما ينصب على الآخرين و على تمجيد ملكوت الله. أليس من المهم أن نطلب لقصد صحيح، وهدف شريف عوضا أن نطلب لننفق في لذاتنا؟
3- معرفة إرادة الله:
" وهذه هي الثقة التي لنا عنده أنه إن طلبنا شيئا حسب مشيئته يسمح لنا " (يوحنا 5، 14) إذا الصلوات الغير مستجابة لم تقدم حسب مشيئته أو إرادته. "لاشك بأن الصلاة باسم الرب يسوع هي إرادة الله " (يوحنا 14، 13) لكن علينا أن نعرف هذه الإرادة لا يجوز الاستهانة باسم الرب يسوع، أو يظن بأنه مثل قضيب سحري يدخل به إلى حضرة الآب و يأتينا بما نطلبه. علينا أن نعرف مشيئة الله و نستعمل اسم يسوع كأننا نطلب عنه فطلباتنا يجب أن تكون ثابتة على مبدئه ومجد اسمه. نطلب عن المسيح لأننا فيه وهو فينا و حياتنا متصلة بحياته و مرضية لإرادته.
نقرأ هذه العبارة ".... لسنا نعرف ما نصلي لأجله...." (رومية 8، 26) هذه العبارة وأمثالها في الكتاب المقدس توضح لنا ما لم تكن حياتنا ثابتة في المسيح، و ما لم يعمل الروح القدس في قلوبنا فلن نعرف ما نصلي لأجله و لن نعرف إرادة الله؟ و هنا نأتي إلى النقطة الرابعة للصلاة الفعالة وهي :
4- الثبات في المسيح:
" إن ثبتم فيَ و أنا فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم " (يوحنا 15، 7) إننا نردد هذا الوعد كثيرا جدا، و لكنه ليس بدون شروط فكلماته الثلاث الأولى تثبت أن لا استجابة بدون ثبات في المسيح. فما لم تحيا بقرب المسيح، و ما لم تكن علاقتك قوية و ثابتة لن تقدر أن تعرف مشيئته. إن كنا لا نعرف مشيئته لا نستطيع أن نصلي صلاة إيمان. بعضنا لا يؤمن أن الله يقدر أن يلبي طلبا ما، أو يستجيب صلاة ما هل يستحيل شيء عن الله؟ و لكن الشرط الأول للصلاة الفعالة المستجابة هي الثبات في الرب يسوع كثبات الغصن في الكرمة ثبوت كامل لا يتزعزع، فإن انفصل الغصن عن الكرمة جف ومات. وبهذا الثبوت وحده يتسنى لنا معرفة مشيئة الله و الصلاة بحسبها. هنا يتطرق إلى أذهاننا سؤال آخر وهو كيف نثبت في المسيح؟ نجد الجواب في الشرط الخامس من شروط الصلاة الفعالة.
5- قلب نقي:
لا يلتصق لوحا زجاج بعضهما ببعض إذا دخلت بينهما ذرة من الرمل صغيرة. ذرة صغيرة تمنع الالتصاق، وهكذا خطية صغيرة جدا تقف حاجزا دون الثبات في الرب يسوع، و العلاقة الشخصية معه.
من يصعد إلى جبل الرب
و من يقوم في موضع قدسه
الطاهر اليدين و النقي القلب
الذي لا يحمل نفسه إلى الباطل
و لا حلف كذبا
(مزمور 24، 3و4)
" إن راعيت إثما في قلبي لا يستمع لي الرب " (مزمور 66، 18) لا علاقة مع الرب، ولا شركة بدون قداسة. لأن الله لا يعاشر من " فصلت خطاياهم بينه و بينهم " أجمل وصف لهذه العلاقة، وهذه الشركة مع الرب يسوع نجدها في رسالة يوحنا الرسول الأولى "... إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض و دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية، إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل لأن يغفر لنا خطايانا و يطهرنا من كل إثم" (1 يوحنا 1، 7-9) الشركة مع الرب يسوع، السير معه. هذا لا يعني أننا معصومون عن الخطأ بل يعني حساسيتنا و شعورنا الفوري الصادق بالخطية و الاعتراف بها. و هذه الشركة أيضا تعني الحاجة إلى دم الرب يسوع المسيح الذي يطهرنا من كل إثم " والذي بدوره يتطلب الاعتراف بالخطية و طلب الصفح عنها، و تركها بلا رجوع إليها، لأن وجود خطية غير معترف بها في حياة المؤمن تفسد صلواته و تفسد شركته مع الله. آخر شروط للصلاة الفعالة هو:
6- روح المسامحة، روح الغفران:
" ومتى وقفتم تصلون فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء لكي يغفر لكم أبوكم الذي في السموات زلاتكم " (مرقس 11، 25)
" فإن قدمت قربانك على المذبح و هناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح و اذهب أولا اصطلح مع أخيك، حينئذ تعال و قدم قربانك "(متى 5، 23و24).
روح الحقد، أو روح غير مسامحة، تفسد علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، كما تفسد علاقة الإنسان بالله، و تفصله عن المسيح كذلك فتمنعه عن إدراك مشيئة الله. هكذا نرى الشروط الستة هذه ليست شروطا اعتباطية أو استبدادية و لكنها كحبات عقد واحد، في خيط واحد إذا انفرطت حبة انفرط العقد كله، لأن ذلك يعني انقطاع الخيط الذي يحمل الحبات، و هذا الخيط هو خيط القداسة التي تصل الكل في الله الذي هو الكل وفي الكل.
" طلبة البار تقدر كثيرا في فعلها " (يعقوب 5، 16) من يستطيع أن يحدد قوة الصلاة؟ من يستطيع أن يقدر مفعول الصلاة عبر التاريخ؟ ليس من قوة تفوق قوة الصلاة. القوة يعوزها التحصين و يعوزها الحماية الصاحية، كي لا يساء استعمالها. وقد أعطانا الرب يسوع ميزة خاصة هي أننا كهنة اله، فكم علينا أن نطلب بقوة كي نعطي موهبة الصلاة هذه، موهبة الصلاة الفعالة التي عن طريقها نتمكن من تبشير العالم بأسره، و نشر ملكوت يسوع، الحصول على موهبة كهذه تفوق أموال العالم بأكمله و لا ثروة تضاهيها. ليت الله يستخدمنا لنكون مصلين أمناء، مصلين بالروح و الحق ولاسيما في هذه الفترة التاريخية الحاضرة.
- عدد الزيارات: 9903