المُقَدَّمة
كان مقصوداً بهذا الكتاب المدعوّ مرشداً إلى الكتاب المقدس هو ان يرشد كل من طالعهُ إلى فهم الأسفار المقدسة. فإن الله عزَّ وجلَّ أوحى بعضها على يد الأنبياء الأطهار وبعضها على يد الرسل القديسين لكي تفتح أعين القلوب العمي وتهدي السالكين في طريق الهلاك المؤَّبَّد إلى طريق الخلاص وتقدم لهم الطعام الأبدي الذي تكون نتيجة تناولهِ راحةً وسعادةً لا نهاية لها. فإن النفس لا بد لها من غذاءٍ روحيّ كل يوم وهذا الغداءُ إنما هو مطالعة الأسفار المقدسة التي تقوّينا على غلب الشر بالخير وعلى طلب الخلاص وتطهير الأنفس بدم ابن الله الذي ظهر في العالم وأعطانا قدوةً حسنة لعمل الصالحات
لا يخفى أننا مركبون من نفسٍ وجسد ويجب ان نعتني بكل واحدٍ منهما. فكما أننا نهتمُّ بمداواة الجسد ونستأجر الأطباء لذلك ونجتهد في اتخاذ الملابس الفاخرة والأطعمة اللذيذة لهُ مع أنهُ جيفة فانية لا خير فيها هكذا ينبغي لنا ان نهتمَّ بأمر النفس فنتخذ لها الكتاب المقدس طبيباً يقدم لها تلك الأدوية الشافية مجاناً. ونلبِّسها الإنسان الجديد ونغذّيها بالنصائح المستفادة من أقوال الله ونواميسهِ. فانها بدون ذلك تنحلُّ قواها وتسقط في الفساد الأبدي الذي لا يمكن اصلاحهُ. قال السيد لهُ المجد تضلون إذ لا تعرفون الكتب. وقال بولس الرسول ان لنا الرجاء بالصبر والتعزية بما في الكتب وأن كل الكتاب
هو موحّى بهِ من الله ونافع للتعليم. ومن ذلك يتضح ان الكتب المقدسة جليلة الفائدة حتى لا يحصل أحدٌ بدونها خلاصاً أو رجاءً أو تعليماً. وبناءً على ذلك يجب علينا ان نرغب في قراءة تلك الأقوال الثمينة التي تحكمنا للخلاص بيسوع المسيح ولا يليق بنا إهمالها. فإن يوحنا فم الذهب يوبخ الذين يهملونها قائلاً إلى أين تفرُّون يا من تهملون الكتب المقدسة وتجدفون على الروح القدس المتكلم فيها. وماذا تفعلون في تلك الساعة الرهيبة عند ما يجلس الديان العادل على منبر القضاء وتُفتَح المصاحف والكتب التي أنتم الآن تزدرون بها. سوف يدرككم الويل والهلاك وتسترحمون الإله الذي أغظتموهُ والروح الذي جدَّفتم عليهِ حيث ليس رحمة وتستغيثون بابنهِ الوحيد الذي سفكَ دمهُ لأجلكم حيث ليس من يغيثكم. ارجعوا وتوبوا فيقبلكم الله المحبُّ البشر
ان مطالعة الكتب المقدسة ضروريةٌ لكل إنسانٍ لأن الله سبحانهُ لم يهبهُ العقل والفهم والذهن إلا لكي يعبدهُ حق العبادة بخلاف بقية الحيوانات غير الناطقة. وقد أنزل عليهِ هذه الكتب لتكون قائدةٌ لهُ في هذه الدنيا حتى تنتهي بهِ إلى دنيا أخرى أفضل منها حيث لا يدخل مفسدٌ يطغيهِ عن سبيل الحق ولا شيظانٌ يجذبهُ باللذَّات والملاهي الباطلة بل يقيم هنالك مع مخلصهِ إلى الأبد
فيا أيها العزيز أَما يجب علينا ان نطيع أوامر هذا المخلص العظيم ولماذا لم نحفل بأمرهِ إذ قال فتشوا الكتب بل فضلنا عليها الخرافات والقصص التي هي كالزهر لها طلاوة ساعة ثم تذبل وتنقضي حلاوتها. كيف اخترنا هذه على تلك الأزهار الفردوسية والاثمار السموية التي بهجتها لا تفنى ولذتها لا تُحَدُّ. تأَمل ما صرَّح بهِ الذهبي الفم من ان النحَّاس والصائغ وغيرهما من أرباب الصنائع إذا أصابهم جوعٌ أو ضيق يحتملون ذلك ولا يبيعون شيئاً من آلات صنائعهم ليقتاتوا بهِ. ولا ريب ان هذا هو الصواب لأنهم لو باعوا آلات صنائعهم انقطعت عنهم أسباب المنافع لأنفسهم وعيالهم. ولكن طالما حفظوها يشتغلون بها فيكتسبون نفقاتهم ويفون ديونهم في برهة من الزمان. وهكذا نحن يجب أن
نعتبر ان آلات صناعتنا هي الكتب المقدسة كما ان آلات أولئك هي المطرقة والمقطع ونحوهما. وكما أنهم بهذه الآلات يجعلون القِطَع المتهشمة صقيلةً على أشكالٍ منتظمة هكذا نحن بواسطة آلاتنا الكتبية ننظم حال نفوسنا ونقوّم اعوجاجها ونجدّد قدميتها
وقال أيضاً هذا المغبوط أنهُ يتأَكد بالحق ان قراءة كل كتابٍ مُلهَم بهِ من الله ترشد الصاغين إلى معرفة الديانة وحسن العبادة ولكن كتاب الإنجيل الشريف يحوي اعتقادات فائقة السموّ جدّاً. والأقوال المدوَّنة فيهِ هي شرائع الملك السامي والإله العلي. ولذلك تهدَّد الذين لا يحفظونها جيداً ولا يتمسكون بها بعذابٍ رهيب. لأن من يخالف أوامر رؤساء الأرض وشرائعهم يكابد عقاباً إليماً وقصاصاً لا مهرب منهُ فكم بالحري من يخالف أحكام الملك السموي
وبما ان التوراة من الله وهي تحتوي على الشهادة الحقيقة الوحيدة التي تعلن إرادة الله ومقاصدهُ نحو جنسنا الساقط يليق بنا ان ندرسها باجتهادٍ بليغ. وبما أننا بها ندان في يوم الحساب الأخير يجب علينا في هذا الزمان المقبول وفي يوم الخلاص هذا ان نواظب على الصلوة والتأمل في الحقائق التي فيها طابعين إياها على قلوبنا وسالكين بحسب منهجها القويم حتى إذا وقفنا أمام منبر المسيح للدينونة نسمع من فمهِ القدوس تلك الكلمة المبهجة تعالوا يا مباركي أبي رِثوا الملك المُعدَّ لكم منذ تأسيس العالم
- عدد الزيارات: 65