وصَف مفصّل لجغرافية أراضي الكتاب المقدْس - شرق الأردن في زمن حوادث الكتاب المقدس
شرق الأردن في زمن حوادث الكتاب المقدس
استقر سبط رأوبين بين حشبون ونهر ارنون في بلاد موآب وعلى ما يظهر اندمج مع السكان. أما منطقة جلعاد الواقعة على نهر اليبوق وإلى الشمال منه فاحتله سبط جاد ونصف سبط منسى وكانوا ما يظهر اندمج مع السكان. أما منطقة جلعاد الواقعة على نهر اليبوق وإلى الشمال منه فاحتله سبط جاد ونصف سبط منسى وكانوا معرضين للضغط المستمر من العمونيين إلى الجنوب والاراميين إلى الشمال.
وقعت أراضي العمونيين إلى الجنوب نهر اليبوق وإلى شرق وادي الأردن على مقربة من الصحراء وكانت مدينتهم الرئيسية ربة بني عمون ودعيت فلادلفيا في عصر العهد الجديد وهي اليوم عمان عاصمة الأردن.
حاولت كلتا المملكتين إلى الغرب من نهر الأردن قديماً أن تستوليا على هذه المنطقة. ونجحت المملكة الشمالية أكثر من الجنوبية في التأثير عليها لأن الدخول إليها أسهل جداً من الشمال حيث يسهل خوض الأردن وأرضها أقل وعراً من الجنوب. لكن وجود واجي الأردن مع اتحاد الشرق مع الغرب اتحاداً ثابتاً. ولتعرض هذه المنطقة إلى غزوات سكان البادية شجع الحكام منذ زمن اسكندر المكدوني على بناء مدن يونانية أو رومانية قوية في شرق الأردن. وفي القرن الأخير ق. م. تحالفت عشر مدن منها وألفت رابطة عرفت بالمدن العشر.
ومع أن شرق الأردن لم يكن في حين من الأحيان جزءاً من فلسطين إلا أنه لعب دوراً هاماً في تاريخ الكتاب المقدس. منه دخل العبرانيون فلسطين ومنه أشرف موسى على البلاد من جبل فسجة ومن قمة تدعى جبل نبو (تث 32: 49 و34: 1) ومن هنا أيضاً أطل بلعام على الشعب ورفض أن بلعنه. ومع أن سبطين ونصف سبط استقروا في المنطقة لم يرتبطوا بتاريخ المنطقة إلى غربي النهر إلا قليلاً. أما في زمن العهد الجديد فعرفت هذه المنطقة يبيرية ووقعت مع الجبل تحت إدارة هيرودس انتيباس. وكرز يوحنا المعمدان في بيت عبرة أو بيت عنيا عبر الأردن (يو 1: 28) فاعتقله هيرودس الذي لم تكن له سلطة على المنطقة إلى غربي النهر. وحسب قول يوسيفوس سجن يوحنا وقتل في ماخيروس وهو الحصن الروماني إلى أقصى جنوب بيرية في الجبال إلى الشرق من البحر الميت. ويرجح أن يسوع اجتاز بيرية عدة مرات في ذهابه وإيابه بين الجليل واليهودية. وفي القرون المسيحية الأولى انتشرت المسيحية بسرعة في شرق الأردن كما يظهر من كنائس عديدة قد اكتشفت هناك خاصة في جراسة أي جرش الحالية ومادبا. إلا أن هذا الانتشار توقف عند فتوحات الاسلام في القرن السابع م.
يناسب القسم الجنوبي من شرق الأردن رعاية المواشي أكثر مما يناسب زرع الأرض. فقد سُميَ كاتب 2 مل 3: 4 ميشع "صاحب مواش" كان يدفع جزية سنوية تتألف من مئة ألف خروف ومئة ألف كبشة بصوفها. والمنطقة سهل عال تقطعها أودية منحدرة من الشرق إلى الغرب تحمل مياه الأمطار إلى البحر الميت. وأهم هذه الأودية نهر ارنون ووادي زارد. أما إلى الجنوب من البحر الميت فتنزل الأودية شمالاً غرباً إلى العربة. وتقع كل القرى في المنطقة في قطعة ضيقة تمتد من الشمال إلى الجنوب ولا يزيد عرضها عن 40 ك. م. أما في الشرق فتصبح الأرض صحراء تندمج مع الصحراء العربية دون أي حدود واضحة بينهما.
ومن أهم ميزات المنطقة إلى الشرق من وادي العربة أنها تحوي في صخورها معادن هامة بينها النحاس والحديد الأمر الذي يعلل استعداد الملوك المخاطرة بجيوش كبيرة لكي يستولوا عليها. وقد اكتشفت بعض المناجم القديمة وانقاض القرى قربها وآثار التنانير البدائية المستعملة لصهر المعادن. وقد اثبتت التنقيبات أن سليمان كان يستخرج هذه المعادن. وقد تلقي هذه الحقيقة ضوءً على الاشارة في سفر تثنية إلى "أرض حجارتها حديد ومن جبالها تحفر نحاساً" (8: 9).
وقد كشفت التنقيبات أيضاً عما يدل على حضارة مزدهرة في هذه المنطقة في الفترة بين 2300- 1900 ق. م. وقد يكون لهذه الحضارة علاقة بهجوم الملوك الأربعة المذكور في تك 14 مع أن الأمر لا يزال غامضاً جداً. وبعد مرور قرون لم يزل الطريق الرئيسي في شرق الأردن يدعى طريق الملك أو الطريق السلطاني (عد 20: 17).
ليس هناك مجال للشك في أن مياه القسم الجنوبي من البحر الميت تغطي مواقع مدينة صوغر (تك 19: 22) وسدوم وعمورة. فإن عمق الماء في هذا القسم من البحر أقل من غيره ولا يزال عمق البحر كله يزداد باستمرار.
لقد دونت قصة حريق هائل في هذا العمق ليس في الكتاب المقدس وحسب بل أيضاً في كتابات يونانية ولاتينية. لا يزال في المنطقة تجمعات للنفط ويذكر الكتّاب القدماء وجود بعض الغازات. وتقع المنطقة على خط يمتد على طول وادي الأردن والبحر الميت والعربة قد كثرت الزلازل فيه على ممر التاريخ. وعليه يحتمل أن يكون هناك عامل طبيعي اشترك في خفض أرض العمق واحتراق النفط والزيت الذي رافق ذلك. ولا يزال هناك تلة مكوَّنة من ملح طولها ثمانية كم. في الجزء الجنوبي من البحر الميت.
ازدهرت مملكتا موآب وداوم في الفترة الثانية التي فيها كثر عدد سكان جنوب شرق الأردن وازدادت الزراعة فيه وهي من 1200- 700 ق. م. كان السكان قد عادوا بعد القرن العشرين ق. م. إلى حياة الترحال. أما في القرن الثالث عشر فأخذوا يستوطنون في الضيع ثانية. وتحصنت هاتان المملكتان بمدن مسورة وحصون على الحدود وفي الداخل. ثم بعد القرن الثامن ق. م. تضاءلت قوة المملكتين وتفككت وحدة الشعوب وقد يرجع السبب إلى إطالة حالة الحرب مع المملكتين إلى الغرب منها وتعدي جيوش اشور وبابل.
كانت قير حراسة مدينة موآب الرئيسية وحاصرها العبرانيون دون جدوى في أيام أليشع (2 مل 3: 25- 27).وكانت تيمان إحدى المدن الرئيسية في أدوم وهي إلى الجهة القصوى جنوباً منها وكانت بصرة إلى الجهة القصوى شمالاً. فقيل في إحدى النبوات ضد أدوم: "أرسل ناراً على تيمان فتأكل قصور بصرة". وعرفت البلاد بحكمائها العظماء وكان أحدهم أليفاز من تيمان (أي 2: 11).
وصلت حضارة الجنوب شرق الأردن إلى قمتها في الفترة الثالثة المهمة في تاريخ البلاد بين 120 ق. م. و 100 م. في عصر الأنباط. كان الأنباط من أنشط الشعوب القديمة وأذكاها. كانوا عرباً دخلوا أدوم عنوة بين القرنين السادس والرابع ق. م. وازدادوا تدريجياً غنى وقوة إلى أن سيطروا على الطرق التجارية الهامة بين بلاد العرب وسورية. وكانت مملكتهم كثيرة السكان جيدة النظام. فقد تبنوا أساليب الدفاع التي قد طورها الأدوميون والموآبيون قبلاً وحسنوها ووسعوها. فكانت المدن والحصوة منتشرة في كل المنطقة. وباستخدام وسائل ممتازة للمحافظة على الماء والري زادوا مساحة الأرض القابلة للزراعة أكثر مما كانت قبلاً أو منذ أيامهم. وعمروا أقنية للماء حيث اقتضت الحالة.
كانت عاصمة الأنباط بتراء وهو الاسم اليوناني للصخر المذكور في عو 3. كان قسم منها منحوتاً في الصخور ببراعة فائقة ولا تزال من أهم الآثار التاريخية اليوم. وقد ذكر أحد ملوكها في 2 كو 11: 32 وهو الحارث الذي كان سائداً على دمشق وقت اهتداء بولس.
تغلب الرومان على الأنباط سنة 106م. وما لبثت حضارتهم أن تلاشت ولم تعد هذه المنطقة تزدهر بقدر ما كانت مزدهرة في أيام يسوع.
- عدد الزيارات: 20755