كلمة الله للتمييز
ولكن كيف نستطيع أن نحكم ونميز إذا لم نستخدم كلمة الله؟ وهل نحن مستعدون لأن نكتفي بتلك الكلمة باعتبارها مقياساً لحكمنا الصحيح؟ وبينما كلمة الله تدين "بالطبع" تقصيرات أولئك الذين نالوا من اله تلك الامتيازات العجيبة، والذين لم يدخلوا فقط في وحدانية الروح كسائر القديسين – بل قد عرفوا وآمنوا بتلك الوحدانية كحقيقة، وبينما يكون تقصيرهم وفشلهم (مهما كانت درجة ذلك التقصير) بلا عذر أكثر من سواهم – إلا أنهم بواسطة الكلمة يبررون الله وكلمته والروح القدس حاكمين على أنفسهم بانكسار وتذلل وإذ يكون أساسنا "أن نم افتخر بالرب" فسوف نجد بمزيد التألم أننا قد جئنا إلى هذا المركز لكي نتعلم أغلاطنا بكيفية لم نر مثلها من قبل وعجز الآخرين بدرجة لم نكن نظنها. قد ندهش من السقطات والتجارب المضاعفة والمهارب الضيقة وأسباب العار والخجل الكثيرة، ولكن كيف استطعنا أن نرى هذه كلها ونشعر بها؟ هل لأن وقوعها في الكنيسة أمر غير منتظر؟ بل لأنها كذلك. ومما يعزى إيماننا فيما يسبب الحيرة والارتباك أننا نعلم قيمة الكتاب المقدس بكيفية لم نختبرها قبلاً. ولو تأملنا في كل معاملات الله التأديبية لوجدنا أنه لم يمكن تطبيقها حينما كنا مختلطين بالكنيسة الاسمية. ولكن عندما أخذنا نسعى لحفظ وحدانية الروح قد وجدنا أن تلك المعاملات ثمينة وغالية ونافعة ولا يمكن الاستغناء عنها. ولا تسل أيها القارئ عن التحذيرات التي وجهت لنا ضد محبة العالم فإننا بالجهد نعرف ما هو ذلك العالم. و إلا أفلا تسمع المسيحيين في كل حين يتساءلون عما هو؟ أو أليس في جوابهم على هذا التساؤل أيضاً دليل على أن العالم قد أثر عليهم فأعمى أبصارهم؟ قد تراهم يتجنبون بعض الأمور فلا يعملونها وهذه هي ما يسمونه "العالم". ولكن حالما نميز جسد المسيح يتضح لنا معنى العالم: بمعنى أننا إذا تحققنا من حالة "الذين من داخل" فإن مسألة "الذين هم من خارج" لا تكون في نظرنا مبهمة وغامضة.
فلا نخشى إذن من أن نترك كل شيء لمجد الله في هذا العالم، ولننتظر منه نعمة تعيننا على تحمل كل الصعاب بدلاً من إهمال مجده. قد لا يوجد إلا اثنان أو ثلاثة ولكن إذا اعتبروا حقيقة جسد المسيح، وانفصلوا بحسب مشيئته في عالم الذات هذا. ولست أقصد أننا نصادق على من يجدف على المسيح أو نتساهل مع المجدفين في أعمالهم (إن لم يكن في أقوالهم) كلا! فإن واجبنا أن نقول "في مجلسهم لا تدخل نفسي بمجمعهم لا تتحد كرامتي" ومن العبث أن نتناقش في أن وحدانية الروح تعود بالمجد لشخص المسيح، نحن نعلم ما يصنعه الشيطان مع الذي يحب الرب من القلب، وكيف أنه يوقعه في شرك إنكار سيده، وإنكاره بقسم أيضاً. ولكن من ذا الذي يتماحك في تبرير خطية كهذه وفي الشركة مع صاحبها حال وجود تلك الخطية؟
وأكرر ما قلته: أنه إذا وجد اثنان أو ثلاثة واجتهدوا أن "يحفظوا وحدانية الروح في رباط السلام" فينبغي عليّ كمسيحي أن أتخذ مكاني معهم. نعم إنه من واجبي أن أسكب قلبي في الشفاعة لأجل كل مسيحي مهما كانت ظروفه، سواء كان من الطوائف المنشقة أو البابوية بغض النظر عن الأغلاط والشر – لا بل ويجب أن ينسكب قلبي لأجله لاسيما إزاء هذه الأغلاط – ولكن هل معنى هذا أنني أتراخى في حفظ وحدانية الروح، وهل أصادق شخصاً كهذا واشترك معه في ما أعلم أنه ليس موافقاً للكتاب وأنه إثم وخطية بحجة وجود بعض المسيحيين الحقيقيين في تلك الحالة؟ كلا، بل ينبغي أن أحرضه على الانفصال لأجل الرب. على أن ذلك لا يتم بواسطة انغماسي في الطين بل بالأحرى بواسطة خروجي منه ووقوفي على الصخرة خارجاً، وهناك يقف المسيحي الحقيقي مستمداً من الله نعمة حتى بواسطة إظهار الحق لضميره، واحتمال نور المسيح الساطع في كلمته، والتشديد في مسئولية التصرف كأحد أعضاء جسد المسيح، يستطيع أن يرجع عن ضلال طريقه، ويجب ألا أنكر على أمثال هذا أنهم أعضاء في جسد المسيح بل بالحري أذكرهم بتلك الحقيقة الغالية الخطيرة وهي أنهم (فعلاً) أعضاء في جسد المسيح حتى لا يعودون ويعتبرون جسداً آخر غيره. فإذا كانوا أعضاء في ذلك "الجسد الواحد" فلماذا لا يعترفون به دائماً وينكرون ما عداه؟ وإذا كانوا تابعين لوحدانية الروح فلماذا لا يحفظونها والله لا يقيم الدعوى ليس ضد البابوية والبروتستانتية بل ضد إنكار المسيحية الاسمية للكنيسة التي هي جسد المسيح. وهمنا الآن يجب ألا ينصرف إلى تأسيس الكنيسة في الحاضر أو المستقبل بل إلى الالتصاق بالكنيسة التي قد صنعها الله والاعتراف بخطية المنافسات – لنرفضها جميعاً ونخرج منها ولنطرد كل اختراع بشري في أمور الله ونحفظ أنفسنا من الأصنام. إن كلمة الله في كل زمان تدعو أولاده للخضوع له ولمشيئته تعالى فهل نتصرف هكذا أيها القارئ. إن كان جوابك: نعم "فإن علمت هذا فطوباك إن فعلته" و إلا فاعلم "إن من يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فهذا خطية له" ولا شك أنه إذا وجد شيء تتضح فيه خطية الإرادة البشرية أكثر من سواه فهو ذلك المكان الذي يعظم الله فيه السيد المسيح، وقد سبق أن أرسل فيه الروح القدس ليكون ينبوع القوة في طاعة شعبه.
ولو أن هذه المحاضرة هي مجرد مقدمة (ولذلك لا أستطيع الإتيان بجميع البراهين التي تثبت ما قلته فيها. وكل ما حصل أنني وضعت أساساً لمواضيع التي أرجو متابعتها) إلا أنني أثق أن ما ورد في هذه المحاضرة كاف لأن أبين للقارئ – مهما كانت درجة نضوج إدراكه – خطورة التقدم إلى الله حتى يعطيه في رحمته وحنانه أن يدرك أنه ليس فقط قديساً بل مسيحياً، مستنداً على الفداء، متحداً بالمسيح، مسئولاً لأن يتصرف كعضو في جسده، ويجتهد حفظ وحدانية الروح دون أي أمر في العالم. وهذا التزام إلهي يتسامى على تغييرات حالة الكنيسة هنا على الأرض. ولا عبرة بكثرة العدد، بل هو واجب حتمي ولو لم يوجد سوى اثنين أو ثلاثة أدركوا الحق.
- عدد الزيارات: 2982