Skip to main content

الدرس العاشر: عصر البطولة والاستشهاد -2-

في درسنا السابق وصلنا إلى موضوع مجيء الرسول بولس إلى مدينة رومية وإقامته فيها لمدة ما بصحبة جندي روماني ولم تكن حرية الرسول مقيدة لأنه سمح له بأن يستقبل الأخوة المؤمنين وكذلك جميع الذين كانوا يودون الوقوف على بشارة يسوع المسيح ومن المرجح أن الرسول حصل بعد سنتين من وصوله إلى رومية على براءته من قيصر رومية وانه أطلق سراحه من الاعتقال والإقامة الجبرية فذهب إلى أماكن أخرى من عالم حوض البحر المتوسط مبشراً بالإنجيل ومتفقداً حالة الكنائس المسيحية التي أسسها هو وغيره من رسل المسيح وتلاميذه

نيرون أول إمبراطور يضطهد المسيحيين:

لما كان الرسول بولس يبشر في مدينة كورنثوس سيق من قبل جماعة يهودية إلى مقر الحاكم الروماني غاليو وألصقت به تهم عديدة غير مبنية على الواقعلكن الحاكم الروماني لم يشأ بأن يتدخل في قضية دينية بحتة ولذلك طلب من المشاغبين أن يذهبوا عنه بسرعة وألا يزعجوه بمشاكل مشابهة ولما لم يقتنع هؤلاء نصبوا أنفسهم أعداء للرسول وللإنجيل اضطر غاليو بأن يطلب من الجنود المرافقين له بأن يطردوا اليهود من دار المحكمة وهذه الحادثة تبين لنا بصورة واضحة أن الحكومة الرومانية لم تتدخل في بادئ الأمر في شؤون الديانة المسيحية وأن الإنجيل لم يلاق عراقيل حكومية أو رسمية لمدة ما وهذا طبعاً ساعد من ناحية على نشر الكنيسة المسيحية في مختلف أقاليم الإمبراطورية الرومانيةلكن هذا الموقف الحيادي من قبل رومية لم يلبث بأن طرأ عليه تغيير كبير إذ انقلبت رومية بعد مدة إلى مضطهدة للكنيسة

حدث في شهر تموز- يوليو من العام 64 م أن شبت حرائق هائلة في مدينة رومية وذلك أثناء ملك نيرون الإمبراطور وقد ظلت النيران مشتعلة في العاصمة الرومانية لمدة ستة أيام وليالي إلى أن قضت على معظم أبنية المدينة الجميلة وقد انتشرت الإشاعات بعد تلك الحادثة المؤلمة أن الإمبراطور نيرون ذاته هو الذي أشعل النار التي قضت على رومية وابتدأ الناس يظهرون كراهيتهم ومقتهم لنيرون فما كان من هذا الأخير إلا أن نشر الإشاعات بأن المسيحيين كانوا مسببي الحريق طبعاً لم يكن مؤمنو رومية مسؤولين عن ذلك الأمر ولكن السلطات الحكومية لم تأبه لاحتجاجاتهم بل ألقت القبض على العديدين منهم وأخذت تضطهد جميع الذين كانوا يحملون اسم مسيحي صلب البعض من المسيحيين في رومية،وآخرون وضعوا داخل جلود حيوانات مفترسة وجيء بكلاب وحشية للقضاء عليهم وكذلك احرق بعض المؤمنين في حديقة نيرون أثناء الليل لإنارة الطريق لذلك الإمبراطور الهمجي وهو يتجول فيها بصحبة أصدقائه وخلانه! وبما أن الكتاب المقدس لا يخبرنا عن هذه الأمور فإننا نعتمد فيها على ما حفظ في تاريخ الكنيسة للكلام عن آخر أيام الرسولين بولس وبطرس فلما قرر الرومان إعدام بطرس الرسول بالصلب طلب منهم أن يصلبوه ورأسه إلى أسفل بعكس ربه ومخلصه يسوع الذي كان صلب خارج أسوار القدس قبل نحو ثلاثين سنة وبما أن بولس كان مواطناً رومانياًُ فإنه لم يصلب بل قطع رأسه وهكذا مات الرسولان اللذان عملا على نشر رسالة المحبة والسلام والمصالحة مع الله بأمر طاغية روماني ولكن رسالتهما لم تمت بل تابعت مسيرتها إلى أن انتصرت على رومية بعد نحو 25 سنة! ومن المهم الملاحظة أن الاضطهاد الذي تكلمنا عنه لم يكن عمومياً بل انحصر بمدينة رومية وضواحيها

اغناطيوس، يوستينيوس وبوليكاربوس يستشهدون في سبيل المسيح:

يمكن القول أنه من العام 68 إلى العام 161م لم يحدث هناك اضطهاد عام للمسيحيين في أنحاء الإمبراطورية الرومانية بل تعرض بعض المؤمنين إلى الموت هنا وهناك ومن أهم الشهداء في هذه الحقبة من تاريخ الكنيسة: اغناطيوس أسقف أو مطران مدينة أنطاكية، يوستينوس المدافع عن المسيحية الذي اشتهر بكتاباته اللامعة في سبيل الدفاع عن الإنجيل ضد أعداءه الوثنيين وبوليكاريوس أسقف مدينة سميرنا المعروفة الآن باسم أزمير ونكتفي الآن بالكلام عن استشهاد بوليكاريوس وأهمية هذا الأسقف الشجاع هو أنه آخر معلم مسيحي كان قد تتلمذ مباشرة على يد رسل السيد المسيح فبعد أن القي القبض عليه جيء به إلى ملعب سميرنا الشهير الذي كان غاصاً بالجماهير وطلب الحاكم الروماني من بوليكاريوس بأن يشتم السيد المسيح له المجد فيطلق سراحه! فقال الأسقف المسن مجيباً على كلام الحاكم " لقد خدمت السيد المسيح مدة 86 سنة ولم أنل منه أي شيء رديء فكيف تطلب مني أن أشتم المسيح ملكي الذي خلّصني؟ أنا مسيحي! " فقال الحاكم لجماهير عابدي الأصنام الهائجين في مدارج الملعب:" لقد اعترف بوليكاريوس بأنه مسيحي !" فصرخت الجموع: "ليحرق، ليحرق " فأسرع البعض وجاءوا بالحطب ليحرقوا المسيحي الامين وأرادوا أن يربطوه ولكنه قال لهم:اتركوني طليقا: إن الذي سيقويني على احتمال لهيب النار سيمنحني القوة للوقوف هنا بدون أن اربط فأشعلوا كومة الحطب حول بوليكاريوس الذي بدأ يصلي قائلاً:" أيها الرب القادر على كل شيء أبا ربنا يسوع المسيح، أحمدك لأنك حكمت بأنني مستحقاً في هذا اليوم وفي هذه الساعة بأن أكون من عداد الشهداء وان أذوق كاس مسيحك! " وهكذا مات أسقف سميرنا المسن خاسراً حياته الأرضية ورابحاً حياة الأبدية في ملكوت الله!

  • عدد الزيارات: 3641