الفصل الأول: الله في اختبار الفرد
يبدأ المزمور الثالث والستون، وهو مزمور لداود لما كان في برية يهوذا بهذه الكلمات الجليلة "يا الله إلهي أنت. إليك أبكر. عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء" مزمور 63: 1
وبنفس الأسلوب يعبر المزمور الثاني والأربعون وهو قصيدة لبنى قورح عن ذات الإحساس، إحساس الاشتياق إلى الله فيقول "كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله إلى الإله الحي. متى أجئ وأتراءى قدام الله" مزمور 42: 1 و 2
وفي كلمات هذين المزمورين نجد نغمة واحدة تعزف على قيثارة القلب الإنساني عندما ينحني من الآلام وتحيط به ضيقات الحياة فتدفعه للإلتجاء إلى الله؟!
لكن هل هذا هو اختبار كل إنسان في هذا الوجود؟
في الواقع أن البشر ينقسمون في موقفهم تجاه الإيمان بالله إلى ثلاثة أنواع، نوع ينكر وجود الله، هؤلاء هم دعاة الإلحاد الذين يحتجون لدعوتهم بأدلة يحسبونها علمية حتى ليقول بعضهم: إن العلم والإيمان نقيضان لا يجتمعان. ونوع يؤمن بوجود الله على أساس التلقين، وأساس الشعور، أو أساس التعاليم التي يحفظونها دون تفكير وهذه أسس لا تصلح لبناء الإيمان السليم. أما النوع الثالث فهم أولئك الذين يؤمنون بالله على أساس من الفهم، والإدراك، لحقيقة الوحي وحقائق هذا الوجود، وهذا هو الإيمان الاختباري الذي يقي الإنسان الزلل في هذا العصر الذري، المادي، الشرير.
وفي هذا الفصل سوف نتحدث عن الله في وجوده الأزلي، وفي صلة هذا الوجود باختبار الفرد، والحديث عن الله هو أقدس حديث وأخطر حديث، ولكنه حديث ضروري جداً، فكم من مرات نسأل الآخرين أو نتساءل بيننا وبين أنفسنا قائلين: من هو الله؟ وماذا يشبه الله؟ وكيف نتيقن من وجود الله؟
وتلمع هذا الأسئلة في ذاكرتنا بصورة ملموسة عندما تنزل بنا نائبة من نوائب الدهر، أو يغزو أجسادنا مرض من الأمراض! وقد يتناسى الإنسان هذه الأسئلة في غمرة الحياة ومعركة العيش، لكنه يعود فيسمع من تحت صخب النهار، ومن بين الأصوات الصارخة في معركة الحياة، صوتاً خافتاً يحاول دائماً أن يصل إلى أذنيه، وخصوصاً عندما يتعب فيحتاج إلى القعود، أو عندما يأوى إلى ركن هادئ يجفف عن وجهه عرق الجهاد، أو عندما يجلس في هدأة الليل يرعى أشياء هذه السماء.
أجل! فعندما يرعى الإنسان السماء، يرعى نجومها، يرعى جلالها، يرعى جمالها، يزداد هذا الصوت الخافت في آذانه، ثم يزداد حتى يصير دوياً عالياً: هذه السماء ما هي؟ وهذه النجوم ما أعدادها؟ وما أبعادها؟ وما فتات من النور مبعثر في هذه القبة البلقاء بعثرة الرمال في الصحراء. وكيف تحور هذه القبة وكيف تدور؟ وما شروق لها وما غروب؟ وما هذه المواعيد التي تضربها فلا تخلف عنها أبداً؟ وعندئذٍ يقوده إمعان النظر، ورفع البصر، إلى أن يمعن الفكر، فيرد كل هذه المعاني وهذه الصور إلى ذلك الصانع الواحد:
إلى الله العزيز الحكيم ... فهذه يده ... وتلك إرادته وحكمته وقدرته. لكن بعض الذين طمست أبصارهم. وأظلت عيونهم لا يرون في هذا الوجود العجيب، وفي هذه الخليقة الرائعة يد الله، بل يدعون أنها الصدفة المحضة التي أوجدت ما يرون!!
ومع أن هذا الكتاب ليس كتاباً علمياً. لكننا سنحاول فيما يأتي من حديث أن نورد البراهين العلمية والفلسفية المؤكدة لحقيقة وجود الله، عسى أن تكون هذه البراهين واسطة في هداية نفس مخلصة إلى يقين الإيمان بالله.
- عدد الزيارات: 11535