Skip to main content

الفصل الثاني: الخطية في اختبار الفرد - الخطية والغرائز الإنسانية

الصفحة 3 من 4: الخطية والغرائز الإنسانية

الخطية والغرائز الإنسانية

هل توجد علاقة بين الخطية والغرائز الإنسانية؟ وما هي هذه العلاقة؟ وكيف تستخدم الخطية الغرائز البشرية؟

يقول الدكتور ماندر عالم النفس المشهور في تعريف الغريزة: إن الغريزة هي ميل فطري موروث يدفع الإنسان أن يسلك سلوكاً خاصاً في ظروف معينة، ولكي نوضح معنى كلامنا هذا نقول إن الغريزة استعداد فطري في الجهاز العصبي لوضع الجسم في حالة عضوية خاصة وإتيان حركات جسمية معينة هي رد فعل لعملية مناسبة لها. مثال ذلك: أننا إذا فزعنا لسماع قرقعة عالية مفاجئة أو صيحة حادة جاءت على غير انتظار منا، فقد تتصلب أجسامنا وتجمد لساعتها ويأخذنا هول ذلك الحادث فتنعقد ألسنتنا ولا نحير جواباً، نشعر بهذا في أجسامنا فنسمي هذا الشعور خوفاً. ولكن السلوك الجسمي نفسه هو مثل لنوع خاص من الغرائز يسمى غريزة "التماوت"

وقد وضع الله في الإنسان كثيراً من الغرائز هي أصل جميع الرغبات الأولية في حياة كل فرد,

فغرائز اللمس، والأكل، والحركة الجسمية، وطلب الراحة والنوم من الغرائز البسيطة التي تولد فينا الرغبة للراحة الجسمية، وغريزة التماوت تولد فينا الرغبة للشعور بالطمأنينة، وغريزة الهرب تولد فينا الرغبة للنجاة، وغريزة الخنوع والتذلل تولد فينا الرغبة لاسترضاء شخص قادر، وغريزة حب الظهور تولد فينا رغبة لفت أنظار الناس وإثارة إعجابهم بنا، ومحبتهم لنا، وغريزة المقاتلة والهجوم تجعلنا نرغب في إيقاع الضرر والأذى، وتدفعنا إلى التغلب والسيادة والشعور بالتفوق، والغريزة الجنسية تولد فينا الرغبة لاجتذاب شخص من الجنس الآخر والتزاوج معه وإدخال السرور عليه، وغريزة الرعاية والحماية تدفعنا للعناية بشخص أضعف من الإنسان والمحافظة عليه، والغريزة الاجتماعية تدفعنا للبحث عن الرفاق وصحبة وزمالة غيرنا من نوعنا، وغريزة التقليد تولد فينا الرغبة للتشبه بالقادة والزعماء منا، وغريزة المطاردة والقنص تولد فينا الرغبة في الإمساك والتملك والقبض؛ وغريزة الارتياد والكشف تولد فينا الرغبة للكشف والمعرفة والفهم؛ وغريزة العودة إلى المألوف تجعلنا تحس برغبتنا في العودة إلى المألوف من الناس والأمكنة والظروف، ويجد بنا أن نضع في أذهاننا أن هذه الغرائز والرغبات ليست شراً في ذاتها، ولكن الشر في انحرافها، وفي الطريق الذي يسلكه الفرد لإشباعها.

ولقد سقط كثيرون من الأبطال عن طريق الغريزة المنحرفة، والرغبة الجامحة ... فهذا هو داود في خطيته الرهيبة التي حوت جملة خطايا في ثناياها، فقد أخطأ ذلك الملك ضد أوريا، وأخطأ ضد بثشبع، وأخطأ ضد التاج، وأخطأ ضد الدولة؛ وأخطأ ضد الجيش وأخطأ ضد جسده، وأخطأ ضد الإنسانية، عندما ارتكب خطية الزنا مع امرأة أوريا، ولا ريب أن هذه الخطية كانت انحرافاً صريحاً للغريزة الجنسية عن الطريق الشريف الذي وضعه الله لإشباعها، ويظهر هذا بكل وضوح في الحديث الذي دار بين ناثان النبي وداود فقد قال ناثان للملك "كان رجلان في مدينة واحدة واحد منهما غني والآخر فقير، وكان للغني غنم وبقر كثيرة جداً، وأما الفقير فلم يكن له شيء إلا نعجة واحدة صغيرة قد اقتناها ورباها وكبرت معه ومع بنيه جميعاً. تأكل من لقمته وتشرب من كأسه وتنام في حضنه وكانت له كابنة فجاء ضيف إلى الرجل الغني فعفا أن يأخذ من غنمه وبقره ليهيء للضيف الذي جاء إليه فأخذ نعجة الفقير وهيأ للرجل الذي جاء إليه" 2 صم 12: 1 – 6 ولقد حكم داود على الرجل الذي تتحدث عنه القصة بالموت لأنه ترك أغنامه وأبقاره واعتدى على نعجة الرجل المسكين، أي أنه انحرف بغريزته في طريق غير شريف فالخطية ليست في وجود الغريزة نفسها بل في انحرافها إلى طريق مضاد لإرادة الله.

ونلاحظ في سقطة داود، أن انحراف غريزة واحدة في المرء، قد يؤدي إلى انحراف غرائز أخرى معها؛ فغريزة التماوت، وهي التي تولد الرغبة في الشعور بالطمأنينة، والانفعال المصاحب لها هو الخوف، دفعت داود إلى قتل أوريا ليستريح من الفضيحة ويطمئن إلى كتمان الأمر، فلنحذر إذاً من انحراف غرائزنا ولنسر بها في الطريق المرتب لها من الله.

ومع داود نجد عاخان الذي انحرفت رغبة حب التملك فيه عن الطريق السوي فدفعته إلى السرقة، فلما رأى في الغنيمة رداء شنعارياً نفيساً ومئتي شاقل فضة ولسان ذهب وزنه خمسون شاقلاً اشتهاها، وأخذها، وطمرها في وسط خيمته بعد أن وضع الفضة تحتها يش 7: 21 وبذات الكيفية انحرف جيحزي فسقط في خطية الكذب والاغتصاب، وكذلك باع يهوذا سيده المسيح بثلاثين من الفضة "ومحبة المال أصل لكل الشرور الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" 1 تي 6: 10 وإلى جوار هؤلاء نجد بطرس الذي قال ليسده "يا رب إني مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت" لوقا 22: 33 وهو يلعن ويحلف ويسب أنه لا يعرف المسيح ... ولا ريب أن الذي دفعه إلى ذلك هو انحراف غريزة التماوت فيه، هذا الانحراف الذي جعله يبحث عن الطمأنينة بطريق غير سليم، ودفعه إلى الخوف الجارف الذي جعله ينكر سيده لينجو بحياته من الخطر، بدلاً من أن يثق بالله لنجاته وإنقاذه.

وهناك عدة أمثلة أخرى لانحراف الغرائز، يضيق مجال هذا الكتاب عن حصرها، لكننا نحرج منها كلها بنتيجة واحدة هي أن نبحث عن السبيل النظيف الذي وضعه الله لإشباع غرائزنا، ونتسامى بها في طريق الخدمة والمثل العليا حتى لا تنحرف إلى طرق الضلال والنجاسات والأوحال.

نتائج الخطية في حياة الفرد
الصفحة
  • عدد الزيارات: 14672