المرأة في تدبير النعمة
لقد تأملنا طويلاً في مكان المرأة في الخليقة وفي سقوط البشرية وفي الناموس، ولاحظنا ما يذكره الكتاب عن مركزها في هذه الدوائر وما ارتبط بالتعليمات الخاصة إزاء مكانها في الكنيسة، والآن نريد أن ندرس بصفة خاصة مكانها في العهد الجديد أو في عصر النعمة الحاضر المعروف فترة الكنيسة.
في البيت
ذكرنا أن البيت يأتي كواحد من الدائر الهامة التي تميز المركز الخاص الذي أعطاه إياها الله. ومن الطبيعي يأتي المنزل قبل الكنيسة في الترتيب الأدبي وفي الترتيب الزمني باعتباره الأساس للمجتمع كله. ومن الصحيح كما رأينا في البداية المكان الخاص الذي يعطيه الكتاب للمرأة في هذه الدائرة المباركة جداً. وهذا سيساعدنا أيضاً أن نرى جيداً المركز الإلهي الممنوح للنساء في الكنيسة، لأن مكانها في البيت وفي الكنيسة هما بالضرورة في انسجام وتوافق، أحدهما مع الآخر، وإذا تعلمت المرأة أن تأخذ مكانها الصحيح في البيت فإنها ستميز أكثر مكانها الصحيح في الكنيسة.
إن العلاقة الأساسية للبيت هي علاقة الزوج بالزوجة، ثم إذا كان هناك أولاد بعد ذلك فهناك أيضاً تلك العلاقات السعيدة علاقات الأبوة والأمومة والبنوة. وفي هذه العلاقة الجميلة للزوجة، أو للزوجة والأم، تحتل المرأة مكانة هامة جداً ولها تأثيرها الواضح في البيت. والبيت لا يكون بيتاً حقيقياً بدون الزوجة التقية أو الأم التقية.
لقد سبقت الإشارة إلى المركز الذي أعطاه الله لحواء كالقرينة المعينة لآدم. لقد أحضرها الله له وأخذت مكانها إلى جواره كزوجة ومعينة أعدها الله له.. لقد خلقت لتكون شريكة ورفيقة حضنه، جسداً واحداً معه، وإذ جبل الرجل أولاً صار لها رأساً، ولما دخلت حالة السقوط، قال الله بالتحديد أن حواء تخضع لتعليمات وحكم زوجها. ولكن حاشا أن يكون معنى ذلك أن يدوسها بقدمه بل أن تكون إلى جانبه، وفي مساواة معه، تحت حماية ذراعه، وبالقرب من قلبه لتنعم بمحبته. هذه هي المكانة الخاصة التي تحتلها المرأة في علاقة الزوجية كما رتبها الله في الخليقة.
لكن من السقوط إلى الصليب لا نقرأ شيئاً في الكتاب المقدس عن مكان المرأة الصحيح في الخليقة، وكما قال واحد [إن الوثنيين حطوا من مقامها فجعلوها أمة مستعبدة للرجل. وتحت الناموس أعطيت لها الحماية من استعبادها وإذلالها في بعض الظروف (خر 21، لا 18: 18). ومع ذلك لم يكن لها في التدبير الموسوي مكانها الصحيح بالنسبة للرجل. لكن عندما ظهر الإنسان الثاني (المسيح) وتم عمل الكفارة أعيد الوضع من جديد حسب الترتيب الإلهي في الخليقة وتحصلت المرأة على مكانتها الصحيحة إلى جانب الرجل]. (س. ه. ستيوارت).
هذا الوضع الصحيح نراه مقرراً في أفسس 5: 22 و 23. حيث يطلب من الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم، كما أحب المسيح الكنيسة، وأسلم نفسه لأجلها.. كما يطلب إلى النساء أن يخضعن لرجالهن كما للرب، لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح هو رأس الكنيسة. لذلك كما تخضع الكنيسة للمسيح هكذا النساء لرجالهن في كل شيء. فبينما يرى أن الزوج يحب امرأته كنفسه، كذلك تلاحظ الزوجة إكرام رجلها واحترامه.
هذا هو ترتيب الله للرجل والمرأة في البيت في هذا التدبير الحاضر - تدبير النعمة. فالزوجة محط عناية زوجها بكل لطف ومحبة في أقصى تقدير لها، كما أنها تعترف له بأنه رأس البيت وتخضع له وتوقره. وهي تفعل ذلك "كما للرب" (أف 5: 22) حاسبة أن المسيح من وراء زوجها ومنه يستمد زوجها سلطانه. وعليها أن تتذكر أيضاً أنها بخضوعها تمثل خضوع الكنيسة للمسيح رأسها. ويا له من امتياز عجيب ومدهش!.
في 1 تيموثاوس 5: 14 نقرأ أن الرسول يريد أن الحدثات "يتزوجن ويلدن الأولاد ويدبرن البيوت" فتدبير البيت وترتيبه هو عمل المرأة الخصوصي أما الزوج فهو رأس البيت المسئول والمرأة التي تدّعي رئاسة البيت احتقاراً لزوجها وتقليلاً من مكانته فيه، لا شك أنها لن تكون سعيدة وبائسة، وسوف تجني حتماً ثمار تمردها وتعديها، ثماراً مرة في بنيها وبناتها الذين ينشأون على مبادئ مقلوبة ومعكوسة. ورغم أنه في هذه الأيام تتصايح النساء مطالبة بالحرية والمساواة في الحقوق مع الرجل واعتبار الخضوع النسوي أمراً غير مرغوب فيه عند قطاع متزايد وقد استبعدوه، لكن ما زال الله يأمر ويطالب الزوجات المؤمنات أن يكن خاضعات لرجالهن وبدون ذلك لا يمكن أن يكون هناك فرح أو بركة حقيقية أو بيتاً ذات قواعد صحيحة.
وإذ تكلمنا عن مركز المرأة في العلاقة الزوجية وفي دائرة البيت، نتقدم الآن للكلام عن خدمتها في هذه الدائرة المباركة. إن أغلب وقت المرأة الذي تصرفه في بيتها تقضيه في إنجاز مطاليب الحياة اليومية وفي ذلك يمكنها أن تقدم خدمة كبيرة لله. لأن الرسول في كولوسي 3: 23 و 24 يقول "وكل ما فعلتم، فاعملوا من القلب، كما للرب، ليس للناس ..لأنكم تخدمون الرب المسيح". فباهتمامها بأمور زوجها وأولادها وفي خلق جو سعيد في بيتها وجعله موئلاً للبهجة وملاذاً للراحة وسط اضطرابات الحياة واهتماماتها تستطيع المرأة أن تملأ مكاناً هاماً جداً.
إن الأم هي في الواقع مركز وقلب البيت. وجاذبيات البيت تتوقف إلى درجة كبيرة على روح وتصرف الزوجة واتجاهاتها. والزوجة المتعقلة التي تدبر بيتها بأسلوب حكيم، وتحلّي بيتها بنسمات النعمة والمحبة وأضواء البهجة، لا شك تكون بركة عظيمة لزوجها وأولادها ولكل من يدخل بيتها. إن نجاح أو فشل الزوج في الحياة غالباً ما يعتمد على مسلك الزوجة في البيت. وكثيرون يدينون بمراكزهم التي وصلوا إليها في الحياة لحكمة زوجاتهم وحسن تصرفهن.
وممارسة فضيلة ضيافة الآخرين تصبح سهلة إلى حد كبير بفعل الزوجة. هذه خدمة ثمينة وقيمتها غالية جداً في وسط كنيسة الله، ولها مجازاتها الحاضرة والمستقبلة. في هذا نصيب حقيقي موفور للنساء في خدمة المسيح، إنهن يخدمن أجلّ وأسمى خدمة لما يفتحن بيوتهن لخدام الرب ولشعب الرب وأيضاً لغير المخلصين ليسمعوا بشارة الإنجيل ويخلصوا. وما فعله أكيلا وبريسكلا لما فتحا بيتهما لأبولس وشرحا له طريق الله بأكثر تدقيق هو نموذج لمثل هذه الخدمة أعمال 18: 26.
ومن أثمن الخدمات أيضاً للأم في البيت خدمة تربية الأولاد. هذا هو عملها الخصوصي حيث أنها تصرف وقتاً أطول من الزوج مع أولادها في البيت، وتؤثر في حياتهم تأثيراً قوياً وكبيراً للخير أو للشر. ولاحظ كيف يذكر اسم الأم في أسفار الملوك وأخبار الأيام عند ذكر ملوك اسرائيل المختلفين. إن روح الله يشير لنا إلى العامل الفعال في تشكيل حياة الرجال الذين حكموا شعبه. إنه تأثير الأم.
إن أساسات أخلاق الطفل توضع في البيت عند تربية الأولاد. ويدا الأم هما الأداة التي يستخدمها الله في إرساء هذه الأساسات، إن عمل الم الأكثر أهمية، والمعين من الله، وعليها أن تكرس نفسها تماماً للعناية بهم وبتربيتهم وتنشئتهم، فإذا هي أهملت في هذه الخدمة في البيت أو تركتها لآخرين بينما سعت هي لتخدم الرب في مجالات أخرى فلا جدال في أنها بذلك تترك عملها وستفشل بالتأكيد في إنجاز أي عمل آخر لم تدعى إليه. إن تعليم وتنشئة الأطفال التي يتحصلون عليها من أمهاتهم في سنواتهم المبكرة عندما تكون حاسياتهم رقيقة، والتي تترك تأثيراتها العميقة في حياتهم كلها كما تترك انطباعات على طفولتهم الغضة والمرنة، وعقولهم المتفتحة وقلوبهم التي لا تنمحي أبداً. كم هو مهم إذن عمل الأمهات في البيوت. ليته لا يهمل.
لذلك فإننا نلاحظ ويجب أن نعلن أن في دائرة البيت مجالاً خصوصياً للمرأة فيه تخدم الله وتمجده بطريقة لا يصلح فيها سواها. إنها في تلك الدائرة حيث مجالها الخاص جداً، تملأ جوه نوراً وبهجة، وتجتهد أن تؤثر للخير أعظم تأثير. فإن الحياة العائلية التي تحتقرها وتتنصل منها المرأة في هذه الأيام هي أصلح مجال يوافق نشاط المرأة الطبيعي.
على أننا لسنا بذلك نريد أن نقول أنه لا توجد للمرأة خدمات أخرى يمكنها أن تؤديها، أو أنه لا يوجد عمل آخر تقوم به المرأة في الحياة الكنسية، بل أننا نريد أن نقرر إن البيت، أو الدائرة العائلية، هي أوسع وأفضل ميدان لخدمة المرأة. وفي هذه الدائرة البيتية فإن مكانها بحسب الكتاب هو في خضوعها وطاعتها لزوجها.
فيما سبق نكون قد تكلمنا أساساً عن مركز وخدمة النساء المتزوجات في الدائرة المنزلية. وأيضاً في تلك الدائرة البيتية تجد غير المتزوجات مجالاً رحباً للخدمة المسيحية. فلهن أن يخدمن حاجات زمنية كثيرة، ويعتنين بالصغار والمرضى والعجائز وبأيد راضية يفعلن كما فعلت "غزالة" قديماً ويقدمن تعب محبتهن منسوجاً ليسترن به أجساد المحتاجين (أعمال 9: 39).
وإذ تناولنا حتى الآن مكان المرأة في الخليقة، ودورها في السقوط. ومكان تحت الناموس، وفي البيت في هذا التدبير الحاضر، فإننا نأتي إلى مكان المرأة كتابياً جهاراً وفي كنيسة الله.
التعليم جهاراً
بالارتباط مع دور المرأة في سقوط البشرية في عدن، كنا قد اقتبسنا الكلام الوارد في 1 تيموثاوس 2: 11 - 14، ولاحظنا المحاذير الحكمية التي وضعت أمام النساء ومن المستحسن أن نورد هذه الأعداد مرة أخرى هنا. "لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع. ولكن لست آذن للمرأة أن تعلم، ولا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت. لأن آدم جبل أولاً ثم حواء. وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي".
هذه الأعداد تنطبق على دائرة أوسع بكثير من دائرة اجتماع الكنيسة معاً. إنها ترسم معالم المسلك الصحيح بين الرجل والمرأة. وتتضمن أية شهادة علنية فيها يكون كلا الجنسين حاضرا. وهي تشير إلى التعليم الجهاري حيث يكون المستمعون من الجنسين. فإن المرأة غير مأذون لها أن تأخذ مكان المعلم لأنها حينئذ تمارس نوعاً من السلطان على الرجل، والرجل حينئذ يكون في مكان من يتلقى التعليم عند قدمها، وفي هذا قلب للترتيب الإلهي ومسخ للأوضاع الطبيعية.
لقد جبل آدم أولاً وهو الذي يمثل سلطان الله وهو الرأس للخليقة الأرضية، وينبغي أن يحتفظ بمركزه الصحيح كالرأس والمعلم. ولأجل أن حواء اتخذت دور القيادة في حادثة التعدي وخدعت من الشيطان (فبرهنت بذلك على أنها لا تصلح للقيادة) ولأجل ذلك في ترتيب الله وأحكامه التنظيمية، نهى المرأة عن أن تأخذ مركز المتسلط على الرجل أو مركز المعلم له. بل لتتعلم المرأة في سكوت وخضوع. ومن أجل ذلك ينبغي أن لا تأخذ المرأة مركزاً يخولها أن تقف وسط الجماعة المجتمعة ككنيسة لتعلم بكلمة الله، أو تعلم في كنيسة. أو تمارس هذا المركز في أي مجتمع آخر، حيث يكون السامعون خليطاً من الجنسين، وفيه تأخذ مكاناً متعادلاً أو أعلى قليلاً من الرجال لأنها حينئذ تكون مختلسة نوعاً من التسلط على الرجل.
على أننا نجد في تيطس 2: 3 تحريضاً للنساء المتقدمات في السن أن يكن "معلمات الصلاح لكي ينصحن الحدثات - الخ". هنا نجد أن للنساء حق التعليم، لكن في دائرة محدودة، فهن يعلمن الحدثات، ويعلمهن بصفة غير رسمية، في موضوعات عملية تختص بالبيت والعائلة (عدد 3 - 5)، وأيضاً نقول أنه إذا ساعدن غير العارفات بالإنجيل لشرح كلمة الله لهن واشتركن معهن في كلمة الله فهذا صحيح تماماً.
ونحن نشجع الأخوات أن يعملن باجتهاد لأجل الرب في مثل هذه الدوائر. وحتى إذا اشتركت النساء مع الرجال في مناقشة روحية هادئة بأسلوب تقوي لائق، فإن تصرفن يكون سليماً ما دام المجال ليس مجال تعليم جهاري. ومثل هذا العمل إذا اتخذ شكل التعليم الرسمي فهذا يخرج المرأة من مكانها الصحيح. وإذا اتخذ شكل المحاضرات الكتابية بصورة جهارية منتظمة، حتى لو كان النساء فقط حاضرات، فنحن نعتقد أنها اتخذت مكان المعلم وتعدّت على ما جاء في 1 تيموثاوس 2: 12 "لست آذن للمرأة أن تعلّم".
ومثل هذا العمل يبدأ في البيت ويكمل في مدرسة الأحد وفي اجتماعات الأطفال. ومدرسة الأحد في الكنيسة هي ببساطة امتداد للاجتماع العائلي، والذي نقل من البيت إلى دائرة أوسع ومناطق أكثر راحة. ولذلك فمن المناسب والصحيح تماماً للأخوات أن يعلمن في فصول مدرسة الأحد للأطفال أو للشابات، خاصة عندما يشرف عليها الإخوة، وهن يخدمن تحت إشرافهم. أما إذا كان هناك شباب صغير أو بعض الإخوة في فصول اجتماعات مدرسة الأحد فنحن نعتقد أن هذا مخالف للكتاب لأن أي أخت تصبح مسئولة عن مدارس الأحد فإنها تمارس سلطاناً على الرجل.
إن صلاتنا أن نساء أمينات أكثر ينشطن في عمل الرب ويتشجعن بهذا العمل في تلك الدوائر التي تكلمنا عنها حيث ميدان خدمة المرأة. فالحاجة إلى مثل هؤلاء يتعاظم في هذه الأيام التي نرى فيها عمل الرب يتضاءل لنقص خدمات التقيات والأخوات ذوي الطاقات الحارة. ليت الرب يبارك في غناه كل امرأة تعمل عملاً له.
- عدد الزيارات: 4037