Skip to main content

الدرس الثامن: الكنيسة تعترف بألوهية المسيح

رأينا في دروسنا السابقة عن الكنيسة المسيحية بأن قادة الكنيسة كانوا يجدون في درس الوحي الإلهي بغية الوصول إلى جميع التعاليم المتعلقة بيسوع المسيح وبعمله الفدائي على الصليب وكذلك لاحظنا أن احد الدوافع الهامة لدراسة الكتاب المقدس والبحث عن التعاليم القويمة هو ظهور البدع والهرطقات في الكنيسة وكان أصحاب تلك البدع يعلّمون بخلاف التعاليم التي استلمتها الكنيسة من الرسل مؤسسي الكنيسة في مختلف أنحاء المسكونة

وقد أتينا على ذكر أسماء بعض قادة الكنيسة في العصور الأولى للميلاد والذين كانوا يعرفون أيضاً باسم آباء الكنيسة وسنأتي اليوم إلى ذكر عقيدة هامة اعترفت بها الكنيسة بشكل منطقي وهذه هي العقيدة الكتابية عن ألوهية السيد يسوع المسيح

حدث في أوائل القرن الرابع الميلادي أن احد أساقفة الكنيسة في مدينة الإسكندرية والذي كان يدعى أريوس اخذ يعلم بأن السيد المسيح يسوع له المجد هو من خليقة الله وانه كان هناك وقت أو زمان عندما لم يكن المسيح وهذا طبعاً يخالف تماماً تعليم الكتاب القائل: " في البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله " ( يوحنا 1:1) وقد حاول رئيس أساقفة الإسكندرية بأن يمنع أريوس من بث تعاليمه المخالفة للكتاب ولكن هذا الأخير لو يمتنع عن ذلك بل اخذ ينظم القصائد والترانيم التي كانت تعلم بأن المسيح يسوع كان مخلوقاً! وقد حدث انشقاق في الكنيسة بسبب ذلك وبعد مدة طلب الإمبراطور قسطنطين (الذي كان قد اهتدى إلى المسيحية تاركاً الوثنية في العام 313 م) من الكنائس في جميع أنحاء العالم عقد مؤتمر أو مجمع كنسي عام وقد حدث ذلك في العام 325 م

اجتمع ممثلو الكنائس المسيحية في مدينة نيقيا الواقعة على ضفاف البوسفور بالقرب من مدينة القسطنطينية أو استانبول وبما أنهم كانوا يمثلون جميع كنائس المسكونة فان مؤتمرهم أو مجمعهم يدعى بالمجمع المسكوني وهو أول المجامع المسكونية في تاريخ الكنيسة

كان الأسقف أريوس يمثل جماعة صغيرة من الذين كانوا يعتقدون بأن المسيح لم يكن منذ الأزل بل أنه مخلوق فوق البشر ولكنه غير مساو لله الآب في الجوهر وانبرى للدفاع عن العقيدة الكتابية أسكندري آخر كان شماساً في الكنيسة ويدعى أثناسيوس وقد رأى هذا الرجل الشجاع بأن الكتاب يعلم أهمية الاعتقاد بألوهية المسيح وبناسوته في آن واحد وان التقليل من شأن عقيدة ألوهية المسيح إنما يؤول إلى خسران جميع ما قام به السيد المسيح من اجل فداء البشر من الخطيئة والموت وقد حدد عمل يسوع بواسطة الملاك الذي قال: "يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس، فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع: لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" ( متى1: 2و21 )

وهكذا نجد مع أثناسيوس بأن قيمة عمل يسوع المسيح إنما تتعلق به بشكل تام فإن حالة الإنسان هي تعيسة للغاية حتى أنه لا يستطيع أن ينقذ نفسه من الخطية والشر الله وحده قادر أن يخلص الإنسان من سلطة الخطية. وهذا هو تعليم الكتاب المقدس. يسوع المسيح هو الأقنوم الثاني للاهوت وكل عقيدة مغايرة لذلك إنما تجعله غير قادر بأن يكون المخلص. وقد شعر أثناسيوس بهذه الأمور بشكل قوي وقال: أن يسوع المسيح الذي أعرفه كمخلصي لا يمكن أن يكون أقل من الله. .."

وحدث بعد عدة جلسات للمجمع المسكوني أن قرر أساقفة الكنيسة الجامعة بأن آراء وتعاليم آريوس وتلاميذه بخصوص السيد يسوع المسيح هي خاطئة ومنافية لتعاليم الكتاب. لكن آريوس لم يتب عن غيه بل ثابر على الدفاع عن بدعته ولذلك عُدّ هو وجميع أتباعه من الهراقطة.

وقد جاهد أثناسيوس أثناء حياته الطويلة كأسقف الإسكندرية في سبيل الدفاع عن العقيدة الصحيحة بخصوص السيد يسوع المسيح واحتمل الاضطهادات العديدة نظراً لتدخل السلطات الحكومية في قضايا الكنيسة وهنا علينا أننا نلاحظ أن الإمبراطور قسطنطين مع وقوفه وقفة صريحة مع المدافعين عن الإيمان القويم إلا أنه كان أول من اخذ يعمل على التدخل في شؤون الكنيسة وسار على مثاله أباطرة الرومان وخاصة في القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية وهذا أمر مؤسف للغاية لان الكنيسة لان الكنيسة المسيحية منذ نشأتها كانت مستقلة كل الاستقلال عن السلطات الحكومية إنها كانت تعلم رعاياها أن يحترموا الملوك والسلاطين ويعملوا على خير البلاد ولكنها لم تسمح لأي حاكم ارضي بأن يأخذ مكان السيد المسيح له المجد في سياسة أمور الكنيسة وفي الدفاع عنها وكان يسوع المسيح قد أعطى المبدأ الوحيد الذي تبنى عليه العلاقة بين الدولة والكنيسة وواجبات المؤمن تجاه تلك المنظمتين: أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله الدولة لها سلطان في نطاقها الخاص والكنيسة لها سلطان في نطاقها الخاص وعلى المؤمن بأن يعطي المنظمتين حقهما وعلى الجميع احترام المنظمتين ضمن نطاقهما المحدد من قبل الله تعالى

وقد لخص الأساقفة المجتمعون في نيقية الإيمان المسيحي بقانون إيمان أطول من قانون الإيمان المعروف بالقانون الرسولي والذي كان يستعمل عادة لدى اعتماد المهتدين إلى المسيحية ومع أن هذا القانون نقّح نوعاً ما في المجامع المسكونية التي انعقدت في القرون التالية إلا أنه يرجع في نقاطه الأساسية إلى مجمع نيقية وبما أن هذا المجمع الشهير فصل في قضية هامة للغاية فلذلك يحق النظر إليه كأهم مجمع مسكوني عقد في تاريخ الكنيسة المسيحية وفيما يلي نص قانون الإيمان المعروف بالقانون النيقاوي والذي يستعمل في معظم الكنائس الإنجيلية في العالم:

"أومن بإله واحد آب ضابط الكل خالق السماء والأرض وكل ما يرى وكل ما لا يرى وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق مساوٍ للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد بالروح القدس من مريم العذراء، وصار إنساناً وصُلب أيضاً عنا على عهد بيلاطس البنطي، تألم وقبر وقام في اليوم الثالث كما في الكتب وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات الذي ليس لملكه انقضاء. وأؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب الذي هو مع الآب والابن يسجد له، وأؤمن بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسوليه وأعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا وأترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي، آمين"

  • عدد الزيارات: 3946