الفصل الثالث: طبيعة المسيح وسجاياه - ما قاله أحباء المسيح
2-ما قاله أحباء المسيح:
من الواضح أنّ المسيح اعتقد أنه بلا خطية، كما اعتقد أنه المسيا وابن الله، ولكن ألا يجوز أن يكون مخطئاً في اعتقاده الأول والثاني أيضاً؟ ماذا كان يقول تلاميذه عنه؟ هل كانوا يشاركونه رأيه من جهة نفسه؟
ربما يخطر على البال، أنّ تلاميذ المسيح كانوا شهوداً ضعفاء، واعترضوا عليهم بأنهم جماعة مغرضون، صوّروا المسيح في صورة أجمل مما هو.. ولكن هذه الاعتراضات أساءت للتلاميذ لأن شهادتهم ذات قيمة ثمينة، وإن أقوالهم في هذا الشأن، لا يمكن إغفالها، وهناك كثير من الأسباب الوجيهة، التي لأجلها يجب أن نثق بشهادتهم، ونعتمد على أقوالهم.. وبين هذه الأسباب ما يأتي:
1) إنهم عاشوا في ألفة مع يسوع نحو ثلاث سنوات: أكلوا وناموا معاً، واختبروا السفر والانزعاج في قاربٍ صغيرٍ واحدٍ، وكان لهم صندوقٌ واحدٌ، ينفقون منه جميعاً (وكم كان الحساب المشترك في المصرف، سبب انقسام وخصام ونزاع بين الشركاء) وكم من مرةٍ أثاروا غيظ بعضهم البعض، ونشأت بينهم المشاجرات، ولكنهم لم يجدوا في المسيح أية خطية من خطاياهم، وكم تسبب الألفة وعدم التكليف من استخفافٍ وازدراء، بعكس ما حدث هنا، فإنّ بين الشهود الرئيسيين، على أنّ يسوع بلا خطية، اثنان هما بطرس ويوحنا، وهما من أصفياء المسيح، وثالثهم يعقوب، الذين منحهم امتيازات خاصة، وإعلانات حبيّة أكثر.
2) إنهم كانوا يهوداً، تشربت عقولهم بتعليم العهد القديم منذ نعومة أظفارهم، وبين هذه التعاليم عقيدةٌ لم يكن من السهل التخلص منها، إلاّ وهي عمومية الخطية بين البشر فيقول الكتاب: "كلنا كغنمٍ ضللنا" (أشعياء 53: 6) "ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" (مزمور 14: 3)... وبسبب هذه العقيدة المتأصلة في عقولهم، لم يكن من السهل عليهم؛ أن ينسبوا عدم الخطية لكائنٍ من كان.
3) ثمة سبب ثالث يجعل شهادة الرسل أكثر تصديقاً هو أنها جاءت بطريق غير مباشر... فقد جاءت ملاحظاتهم وأقوالهم عفوية في كتاباتهم، فبينما كانوا يكتبون عن موضوع، إذ بهم يضيفون عبارات، تبدو كما لو كانت جملاً اعتراضية، تشير إلى عصمة المسيح عن الخطية، ولذلك لا يمكن أن توصف توكيداتهم بأنها مغرضة، في هذه الحالة على الأقل، أو أنها كانت بحسب ميولهم وأهوائهم.
وهاكم مثلاً لذلك، فغن بطرس وصف يسوع أولاً "كحمل بلا عيب ولا دنس" (1بطرس 1: 19) ومن ثم تابع قوله: "بأنه لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر" (1بطرس 2: 22) ويكتب يوحنا في أوائل رسالته الأولى "بأن جميع الناس خطاة وأنه إن قلنا ليس لنا خطية فأننا نكذب، وإن قلنا أننا لم نخطئ نجعله كاذباً" (يوحنا 1: 8- 10) ومن ثم أضاف قائلاً: "وتعلمون أن ذاك أظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية" (1يوحنا 3: 5)
ويضاف إلى شهادة بطرس ويوحنا، شهادة الرسول بولس وكاتب الرسالة إلى العبرانيين .... فيقول بولس عن يسوع "الذي لم يعرف خطية" (2كورنثوس 5: 21) كما أن الرسالة إلى العبرانيين تقول: "إنه... رئيس كهنتنا قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات" (عبرانيين 7: 26) وأنه "مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية" (عبرانيين 4: 15).
- عدد الزيارات: 10483