Skip to main content

الفصل التاسع: حساب النفقة - الدعوى لإتباع المسيح

الصفحة 2 من 4: الدعوى لإتباع المسيح

1- الدعوى لإتباع المسيح

كانت دعوة المسيح غاية في البساطة وهي "اتبعني"، وقد طلب من الجميع – نساء ورجالاً – ولاءهم الشخصي، ودعاهم أن يتعلموا منه وأن يطيعوا كلامه، وأن يلموا بدعواه وحركته.

ولكن لا أتباع، بدون ترك شيء آخر، وأتباع المسيح معناه التنكر لكل عهود الولاء التي تقل قيمة، وقد قصد به يسوع حرفياً لما كان على الأرض بيننا، ترك البيت والعمل، فقد ترك سمعان وأندراوس شباكهما وتبعاه، أما يعقوب ويوحنا "فتركا زبدي مع الاجرى وذهبا وراءه". وها متى لما سمع دعوة المسيح عندما كان جالساً في مكان الجباية.. "ترك كل شيء وقام وتبعه" (مرقس 1: 16 – 20، لوقا 5: 27 – 28).

ومن حيث المبدأ، فإنه لم تتغير دعوة الرب يسوع حتى اليوم فلا يزال يقول "اتبعني" ويضيف أيضاً: "فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذاً" (لوقا 14: 37) وإن أغلبية المسيحيين لا يمارسون عملياً هذا القول بمعنى الترك الفعلي المادي، والتخلي عن بيوتهم وأعمالهم، ولو أنه يتضمن تسليماً داخلياً - للبيت والعمل - مع تصميم تام بعدم السماح للعلاقات العائلية أو المطامع الدنيوية، أن تحتل المقام الأول في قلوبنا.

واسمحوا لي أن أتكلم بأكثر صراحة ووضوح عن الترك الذي لا يمكن أن تفصله عن أتباع يسوع المسيح.

أولاً: يجب ترك الخطية :

وبعبارة أخرى هذا ما نسميه: "التوبة" وهو الجزء الأول من التجديد أو التغيير المسيحي، ولا يمكن التغاضي عنه بتاتاً، فالتوبة والإيمان يسيران جنباً إلى جنب، فلن نستطيع أن نتبع يسوع دون أن نترك الخطية.. وزد على ذلك فإن التوبة هي رجوع أكيد عن كل تفكير أو كلام أو عمل أو عادة خاطئة.. فلا نكتفي بالشعور بوخزات الضمير أو طلب الغفران من اللّه، وإنما في الأساس، التوبة أمر لا علاقة له بالعاطفة ولا بالكلام ولكنها تغيير داخلي في الفكر والموقف إزاء الخطيئة، يقودنا إلى التغير في التصرف والسلوك، ولا مجال للتساهل و المساومة هنا، فقد توجد في حياتنا خطايا، نظن لا يمكن التخلي عتها أو تركها أبداً، ولكن ينبغي أن نكون مستعدين لتركها، ونحن نصرخ إلى اللّه طالبين النجاة و الخلاص منها، فإن كنت في ريب عما هو صواب وعما هو خطأ ، وما يجب أن نتركه، و ما يلزمنا إبقاؤه. فلا تتقيد كثيراً بمعتقدات

و عادات رفاقك المسيحيين، بل اتبع تعليم الكتاب المقدس الواضح، و اسمع صوت ضميرك و بالطبع سيقودك المسيح في طريق البر، وإذا طلب منك أن تتخلى عن أي شي، اتركه في الحال، وقد يكون هذا الشيء، صداقة أو تسلية أو نوعاً من الكتب التي تقرؤها أو موقف كبرياء أو حسد أو كره أو روح عدم التسامح.. كن حازماً في موقفك، وتذكّر ما علّم به المسيح قائلاً: "إن أعثرتك عينك فاقلعها.. وإن أعثرتك يدك أو رجلك فاقطعها".

وقد تتضمن التوبة أحياناً، التعويض أو رد المسلوب، ذلك لأن بعض خطايانا تؤثر على غيرنا من الناس، كما تؤثر على الله، فإن كل خطايانا تجرح الله، لا شيء مما نعمل، يمكن أن يشفي الجرح ولكن موت مخلصنا يسوع المسيح الكفاري فقط يستطيع هذا وفي حال ما إذا كانت خطايانا قد ألحقت أذى بآخرين، يمكننا أن نساعد في إصلاح الضرر، وحيث نقدر، يجب أن نفعل، وهاكم زكا رئيس العشارين، قد ردّ أكثر من الأموال التي سرقها من الناس، ثم وعد أن يعطي نصف ماله للمساكين، حتى يعوض عن السرقات التي ارتكبها، ولم يرجعها.. وجدير بنا أن نتبع مثاله، فقد نكون مدينين بمال أو وقت، أو إشاعات نشرناها أو مقتنيات أخذناها ولم نرجعها، أو اعتذارات أو علاقات محطمة تحتاج إلى إصلاح. ولا أظنه مرضياً أمام الله، أن نسرف في الهواجس والوساوس بهذا الشأن، ونضيع وقتاً في البحث عن أخطاء تافهة في السنين الماضية، لنعتذر عنها الآن، أو عن هفوات وإساءات ضد أناس نسوها، لكن المقصود أنه يجب أن نكون عمليين في هذا الواجب.

أعرف طالبة اعترفت أمام مجلس إدارة الجامعة بأنها "غشّت" في أحد الامتحانات، وآخر أعاد كتباً كان قد أخذها سراً من مكتبة، وضابطاً في الجيش، أرسل إلى مركز قيادته، لائحة من الأشياء التي احتال وأخذها بطريقة غير قانونية، إذا ندمنا وتبنا ينبغي أن نفعل كل شيء لإصلاح كل خطأ وخلل في الماضي، ولن نستطيع أن نستمر نستمتع بأثمار الخطية، التي نطلب غفراناً من أجلها

ثانياً: يجب ترك النفس وإنكارها:

رغبة منا في إتباع المسيح، يجب ألا نترك الخطايا فقط بل يجب أن نتخلى عن مبدأ الأنانية – أنا – التي تكمن في جذور جميع أعمال الخطية، إن إتباع المسيح معناه تسليمه كل الحق للإشراف على حياتنا الخاصة، متنازلين عن عرش قلوبنا، واضعين الصولجان في يده وتاجنا فوق رأسه، ونتوجه ملكاً لنا، وترك النفس هذا هو ما وصفه يسوع في ثلاث عبارات:

1ـ إنكار النفس: "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه" والكلمة "ينكر" هي عينها التي ذكرت في إنكار بطرس للرب، في بيت رئيس الكهنة وقت المحاكمة.. يجب أن نتنكر لأنفسنا كما تنكر بطرس لسيده، وأنكره قائلاً: "أنا لا أعرف الرجل"، إنكار النفس لا يعني حرمان النفس من أي شيء، بل حرمان النفس من النفس، أي أن تقول "لا" للنفس و "نعم" للمسيح، أن ترفض النفس وتنكرها، وتعترف بالمسيح.

2ـ والعبارة الثانية هي "ويحمل صليبه" "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني".. لو عشنا في فلسطين، في أيام السيد المسيح، ورأينا إنساناً يحمل الصليب لعرفناه في الحال، سجيناً يقاد إلى مكان الإعدام والموت.. ولعل ما قاله الأستاذ "هـ . ب . سويت"، في تفسيره لإنجيل مرقس عن "حمل الصليب" يلقي ضوءاً لا.. فقد قال: "حمل الصليب معناه أن يضع الإنسان نفسه مكان إنسان مدان، في طريقه إلى الإعدام" فالموقف الذي يجب أن نقفه هو أن نصلب النفس ويستخدم الرسول بولس نفس التشبيه المجازي عندما يقول: "ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غلاطية 5: 24).

وجدير بالذكر أن لوقا يضيف إلى هذه الآية كلمة "كل يوم" بمعنى أنه يجب على المسيحي أن يموت كل يوم، إذ يتنكر لنفسه، ويتنكر لسيادة إرادته النفسانية، وأن يجدد عهد خضوعه وتسليمه ليسوع المسيح، تسليماً بدون قيد ولا شرط.

3ـ إن العبارة الثالثة التي استخدمها يسوع لإنكار النفس هي أن "يهلك نفسه" "من يهلك نفسه .. يخلصها" والكلمة المترجمة "نفس" هنا لا تعني الكيان الجسدي الطبيعي، كما لا تعني أرواحنا لكنها تعني ذاتنا.. "أنا" وهي الشخصية الإنسانية التي تفكر وتشعر وتخطط وتختار، وفي تعبير مشابه ذكره لوقا، نرى يسوع يستخدم الضمير الشخصي ويتكلم عن الغني الغبي الذي خسر نفسه. إذاً فالإنسان الذي يسلّم نفسه للمسيح، هو الذي يهلك نفسه، ليس بذوبان شخصيته بل بإخضاع إرادته لإرادة المسيح سيده.

لكي نتبع المسيح، يجب أن ننكر نفوسنا، أن نصلبها، أن نهلكها، وها يسوع يضع طلبه مكشوفاً صريحاً، فإنه لا يدعونا لنخضع خضوعاً غير كامل، ولكن يدعونا إلى تسليم تام مطلق وأن نجعله رباً. ومن الغرابة بمكان في عصرنا الحاضر، أن البعض يدّعي بأننا نستطيع أن نتمتع بفوائد خلاص المسيح، بدون أن نقبله رباً لنا، إن مثل هذا الرأي، لا وجود له في العهد الجديد إن العبارة "يسوع رب" كانت أقدم قانون إيمان، عرفه المسيحيون وفي الأيام التي فرضت فيها الإمبراطورية الرومانية، على رعاياها أن يقولوا: "القيصر رب" كانت لهذه العبارة خطورتها، أما المسيحيون فلم يرتعبوا أو يتراجعوا، وما كان بإمكانهم أن يعطوا قيصر، المكان الأول في قلوبهم وولائهم، لأنهم كانوا يخدمون الإمبراطور يسوع.. "فوق كل رياسة وسلطان وأعطاه اسماً فوق كل اسم.. لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة.. ويعترف كل لسان، أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (فيلبي 2: 10، 11).

أن نجعل المسيح ملكاً معناه أن نضع كل ما في حياتنا الخاصة والعامة، تحت سلطانه، وهذا يشمل عملنا ومستقبلنا. لله قصد وغاية لكل حياة، إذاً فليكن شغلنا الشاغل أن نكتشف هذا القصد ونحققه، وقد يختلف قصد الله فينا، عما قصدناه لأنفسنا أو قصده لنا والدونا، وإن كان المسيحي عاقلاً وحكيماً حقاً، فلن يفعل شيئاً عن طياشة أو تهور، سواء أكان في العمل الذي أعدّه الله له، أم الذي أعدّه هو لنفسه له.. وإن كنا قد أخذنا المسيح فعلاً رباً لنا، فينبغي أن يكون لنا الاستعداد لما يجريه في مجرى حياتنا من تغيير، فقد يدعونا للخدمة هنا، أو في حقل أجنبي لذلك وجب أن نكون على استعداد للقبول والطاعة، ولكن لا تتسرع في اكتشاف إرادته، وإنما إذا استسلمت لها، وطلبت من الله، منتظراً أن يكشفها لك، فتأكد أنه سيفعل ذلك في وقته المناسب، ومهما يكن الأمر، فلن يمكن أن يجلس المسيحي عاطلاً بليداً، سواء أكان رب عمل أم عاملاً أم حراً، لأن له سيداً في السماء، وقد تعلّم كيف يرى قصد الله في عمله، فيعمله من كل القلب.. "كما للرب وليس للناس" (كولوسي 3: 23).

ولعل دائرة أخرى من حياتنا، تدخل تحت سيادة يسوع المسيح، وهي بيتنا وحياتنا الزوجية، وقال يسوع مرة: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً" (متى 10: 34) ومن ثم تابع السيد حديثه، عما يحدث في البيوت من تصادم في الإخلاص والولاء، حينما يتبعه أحد أفراد العائلة.. وفي وقتنا الحاضر، نجد مثل هذه المنازعات العائلية وعلى المسيحي أن يبذل قصارى جهده لتجنبها، لأن لديه واجباً مقدساً خاصاً، ألا وهو أن يحب والديه وباقي أفراد العائلة، ويلزمه أن يسعى للسلام، ويذعن لإرضاء الجميع، بشرط ألا يتساهل أو يساوم في واجبه نحو الله، ومع ذلك فلن يستطيع أن ينسى قول المسيح: "من أحب أباً أو أماً.. أو ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني" (متى 10: 37) فضلاً عن ذلك فإن للمسيحي الحريّة أن يتزوج فقط بمسيحية، والكتاب صريح في هذه الناحية فيقول الرسول بولس: "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين. لأنه أية خلطة للبر والإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة" (كورنثوس 6: 14) وقد تسبب هذه الوصية تنغيصاً لشخص ما، سبق وخطب، أو على وشك الخطبة، ولكن يجب أن نواجه الواقع بأمانة، فالزواج هو أعمق علاقة بشرية ممكنة، رسمها الله لتكون اتحاداً وثيقاً، لا جسدياً ولا عاطفياً ولا ثقافياً ولا اجتماعياً بل روحياً، فإذا أقدم المسيحي، رجلاً كان أم امرأة، على الزواج بشخص لا يمكن أن يتحد معه روحياً، فإنه لا يعصي الله فحسب، ولكنه يخسر روعة وجمال قصده، والحق يقال، إن التغيير المسيحي الحقيقي، هو تغيير جوهري، يشمل تغيير موقفنا كله من ناحية الزواج، بل تغيير الغريزة الجنسية، وبدلاً من أن تكون دنيئة منحطة، بسبب كونها أنانية في أساسها وحافزها، تصبح شيئاً حلواً وجميلاً، لأنها مقدّسة في أصلها.

وهناك أشياء أخرى خاصة بنا، يلزم أن تخضع لسيادة يسوع المسيح وسلطانه، إذا سلمنا حياتنا له، ألا وهي المال والوقت.. وقد تكلم المسيح كثيراً عن المال وعن خطر الغنى، حتى أن الكثير من تعاليمه بهذا الشأن يبدو مقلقاً، ونرى المسيح أحياناً كما لو كان يوصي تلاميذه، بتحويل ما عندهم من الممتلكات والمقتنيات إلى نقود وأموال، لتوزيعها كلها على الفقراء، وإنه – بدون جدال – يفعل هذا عينه في وقتنا الحاضر، ويدعو أتباعه لهذا العمل نفسه ولكن الأغلب أن وصيته موجهة إلى قلوبهم وداخلهم، حتى لا يضعوا رجاءهم على يقينية الغنى، لأن تعاليمه لم تكن حرفية، كما أن العهد الجديد لم يذكر أن المقتنيات خاطئة في ذاتها، ولكن المقصود هو أننا نضع المسيح أولاً قبل وفوق المادة والثروة. كما نضعه قبل الروابط العائلية.. فإننا لا نقدر أن نخدم الله والمال.. وزد على ذلك فقد قصد أن نكون حريصين ونصرف أموالنا بسخاء وبضمير حي.. لأن المال الذي في أيدينا، ليس لنا، لكنه لله، وما نحن إلا مجرد وكلاء عن الله.. فالسؤال الذي يتبادر إلى ذهننا، ليس "كم أُعطي للرب من مالي؟" بل "كم من مال الرب يجب أن أحتفظ به لنفسي؟" ولعل الوقت، مشكلة كل إنسان هذه الأيام! ويجب على المسيحي المتجدد أن يعيد ترتيب قائمة أفضلياته في الحياة فإذا كان طالباً، فإن الدراسة ستكون في رأس قائمة الأعمال ولئن كان المسيحي يُعرّف عادة، بالاجتهاد والأمانة في العمل ولكن عليه أن يعطي وقتاً، في برنامجه المزدحم، للصلاة اليومية ودرس الكتاب المقدس.. ولتكريس يوم الأحد للرب، يوم عبادة وراحة، للشركة مع المسيحيين الآخرين، ولقراءة كتب دينية أو للقيام بخدمة مسيحية في الكنيسة أو المجتمع.

إن كل هذه الأشياء تدخل في الحساب، إذا تركنا خطايانا وأنكرنا أنفسنا واتبعنا المسيح.

الدعوة للاعتراف بالمسيح
الصفحة
  • عدد الزيارات: 14974