المرأة في الكنيسة
في 1 كورنثوس 14: 34 - 38 يعطينا تعليمات واضحة بالنسبة لمكان المرأة في الكنيسة المجتمعة "لتصمت نساؤكم في الكنائس، لأنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمن، بل يخضعن كما يقول الناموس أيضاً. ولكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئاً، فليسألن رجالهن في البيت، لأنه قبيح بالنساء أن تتكلم في كنيسة. أم منكم خرجت كلمة الله؟ أم إليكم وحدكم انتهت؟. إن كان أحد يحسب نفسه نبياً أو روحياً فليعلم ما أكتبه إليكم أنه وصايا الرب ولكن إن يجهل أحد فليجهل".
في هذا وضوح ليس بعده من مزيد من جهة التعليمات التي تقرر مكان المرأة في الكنيسة المجتمعة. ليس مأذوناً للمرأة أن تتكلم في الكنيسة. وعبارة "في كنيسة" أو "في الكنائس" تستعمل خمس مرات في هذا الإصحاح، وفي جميعها تعني اجتماع المؤمنين كجماعة أو الاجتماع معاً للكنيسة كلها. ففي مثل هذه الاجتماعات ليس للمرأة أن تقف وتتكلم على الإطلاق، بل أن تصمت وتكون في خضوع.
وفي كورنثوس الأولى 11: 5 يقول الرسول "وأما كل امرأة تصلي أو تتنبأ الخ ...". وهذا النص يسمح بمثل هذا النشاط الذي تقوم به المرأة ولكنه لم يبين في ذلك الموضع أين تمارس المرأة ذلك، أما الإصحاح الرابع عشر فقد أوضح بكل صراحة أن خدمة مثل هذه ممنوعة منعاً باتاً على النساء في الكنائس وذكر بكل وضوح وجوب صمتها وخضوعها. فواضح إذن أن ممارسة المرأة لخدمة الصلاة أو التنبؤ تكون خارج الكنيسة. وبولس ورفقاءه نجدهم في أعمال 21: 8 - 9 في بيت فيلبس المبشر وكان لهذا "أربع بنات عذارى كن يتنبأن" والمفهوم من سياق الكلام أنهن كن يتنبأن في البيت وليس في الكنيسة، وهذا ترتيب واضح وفي مكانه.
ومن المهم جداً أن نلاحظ أن هذا الحظر على النساء فلا يتكلمن في كنيسة، ليس مجرد كلام للرسول بولس - وهو رجل أعزب كما قد يحتج البعض - بل هو "وصايا الرب" (1 كو 14 - 37). فإن كان أحد - رجلاً أو امرأة - له ذوق روحي ويسلك في رضا الرب فعليه أن يعلم أن هذه هي تعليمات ووصايا الرب. إن المسألة مسألة إطاعة مشيئة الله. ومحاولة المداورة والمحاورة حول فصل كتابي مثل هذا، واضح غاية الوضوح، كما يفعل الكثيرون وهم مستمرون في عصيانهم وعدم طاعتهم - برهان على أن القلب ليس راغباً في عمل مشيئة الله وعلى عدم احترام كلمته.
ولعل الكورنثيين ظنوا - كما يظن كثيرون في هذه الأيام، أنهم أحرار يفعلون ما يحسن لديهم من جهة هذا الأمر. والرسول من أجل ذلك يقول لهم "أم منكم خرجت كلمة الله؟ أم إليكم وحدكم انتهت؟" (ع 36) وكأنه يقول لهم: [هل لكم سلطان من قبل الرب من جهة ما تقررونه في هذا الخصوص؟. إن كلمة الله لم تخرج منكم بل إليكم جاءت] ولهذا لا بد أن يخضعوا لوصايا الرب من الرسول.
أحياناً يقال إن كلمة "تتكلم" المذكورة في هذا الفصل تعني الانصراف إلى حديث خاص وتبادل أطراف الحديث مع الآخرين همساً أو بصوت مسموع أثناء الخدمة وهذا ما يحذر ضده الرسول (ثرثرة أو نشر القيل والقال to chatter, "gassip).غير أن هذا تعبير خاطئ ومضلل وبعيد كل البعد عن الصواب. فإن موسوعة يونج Youngs concordance تبين أن هذه الكلمة اليونانية "Laleo" التي ترجمتها "تتكلم" تستعمل في كل الإصحاح بمعنى الكلام بقصد الخدمة. إنها ترد 241 مرة في العهد الجديد ولها نفس المعنى الوارد في عدد 29 من نفس الإصحاح عن تكلم الأنبياء في الكنيسة "أما الأنبياء فليتكلم اثنان أو ثلاثة" وأيضاً "لست آذن للمرأة أن تتكلم" فإن ذات الكلمة عينها هي المستعملة في الموضعين.
وآخرون يقولون أن هذا المنع مقصور على النساء في كورنثوس فقط حيث النساء كن جاهلات صخابات وليس في مقدورهن القيام بخدمة عامة، غير أن هذا مردود بالقول بأن الفكرة الأولى التي تقول بأن المنع مقصور على نساء كورنثوس فكرة مغلوطة من أساسها ولا تستند إلى أي دليل كتابي، أما ما يقال عن نساء كورنثوس فهو مجرد افتراض وادعاء. وافتتاحية هذه الرسالة ترينا أنها موجهة من بولس "إلى كنيسة الله التي في كورنثوس ...مع جميع الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان".
هذا التقديم قاطع وحاسم لأن تعليمات وتحريضات هذه الرسالة ليست لها مجرد الصفة المحلية بل هي أيضاً موجهة إلى دائرة المسيحية المعترفة في كل مكان. وفي الفصل المطروح أمامنا يتكلم الرسول عن سكوت النساء وصمتهن "في الكنائس" ولم يقل للكورنثيين في "كنيستكم" بل "في الكنائس".
إن مكان المرأة في الكنيسة هو مكان الخضوع والسكوت وليس مكان القيادة. وكما أن الرجل في دائرة البشرية يمثل الرأس والفكر فإن المرأة تمثل القلب. ومكان القلب في الحنايا غير منظور بينما الرأس هو الظاهر للعيان. فالذين يأخذون المكان الظاهر في الكنيسة هم الذين يقودون الجماعة سواء في الصلاة أو الترنيم أو الخدمة وهذا المركز لم يعط للمرأة.
إن كثيرين لا يدركون أن من يصلي جهاراً أي من يصلي بين الجماعة المجتمعة فإنه يقود الكنيسة في صلاته. إنها ليست صلاة فردية بل تعبر عن الكنيسة في الصلاة أو التسبيح. لذلك إذا كانت المرأة تصلي في اجتماع الصلاة أو في أي اجتماع مختلط فمعنى ذلك أنها تأخذ مكان القيادة على خلاف ما جاء في الكتاب. وفي 1 تيموثاوس 2: 8 "فأريد أن يصلي الرجال في كل مكان" فإن هذه الحرية المطلقة في الصلاة الجهارية ليست ممنوحة للمرأة.
في هذا الخصوص نتعلم من حنة في 1 صموئيل 1: 9 - 17. إن تلك المرأة التقية صلّت في بيت الرب والعباد مجتمعون. فكيف صلت؟ يقول الكتاب "كانت تتكلم في قلبها وشفتاها فقط تتحركان وصوتها لم يسمع" (ع 13). فإنه ما كان يليق بها أن تصلي بصوت مسموع في حضور جمهرة مختلطة من العباد ولكنها استطاعت أن تصلي في قلبها والله سمع وأجاب. هكذا في هذه الأيام وعلى هذا المنوال تصلي النساء وتسبح في قلوبهن في الكنيسة المجتمعة ويشتركن في "الآمين" عند كل صلاة علنية مسموعة.
غطاء الرأس
نتأمل الآن في مسألة وجوب تغطية المرأة رأسها إذا ما صلّت أو تنبأت في الكنيسة. في هذا الخصوص يعطينا الرسول تعليمات في 1 كورنثوس 11: 3 - 16 قائلاً "ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح، وأما رأس المرأة فهو الرجل، ورأس المسيح هو الله. كل رجل يصلي أو يتنبأ وله على رأسه شيء يشين رأسه. وأما كل امرأة تصلي أو تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها، لأنها (والمرأة) المحلوقة شيء واحد بعينه، إذ المرأة إن كانت لا تتغطى فليقص شعرها، وإن كان قبيحاً بالمرأة أن تقص أو تحلق فلتتغط. فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. وأما المرأة فهي مجد الرجل. لأن الرجل ليس من المرأة، بل المرأة من الرجل. ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل. لهذا ينبغي للمرأة أن يكون لها سلطان على رأسها من أجل الملائكة، غير أن الرجل ليس من دون المرأة، ولا المرأة من دون الرجل في الرب. لأنه كما أن المرأة هي من الرجل، هكذا الرجل أيضاً هو بالمرأة. ولكن جميع الأشياء هي من الله. احكموا في أنفسكم هل يليق بالمرأة أن تصلي إلى الله وهي غير مغطاة؟".
من هذا الفصل نرى أن الله قد وضع ترتيباً معيناً يريدنا أن نعترف به ونحافظ عليه. فليست المسألة مجرد عادة أن يكشف الرجال رؤوسهن، أو أن تغطي النساء رؤوسهن في حضرة الرب. بل إن هذا الترتيب له معنى كتابي ويستند إلى سبب كتابي حقيقي.
إن الله هو رأس المسيح، والمسيح هو رأس الرجل، والرجل هو رأس المرأة. ولأن الرجل هو صورة الله ومجده والمسيح هو رأس الرجل فإنه يكون من المهانة للمسيح أن يغطي الرجل رأسه عندما يصلي أو يتنبأ (يتكلم جهاراً). فإن مجد المسيح ينبغي أن يكشف لا أن يغطى.
لكن المرأة خلقت لأجل الرجل ومن الرجل وهي مجد الرجل، ولأجل ذلك ينبغي أن تغطي رأسها عندما تصلي أو تتنبأ، لأن مجد الرجل ينبغي أن لا يرى وبصفة خاصة في الكنيسة المجتمعة. إذ هناك ينبغي أن مجد المسيح وحده وليس مجد الرجل هو الذي يستعلن.
وأكثر من ذلك يقول في عدد 10 أنه "ينبغي للمرأة أن يكون لها سلطان على رأسها من أجل الملائكة" أي أن يكون لها على رأسها غطاء رمزاً لسلطان الرجل الذي هي خاضعة له. فعندما تضع المرأة غطاء على رأسها في حضرة الرب، إنما بذلك تصادق على أن الرجل هو رأسها المعين لها من الله. وإذا دخلت امرأة إلى حضرة الرب ورأسها غير مغطى فإنها تظهر بذلك أنها تريد أن تكون مثل الرجل وترفض مركز الخضوع. إنها تشين رأسها (تشين كرامته) وربما تفعل ذلك دون وعي، بل عن جهل، لكن هذا هو معنى ما تفعله.
إن الملائكة نظاراً في الاجتماع وينبغي أن يشهدوا (يتفرجوا) على ترتيب الله ومراعاة أصوله هناك. إنهم يرون في السماء وفي كل الخليقة ترتيباً دقيقاً محفوظاً وينبغي أن لا يروا بين المسيحيين عدم الترتيب. إن السرافيم يغطون أنفسهم في حضرة الرب (أش 6: 1 - 3)، ويسرهم أن يروا النساء كذلك إطاعة لكلمة الله. وقصد الله أن "الرؤساء والسلاطين في السماويات" تعرّف "بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة" (أف 3: 10 و 11). وهذه الحكمة الإلهية هي في سر المسيح والكنيسة الذي يرمز إليه بالزوج وامرأته : الواحد يشغل مركز الرأس والآخر تشغل مركز الخضوع له (أف 5: 22 - 32).
وتغطية الرأس أمر واجب على النساء غير المتزوجات كما على المتزوجات. لأن الأعداد الواردة في 1 كورنثوس 11 هنا تتكلم عن الرجل بصفة عامة وعن المرأة بصفة عامة. وفي سفر العدد 30: 3 - 5 نقرأ عن وجوب خضوع البنت في صباها في بيت أبيها لسلطان أبيها، ونذورها والتزاماتها تثبت متى أجازها أبوها. فإن لم يوافق الأب عليها لا تثبت نذورها أو عهودها التي قطعتها على نفسها وبالمثل نذور الزوجة والتزاماتها تثبت متى وافق عليها الزوج وعلى ذلك فالمرأة ينبغي أن تعترف بسلطان الرجل أباً كان أو زوجاً. وغطاء رأسها وهي في حضرة الرب هو علامة هذا الخضوع.
عيب الرأس غير المغطاة
"وأما كل امرأة تصلي أو تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه. إذ المرأة إن كانت لا تتغطى فليقص شعرها، وإن كان قبيحاً بالمرأة أن تقص أو تحلق فلتتغط" (1 كو 11: 5 و 6).
وفي العهد القديم كان كشف رأس المرأة وحلق شعرها علامة تحقير وإذلال كما نرى في العدد 5: 18 كان يكشف شعر رأس الزوجة إذا شك الزوج وأحاطها بالشبهات، وفي التثنية 21: 10 - 13 إذا سبيت امرأة جميلة أو وقعت في الأسر. وهنا في 1 كورنثوس 11 يقول الرسول أنه إذا كانت المرأة تصلي أو تتنبأ ورأسها غير مغطى فهي والمحلوقة شيء واحد بعينه. وإذا كان قص شعرها أو حلقه علامة عار عليها أن تتغطى. يجب أن لا توصم وهي في حضرة الرب بوصمة ما. ينبغي أن لا تظهر أمام الله وأمر أمانتها لزوجها محل شك. بل ظهورها ورأسها مغطى فيه بيان وفيه علامة عن اعترافها بأن الرجل رأس لها وأنها تتمتع بكامل ثقته فيها.
واضح من كلام الأعداد في 1 كورنثوس 11 أنه قبيح بالمرأة أن تقص أو تحلق لكن "إن كانت ترخي شعرها فهو مجد لها" (ع 15). وهذه كلمات حاسمة ينبغي أن تقف سداً عالياً في وجه السخافات العصرية وأمام روح التبذّل العصري باسم "المودة". هل يليق بامرأة تقية أن تقتطع جزءاً من مجدها وتلقي به؟ إن في هذا عصياناً شائناً. وهل تستطيع امرأة كهذه أن تمسح قدمي الرب بشعرها كما فعلت هاتان التقيتان المخلصتان في لوقا 7: 38 ويوحنا 12: 3؟
الشعر الطويل ليس هو الغطاء
نقرأ في 1 كورنثوس 11: 15 "وأما المرأة إن كانت ترخي شعرها فهو مجد لها لأن الشعر قد أعطي لها عوض برقع". ومن هذه العبارة راح البعض يعلمون أن الشعر الطويل هو غطاء الرأس للمرأة ولا حاجة لها إلى غطاء آخر. ولكن هذا التفسير خاطئ جداً، ولا يؤدي نفس المعنى المقصود من النص. فإن المعنى المفهوم من العبارة أن الشعر الطويل قد أعطى للمرأة بالطبيعة كبرقع تتشح به، فهو ليس غطاء الرأس الذي يصر الرسول بولس عليه في الأعداد السابقة فإنه إذا كان لا بد أن يغطى مجد الرجل في حضرة الله، "والمرأة هي مجد الرجل". إذن فشعر المرأة الذي هو مجدها الشخصي ينبغي أن يغطى أيضاً في حضرة الله.
لقد بيّن الرسول بولس الفرق بين الرجل والمرأة وقال أن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه، أما المرأة فينبغي أن تغطي رأسها. ثم ينتقل إلى الكلام عن سبب آخر يدعو المرأة لأن تغطي رأسها، وهو الآداب السليمة، واللياقة المبنية على التركيب الطبيعي للرجل والمرأة، وهو تركيب جد مختلف عند كليهما. إنه يقول "احكموا في أنفسكم هل يليق بالمرأة أن تصلي إلى الله وهي غير مغطاة؟ أم ليست الطبيعة نفسها تعلمكم؟" (ع 13 و 14). فحتى في الطبيعة الله أعطى المرأة الشعر الطويل كبرقع تستتر به. فالمرأة إذن يليق بها كل اللياقة أن تغطي رأسها عندما تصلي إلى الله.
ليس لنا عادة مثل هذه
ثم يقول الرسول "ولكن إن كان أحد يظهر أنه يحب الخصام فليس لنا نحن عادة مثل هذه ولا لكنائس الله". فلقد أوضح الرسول فكر الله في هذا الأمر. فإذا راح البعض يناقضون ويناقشون بالمجادلة في هذا الموضوع فبكل بساطة يحسم الجدل بقوله "ليس لنا نحن عادة مثل هذه ولا لكنائس الله".
إنه في مثل هذه الأمور الصغيرة كتغطية الرأس أو عدم تغطيتها تظهر حالة القلب - وفيها امتحان لإرادتها هل هي راغبة في الخضوع لله ولكلمته أو أنها متحفزة للوقوف ضد الكلمة والانسياق في تيار المودة والروح العصرية.. إن العادات والمودات تتغير، لكن كلمة الله ومبادئ الله في هذا الأمر وفي غيره من الأمور تبقى ثابتة.
- عدد الزيارات: 6193