مَن هوَ الكفؤ ليقود؟ - دعوات أخرى- في الماضي والحاضر
دعوات أخرى- في الماضي والحاضر
هل تذكرون آخر دعوة، بل آخر تكليف أعطاه الرب يسوع المسيح لأتباعه؟ "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم" وأضاف إلى هذه المهمة التي كلفهم بها وعده العظيم "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 18: 19، 20). إن الله لا يزال يعطينا الأساس نفسه لخدمته بأمانة، كما أعطاه لقدماء الأبطال في الإيمان، والأساس هو: "أنا معكم".
دعيتُ قبل بضع سنوات لألقي كلمة خلال رياضة روحية في إحدى مدارس الأحد، وكان جيم رايبورن، مؤسس حركة حياة الشباب، يدرِّس طوال سنوات في صف الكبار للكنيسة المشيخيَّة في مدينة كولورادو سبرنغر. كانت مدرسة تلك الكنيسة تقوم بعمل رياضة روحية، وقد طلبوا من جماعة "الملاّحين" إرسال مُحَاضِر. وكان الأخ رود سارجنت وهو من وُجِّهت إليه الدعوة، غير قادر على الذهاب، فدعاني إلى مكتبه واقترح عليَّ أن أقوم أنا بتلك المهمة.
لقد جمدت، إذ ماذا أستطيع أن أقدِّم لصف يشرف عليه رجل مثل جيم رايبورن؟ إن صفاً يقوم بالتدريس فيه أحد رجال الله الكبار هو فوق مستواي. وخطر لي أن يكون ردّي على الإقتراح مثل القول "أنا ولد ولا يمكنني أن أتكلَّم". في ذلك الوقت كنت حديث الإيمان، ولم يمضِ عليَّ أكثر من سبع سنوات في معرفة الخلاص. ثم أن أكثر الموجودين في تلك المدرسة يفوقونني في السن وفي المعرفة. وعليه بدأت أحاول شرح الأمر والإعتذار، وطلبت من رود أن يجد شخصاً آخر يقوم بتلك المهمة.
جلس رود قبالتي ساكناً ينظر إليَّ دون أن ينبس ببنت شفة. وبعد فترة وجيزة تكلَّم قائلاً: "يا ليروي، هناك شيء لاحظته فيك، وهو رغبتك في السير في الطريق السهل وتجنُّب القيام بخطوة جريئة بإيمان وثقة". ثم طلب مني أن أفكر لبرهة وأصلّي حول الأمر.
وفعلاً فعلت ذلك، وعلى الرغم من أني كنت لم أزل أشعر بعدم الكفاءة تجاه ذلك الواجب، فقد ألهمني الله بالقبول. ولا أحتاج أن أقول أني هيأت نفسي قبل الصف بدرس مكثَّف وساعات من الصلاة بقدر ما استطعت.
وكم كان فرحي شديداً بإتمام الرياضة الروحية على ما يرام، ولقد أحسست فعلاً بقيادة الله وقوته المعطاة. وبذا علَّمني الرب درساً مفيداً خلال هذا الموقف كان أقل ما فيه تلك الحقيقة وهي أن عليَّ ألاَّ ألجأ إلى الموقف السهل. وكانت هذه التجربة مفيدة لي رغم قسوتها، ولقد شعرت بقيمتها سنين عديدة.
ثم هناك شيء آخر قد يستعمله الشيطان ليمنعنا من التقدُّم بإيمان والاستجابة لدعوة الله، وهو ما قد يكون في خلفيَّتنا وماضينا ويظل يساورنا ويزعجنا. قد نظن هذا عائقاً يضرُّ بالعمل ولا نستطيع التغلُّب عليه. لكن الكتاب المقدس يذكِّرنا مرة أخرى بخطأ هذا الظن.
كان بولس قبل إيمانه فظَّاً قاتلاً، وقد أمضى وقتاً طويلاً وبذل جهداً كبيراً في اضطهاد كنيسة الله. لقد اعترف بخجل فيما بعد وهو يصلّي: "إني كنت أحبس وأضرب في كل مجمع الذين يؤمنون بك. وحين سُفِكَ دم استفانوس شهيدك كنت أنا واقفاً وراضياً بقتله وحافظاً ثياب الذين قتلوه" (أعمال 22: 19 – 20).
وكتب بولس فيما بعد واصفاً نفسه فقال: "أنا الذي لست أهلاً لأن أُدعى رسولاً لأني اضطهدت كنيسة الله" (1 كورنثوس 15: 9)، ولكنه كتب أيضاً "وأنا أشكر المسيح يسوع ربَّنا الذي قوَّاني، أنه حسبني أميناً إذ جعلني للخدمة، أنا الذي كنت قبلاً مجدِّفاً ومضطهداً ومفترياً" (1 تيموثاوس 1: 12 – 13).
كان بولس رجلاً ذا ماضٍ مظلم يجعله غير صالح لخدمة الله. لكنه أصبح مع ذلك الرسول الكبير للأمم، وقد استعمله الله في كتابة كثير من أسفار العهد الجديد.
هناك أناس آخرون تشوَّهت حياتهم بلطخات سود لكنهم أصبحوا فيما بعد عاملين في خدمة الله. إني أتذكَّر يوحنا مرقس. لقد برهن هذا الشاب، في أثناء مرافقته لبولس وبرنابا في رحلتهما الأولى، أنه ليس أهلاً للاعتماد عليه. فعندما خطَّط هذان الرسولان لرحلتهما الثانية رفض بولس قبول يوحنا مرقس في رفقته بسبب إخفاقه السابق. (انظر أعمال 15: 36 -38).
ومع ذلك فقد اختار الله هذا الرجل فيما بعد ليكتب إنجيل مرقس الذي قدَّم للعالم ابن الله الخادم الأمين إلى الأبد. ولم يكن ماضي مرقس الأساسي هو الذي بنى عليه الله اختياره لمرقس للقيام بواجبه.
اختار الله داود ليكون قائداً ومرشداً لشعبه وليكون الرأس الإداري للحكومة، مع أنه لم يكن أصلاً سوى راعي غنم على هضاب بيت لحم. ولكن الله دعاه، وقد قبل الدعوة بصرف النظر عن ماضيه.
إذن عندما يدعوكم الله للقيام بواجب، فلا تسمحوا للشعور بعدم الكفاءة وانعدام الماضي المشرِّف أن يعوقكم عن تلبية الدعوة. "لأن الله هو العامل فيكم، أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرَّة" (فيلبي 2: 13).
- عدد الزيارات: 11480