Skip to main content

الفصل الثاني: الخطية في اختبار الفرد - نتائج الخطية في حياة الفرد

الصفحة 4 من 4: نتائج الخطية في حياة الفرد

نتائج الخطية في حياة الفرد

عندما تأتي الخطية للإنسان، تأتي مرتدية رداء الخداع والمداهنة والتملق، وهي تعطي لكل غصن من أغصان شجرتها الأثيمة اسماً جميلاً، فهي تسمى الكبرياء كرامة، وتسمي الأغاني المبتذلة فناً رفيعاً، وتسمي شهوة العيون حب الجمال، وتسمي الحروب البشعة دفاعاً عن الحرية، ولكنها بعد أن تخدع المرء تهشمه بين أنيابها القاسية.

يحدثنا التاريخ عن مرسل من بلاد الغرب ذهب إلى إحدى غابات الهند، ووجد هناك نمراً صغيراً ما زال وليداً، فأخذه معه ليربيه كما تربى الكلاب، وبدأ المرسل يعتني بالنمر ويطعمه إلى أن كبر، وفي يوم ما بينما كان المرسل جالساً في حديقته يقرأ صحيفته، مد يده وربت على رأس النمر كعادته، وإذ بالنمر يلحس يد المرسل بلطف، وقليلاً قليلاً أحس المرسل بأن قوة تخرج من جسمه دون أن يعرف السبب، وفجأة انتبه فإذا به يجد الدماء تسيل من يده ... وأدرك أن النمر ظل يلحس يده بلسانه إلى أن أسال دماءه وإذ أراد أن يعاقب ذلك الوحش ثارت غريزة الافتراس فيه بعد أن ذاق طعم الدماء وافترس المرسل الذي رباه!

وهذه هي قصة الخطية على مدى الأزمان، تخدع ثم تقتل!!‍‍ وليس شك في أن كثيرين يعتقدون أن خطاياهم لن تكشف ولن ينالوا عنها عقاباً، لكن قانون الله الخالد هو "أن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً" غلا 6: 7 ولا بد أن يأتي اليوم الذي فيه يعلن الله ما ارتكبناه من آثام إلا إذا سترت هذه الآثام بالتوبة والإيمان في دم الصليب، وهذه هي الحقيقة التي يقررها موسى في سفر العدد في الكلمات "وتعلمون خطيتكم التي تصيبكم" عد 32: 23 ذلك لأن "الله يطلب ما قد مضى" جا 3: 15

وليس هذا هو كل ما تفعله الخطية في حياة الفرد، فالخطية تفصل الإنسان عن الله "آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" أش 9: 2، وهذا هو ما حدث في حياة شاول الملك حتى قال وهو في ضيقته الكبرى "الرب قد فارقني ولم يعد يجيبني لا بالأنبياء ولا بالأحلام" 2 صم 28: 15، وعندما يفارقنا الله، يفارقنا النجاح، والسلام، والهدوء النفسي والقلبي، ويأخذ الشيطان مجاله الأكبر في حياتنا، وفوق هذا فإن الخطية تصيب المرء بالعمى الروحي، فتجده يفهم الأدب، والسياسة، والاجتماع، والعلوم الرياضية، ويجهل أبسط مبادئ الحياة الروحية "الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً" 1 كو 2: 14، والخطية تنيم الضمير الحي، فداود الذي ضربه قلبه عندما قطع طرف جبة شاول الملك 1 صم 24: 5، نام ضميره حتى قتل أوريا الحثي، واعتدى على امرأته. والخطية عاقبتها الموت الروحي والجسدي "لأن أجرة الخطية هي موت" رو 6: 23 "الخطية إذا كملت تنتج موتاً" يع 1: 15 ... وأخيراً تأتي الخطية بالإنسان إلى جهنم "وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني" رؤ 21: 8

لكن هل هذا كل ما في قصة الخطية المؤلمة؟! إصغ إلى أنين أولئك الذين غررت بهم، ولطخت حياتهم ... اسمع صوت قايين القاتل وهو يقول "ذنبي أعظم من أن يحتمل" تك 4: 13، وأنصت إلى تأوهات داود الساقط "ليست في عظامي سلامة من جهة خطيتي لأن آثامي قد طمت فوق رأسي كحمل ثقيل أثقل مما أحتمل" مز 38: 4، وأمل أذنك لتسمع كلمات أيوب "لأنك كتبت على أموراً مرة وورثتني آثام صباي" أي 14: 17 واصغ إلى اعتراف أشعياء "ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين ... لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود" أش 6: 5، ثم تعال بعد هذا لتسمع ذلك التعس يهوذا وهو يقول "أخطأت إذ سلت ص43 دماً برئياً" متى 27: 4

هذا هو عذاب الخطية في قلب كل فرد يواجه الله، ويعرف حقيقة خطاياه، ومع هذا العذاب النفسي المرير، نرى الشقاء الذي يحدثه الخطية في جميع مناحي الحياة.

فحواء قد ملأت الدموع عينيها، وخرجت السعادة من خيمتها بعد أن قتل قابين هابيل، وعاخان رجمه كل إسرائيل مع جميع بيته لأجل أطماعه وشهوته، وشمشون قلع الفلسطينيون عينيه ونزلوا به إلى غزة وأوثقوه بسلاسل نحاس وكان يطحن في بيت السجن لأجل حبه للمرأة المستهترة دليلة، وجيحزي قد ضرب هو ونسله ببرص نعمان السرياني لأجل محبة المال، وداود كان يعوم في كل ليلة سريره بدموعه، واحتمل أشد الآلام والنكبات في بيته بسبب سقطته، وآخاب لحست الكلاب دمه لأجل طمعه واعتدائه، وبطرس "بكى بكاء مراً" بسبب إنكاره لسيده.

وماذا أقول أيضاً عن الملوك، والأبطال، والعظماء، والفتيات، والشبان، الذين شوهت الخطية جمالهم وجلالهم، وسجلت في كتاب حياتهم سطوراً سوداء بيدها القاسية التي لا ترحم.

يحدثنا رجل من رجال الله هو الدكتور تشارلس برايس عن مأساة رهيبة من مآسي الخطية في حياة قسيس عظيم، كان اسم ذلك القسيس جوزيف كونلي، كرسه والداه لخدمة الله فالتحق بكلية اللاهوت، وكان بالكلية أستاذ عصري لا يؤمن بالكتاب المقدس، عز عليه أن يرى شاباً ذكياً يكرس حياته لخدمة المسيح، فهمس في أذنه بهذه الكلمات "اسمع يا جوزيف، أنت شاب ألمعي الذكاء، وينبغي أن تعرف أن ديننا قد دخلته الخرافات، وأنا أنصحك أن تدرس كتب الفلاسفة، وأن تزن الأمور بتفكير، اقرأ يا جوزيف داروين ورينان وهكسلي، ولا تسر كالأعمى في طريق الحياة" واهتز الشاب وهو يسمع من أستاذه الأثيم هذه العبارات، ولكنه رغم الصراع الذي قام داخله أتم دراسته وخرج للخدمة المقدسة. تزوج جوزيف كونلي بعد أن نصب راعياً من ابنة أحد القسوس الأتقياء. وكانت فتاة مكرسة تحب الرب، وارتقى القس جوزيف كونلي سلم المجد على درجات، حتى استقر في مدينة "بونوما" في ولاية كاليفورنيا وبنى بها كنيسة ميثودستية من أجمل ما ابتكرت الهندسة الإسبانية، وعلت شهرته حتى منحته إحدى الجامعات الدكتوراة الفخرية تقديراً له. وفي خلال مدة خدمته في هذه المدينة كان الصراع قد بلغ أشده في قلبه وعقله، وكانت كلمات الأستاذ الأثيم قد أثمرت في تفكيره، فوقف في صباح يوم أحد، وأعلن من فوق منبره، أنه لا يؤمن بميلاد المسيح من عذراء، ولا يؤمن بالمعجزات، وأنه سيترك الخدمة إلى عمل آخر في الحياة.

كان الدكتور كونلي كاتباً موهوباً، فدخل إلى ميدان الصحافة، وعلا نجمه فعين رئيساً للتحرير في جريدة كبرى؛ ثم أنشأ لنفسه جريدة خاصة وطبق اسمه الآفاق؛ فقد كان قلمه كأنه قد غمس في مداد الإلهام. لكن الخطية غررت بالرجل حتى سادت على حياته، فبدأ يدخن ويشرب الخمر، ثم تملكت منه عادة السكر ففقد عمله في الصحافة وخبا ذلك النجم الذي لمع لمدة سنوات،

وكنت ترى الدكتور القس جوزيف كونلي، وهو يسير في الشوارع متسكعاً، بملابسه الممزقة، وقد زال عنه بهاؤه، واحمرت عيناه، وضاعت معالم شخصيته من فرط السكر. ولو رآه ذلك الأستاذ الشرير الذي أبعده عن الإيمان لبكى عليه بالدموع.

ورآه أحد الأطباء من أعضاء كنيسته القدامى، فراعه منظره حتى أبكاه، فأشفق عليه وأعطاه حلة جديدة لكن جوزيف كونلي الراعي الذهبي اللسان والقلم، باع الحلة ليشرب بثمنها خمراً.

ووضع الله في قلب ذلك الطبيب أن يهتم بذلك الراعي، ففكر في إبعاده عن البيئة التي يعيش فيها عله يبطل عادة السكر ويرجع إلى نفسه، وكانت مناجم الذهب قد اكتشفت في ألاسكا فأوحى إليه أن يذهب إلى هناك .. ووافق كونلي على الذهاب ورتبت له زوجته حقيبة وضعت فيها بعض الدواء، وفي داخل الحقيبة وضعت له ابنته الجميلة الصغيرة فلورنس نسخة من الكتاب المقدس وقد كتبت عليها إهداءها "لبابا العزيز ..." وسافر الرجل تتبعه صلاة الزوجة الحزينة من أجله إلى الله.

وما كاد جوزيف كونلي يذهب إلى ألاسكا حتى اشتغل عاملاً في "خمارة" وكنت ترى ذلك الرجل العظيم الذي حطمته الخطية وهو يغسل أرض الخمارة بيديه الرقيقتين في سبيل الحصول على مزيد من الخمر ...

وطلبه أحد الأغنياء ليقوم بحراسة منجم جديد، فكان الشرط الأساسي الذي وضعه ذلك المسكين أن يزوده الغني بكميات كافية من الخمر ... ووافق الرجل، وأرسله لحراسة المنجم وأسكنه في غرفة خاصة على بعد أربعين ميلاً من العمران ... وفي تلك الغرفة كان كل عمل جوزيف كونلي أن يجرع كؤوس الخمر وهو يتطلع إلى الخلاء ... وانضم إليه في غرفته شابان، كان أحدهما كاثوليكياً واسمه "جيمي ملر" وكان الثاني يعمل في كاليفورنيا كوسيط روحي في جلسات مناجاة الأرواح واسمه "ولي فلت" .... وكان عمل هؤلاء الثلاثة هو شرب الخمر، والتحدث بأقبح القصص وأقذر النكات. وظل الحال هكذا في الغرفة البعيدة عن العمران، إلى أن أصيب جيمي ملر بالحمى، وكان يصرخ من الألم، وتذكر جوزيف كونلي الدواء الذي وضعته زوجته في الحقيبة، ففتحها ليخرجه منها وإذا بنسخة الكتاب المقدس تسقط على الأرض، وانحنى الرجل وأمسك بها، ثم أراد أن يحرقها ولكن صديقه "ولى فلت" منعه من إحراقها بحجة أنه لا يوجد في الغرفة ما يقرأونه.

أثر الدواء في "جيمي ملر" وشفى، وبدأ بعد شفائه يقرأ الكتاب المقدس ...

ولقد قاوم جوزيف كونلي فكرة قراءة الكتاب في غرفته، ولكنه استسلم لرأي زميليه لما قالا له أنهما يقرآنه بقصد التسلية لا بقصد الإيمان ....

وجاء الشتاء بليله الطويل، وكان ثلاثتهم يجلسون الساعات لقراءة الكتاب، وأحدث الكتاب تغييراً في حياة هؤلاء التعساء ... قل حديثهم الشرير البذيء .... وماتت على شفاههم اللعنات.

وحل عيد الميلاد، فجلسوا يقرأون قصة ميلاد المسيح ... وعادت إلى ذاكرة كل منهم مناظر احتفالات العيد ... وتذكر جوزيف ابنته الجميلة فلورنس، وهي تضع الزينات في أغصان شجرة العيد، وذكر الرجل حياته يوم كان راعياً جليلاً تنحني له الهامات.

ظل الأصدقاء الثلاثة يقرأون الكتاب حتى شهر يناير، وفي أواخر ذلك الشهر بدأوا قراءتهم لإنجيل يوحنا، ثم جاء اليوم الرابع عشر من شهر فبراير حين جلس "ولي فلت" يقرأ، وأمامه الدكتور كونلي يصغي بانتباه إلى قراءته "لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي في بيت أبي منازل كثيرة وإلا فإني كنت قد قلت لكم. أنا أمضي لأعد لكم مكاناً"

وتحت تأثير هذه الكلمات لم يتمالك القسيس القديم نفسه فانحدرت الدموع على خديه.

وتوقف "ولي فلت" عن القراءة وسأل: ما الذي حدث يا جوزيف؟

وأجاب كونلي: لا شيء!

- هل تبكي!

- نعم! استمر! إنني أفكر في ابنتي الصغيرة فلورنس. ووقف ولي فلت وهو يقول "يا لعظم تأثير هذا الكتاب! إنه قد هز كياني، وغير قلبي، وأنا أحس منذ أيام برغبة شديدة في الصلاة ولكنني خشيت أن أصلي لئلا تسخرا مني، أما الآن فقد عزمت أن لا أستمر في خجلي، وسأركع وأصلي إلى الله، وأطلب إليه أن يتكلم إلى قلبين ... وانفجر كونلي في البكاء وهو يسمع كلمات زميله ثم جفف دموعه وهو يقول "آه يا صاحبي، هذا هو ذات الإحساس الذي يملأني، فمنذ أسبوع وقلبي يتحطم داخلي، وصورة أمي التي انتقلت إلى المجد تتمثل أمامي وهي تصلي لأجلي ... " وسكت الدكتور كونلي لحظة ثم قال: وأنت يا جيمي ماذا تحس في قلبك؟ ...

وأجاب جيمي ملر: إن المعركة قد بلغت نهايتها وسأركع معكما لأصلي.

وركع السكيرون الثلاثة في تلك الغرفة، وارتفعت صلواتهم في طلب خلاص الله، وفجأة وقف ولي فلت على قدميه وهتف "هللويا! هللويا! لقد سمع يسوع طلبتي" وقفز بعده من فرط الفرح جيمي ملر وهو يهتف بكلمات الحمد لله، وأخيراً وقف جوزيف كونلي وقد امتلأت عينيه بالدموع وفمه بهتاف المجد.

كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل عندما زار السيد له المجد ذلك المكان البعيد، وخلص أولئك المساكين.

واتجه ثلاثتهم إلى برميل الخمر ودحرجوه إلى خارج الغرفة، وسكبوا السائل القتال على الجليد بين هتافات الشكر والحمد ...

وبعد مدة قليلة ترك ثلاثتهم ذلك المكان، أما جيمي ملر فقد أصبح قسيساً ميثودستيا مباركاً، وأما ولي فلت فقد امتلأ بالروح القدس وما زال يعظ ببشارة الخلاص في مدينة تكساس ....

وأما الدكتور جوزيف كونلي، فقد رحبوا به كعميد لكلية المثال لدرس الكتاب، وقبل احتضاره بأيام جلس والدموع في عينيه يقص على الدكتور برايس قصة حياته ليذيعها على الناس حتى يتحذروا من الخطيئة وعدم الإيمان والشك في الله.

والواقع أن قصة هذا القسيس هي اختبار رهيب لمرارة الخطية، وهي تحذير قوي من الكتب التي تملأ العقل بالشكوك، والفلسفات التي تبعدنا عن الإيمان ...

فاحذر يا أخي أن تقيدك الخطية بقيودها الحديدية، واحترس من سماع نصيحة الأشرار واصغ إلى الأوصاف التي سجلها بولس الرسول عنهم "مملوئين من كل إثم وزناً وشر وطمع وخبث مشحونين حسداً وقتلاً وخصاماً ومكراً وسوءاً نمامين مفترين مبغضين لله ثالبين متعظمين مبتدعين شروراً غير طائعين للوالدين بلا فهم ولا عهد ولا حنو ولا رضى ولا رحمة حنجرتهم قبر مفتوح. بألسنتهم قد مكروا سم الأصلال تحت شفاههم وفمهم مملوء لعنة ومرارة أرجلهم سريعة إلى سفك الدم ... ليس خوف الله قدام عيونهم" (رومية ص 1 و 3)

يقيناً أن "الخطية خاطئة جداً" "لأنها طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء"

فإذا قامت معارك الشكوك في داخلك، فردد هذه الكلمات

"يا إلهي مع أنني لا أفهم كل شيء لكنني سأستمر في ثقتي بك"

"وبينما أنا أحيا وسط الغيوم فسأظل مؤمناً بمحبتك"

"وفي وسط الظلمات وحيث لا نور سأستند يا ربي على قوتك"

"فاحفظني بنعمتك لئلا نحطم الخطية حياتي".

الصفحة
  • عدد الزيارات: 14670