Skip to main content

وصَف مفصّل لجغرافية أراضي الكتاب المقدْس - فلسطين الوسطى في زمن حوادث الكتاب المقدس

الصفحة 2 من 4: فلسطين الوسطى في زمن حوادث الكتاب المقدس

فلسطين الوسطى في زمن حوادث الكتاب المقدس

باستثناء خدمة يسوع في الجليل يدور تاريخ الكتاب المقدس حول فلسطين الوسطى وتمتد من الطرف الجنوبي من وادي يزرعيل في الشمال إلى جنوبي حبرون عند حدود النقب على بعد مئة وخمسة وثلاثين كيلومتراً، ومن البحر المتوسط إلى نهر الأردن والبحر الميت. في القديم كانت هذه المنطقة مزدحمة السكان إذ كانت صالحة للزراعة وأهم غلاتها القمح والشعير والخضار والعنب والتين والزيتون. ورغم عدم الأمطار من نيسان إلى تشرين كانوا يزرعون بعض هذه المزروعات في الصيف معتمدين على الطلّ.

كثرت القرى والمدن في المنطقة وأُحيطت المدن الكبرى فقط بالأسوار وتحصنت. فكان الناس يعيشون في القرى بأمان أيام السلم أما في وقت الحرب فكانوا يحتمون في المدن. وأكثر المناطق ازدحاماً كان السهل الساحلي في الجنوب المعروف ببلاد فلسطين، والجبال إلى شمال أورشليم وجنوبها. وعندما وصلت المنطقة على أوج ازدهارها وتطورها قديماً في عصر الرومان يرجح أن عدد سكانها كان يتراوح بين مليون ونصف ومليوني نسمة. واحتوت المنطقة بين أورشليم وبيت إيل على أكبر عدد من القرى ومن بينها جبعة عاصمة شاول وعناثوث موطن ارميا ومخماس موقع المعركة بين شاول والفلسطينيين (1صم 13- 14) وجبعون حيث اختار سليمان الحكمة بدلاً من الغنى.

ومع أن فلسطين الوسطى هي وحدة جغرافية إلا أنها انقسمت إلى قسمين لأسباب قبلية وثقافية. فمن بداية الاحتلال العبراني دارت منافسة بين سبط يهوذا البارز في الجنوب وسبط افرايم البارز في الشمال وأيدتهما الأسباط المجاورة لهما. ومع أن القسمين وُحّدا قسراً تحت سيادة شاول وداود وسليمان انفصلا ثانية في حكم رحبعام ولم يعودا يتّحدان فيما بعد ما عدا فترة قصيرة في عصر المكابيين. وبعد السبي الآشوري عندما أخذ كثيرون من المنطقة الشمالية أسرى إلى بلدان بعيدة اتي باجانب من بلدان مغلوبة أخرى واختلطوا مع العبرانيين الباقين. وبعد السبي البابلي لم يقبل العائدون من سبط يهوذا أن يتعاونوا مع هؤلاء وزاد الانفصال بين الشعبين حتى إن اليهود في أيام يسوع لم يتعاملوا مع السامرية البتة. لذا سنعالج كل قسم من المنطقة على حدة.

1. الساحل الفلسطيني ويهوذا

إلى الجنوب من أورشليم أربعة أجزاء متميزة بين البحر المتوسط والبحر الميت. فالي الغرب الساحل الخصب وهو خاص بالفلسطينيين ومدنه الرئيسية غزة واشقلون واشدود وعقرون وجت. كان الفلسطينيون من جنس غير ساميّ ولم يسيطر عليهم العبرانيون إلا في فترات قصيرة متباينة. وللساحل أهمية لمجرى حوادث التاريخ لعدة أسباب. فإنه كان المركز العسكري الرئيسي لسوريا وفلسطين ضد مصر وكانت الطرق التجارية الرئيسية من الشمال والجنوب الشرقي تلتقي في الساحل وخاصة في غزة. فكان الساحل يؤثر على كل المنطقة تأثيراً هاماً لأسباب سياسية واقتصادية وكانت كل قوة رئيسية في الشرق الأوسط تسيطر عليه في حين أو آخر. وبعد خراب أورشليم سنة 70 م. أصبحت يَمْنِيَة مركزاً هاماً للدراسات التلمودية سيطر عليه الفرنسيون. وخلال القرون المسيحية الخمسة الأولى كان الساحل مسرحاً لعمل مسيحي نشيط.

وبين الساحل وجبال اليهودية وهاد وسفوح كونت منطقة خصبة وعُرفت في العهد القديم بالساحل أو السهل (انظر الفهرس) وكانت مسرحاً لكثير من القتال لأنها كانت الحاجز الطبيعي لحماية منطقة الجبال. تقطعها سلسلة من الأودية تنحدر من الجبال غرباً إلى الساحل. والوادي الأقصى إلى الشمال هو وادي ايَّلون الذي تحميه قريتان باسم بيت حورون حيث أمر يشوع الشمس بأن تقف (يش 10: 12). ثم يتبعه وادي سورق موضع مفاخر شمشون (قض 13- 16) ثم إلى الجنوب منه يأتي وادي البطم حيث واجه داود جليات الجبار الجّي (1 صم 17: 19 وما يليه) ويحميه حصنَا لبنة وعزيقة. ثم وادي صفاتة الذي جرت فيه معركة بين آسيا والأحبأش (2 اي 14: 10) وإلى الجنوب أودية غير مسماة في الكتاب المقدس تحميها مدن جت ولخيش وعجلون ودبير.

والجزء الثالث من جنوب فلسطين الوسطى هو الجبال التي سكنها عدد كبير من الناس وارتزقوا من العنب ورعاية الغنم والمعز. وإذ كان هذا الجزء محمياً كان منعزلاً أكثر من غيره ومن المدن الهامة فيه بيت ايل وأورشليم وبيت لحم وحبرون.

وإلى الشرق من هذا الجزء يقع جزء رابع يختلف كل الاختلاف عن غيره وهو البرية الجنوبية. وإذ يسقط معظم الأمطار إلى الغرب من رؤوس الجبال فقد أصبح هذا الجزء صحاري قاحلة ويكاد يخلو من القرى مع أنه يضم تقوع موطن عاموس، وهيروديوم وهيرانيا وهما حصنان بناهما هيرودس الكبير لتعزيز سيادته على فلسطين. وفي هذا الجزء قمران التي كانت في القرن المسيحي الأول مركزاً لجماعة متزهدة وهي طائفة يهودية وفيها اكتشفت مخطوطات البحر الميت.

2. السامرة

تنقسم السامرة إلى قسمين رئيسيين الأول سهل شارون محاذياً لشاطئ البحر. وكثرت فيه المستنقعات والغابات الكثيفة وعلى ما يظهر لم ينُم كثيراً. والقسم الآخر هو الجبال وكثرت فيه الأراضي الصالحة للزراعة فكان أكثر ازدهاراً من اليهودية. كانت الأودية الواسعة تؤدي من الجبال غرباً إلى سهل شارون وشمالاً إلى سهل يزرعيل وشرقاً إلى وادي الأردن. ولسهولة الدخول إليه من كل الجهات كان يتأثر من العوامل الخارجية أكثر من اليهودية. وازدهرت فيه عبادة البعل التي أدخلت إليه من فينيقية وكذلك ديانات أجنبية أخرى. فركزت خدمات إيليا وأليشع ثم عاموس وهوشع على هذه المنطقة. وهنا ربح يسوع إليه السامرية وآخرين من شعبها. وبشر فيلبس بنجاح بارز في السامرة في بداية انتشار الإنجيل (أعمال 8).

كان مركز السامرة السياسي قديماً جبلي عيبال وجرزيم لأن هنا التقت كل الطرق التي قطعت الجبال في مدينة شكيم التي كانت مدينة كنعانية قوية قبل مجيء العبرانيين. أما بعد انقسام المملكة بعد موت سليمان فكانت عاصمة المملكة الشمالية الأولى ترصة التي كانت منعزلة عن مجاري الحياة الرئيسية في السامرة. ولم تكن شكيم في موضع محمي يجعلها صالحة لأن تكون العاصمة ولذا أراد الملك عمري عاصمة تتجه إلى الشمال والغرب. فاختار موقع مدينة السامرة وعمَّر فيه مدينة عظيمة أصبحت قوية جداً لدرجة بها اضطرَّ الآشوريون إلى محاصرتها ثلاث سنوات قبل أن يتغلبوا عليها. وبعد هذا تضاءلت أهمية المدينة إلى أن أعاد هيرودس الكبير بناءها بصورة فخمة.

بنى هيرودس مدينة فخمة أخرى على الشاطئ في المكان المعروف قبلاً ببرج سترابو. قضى اثني عشر عاماً في إعادة بنائها فجعلها الميناء الرئيسي لفلسطين في عهد الرومان وكادت تكون العاصمة الحقيقية لكل المنطقة. وسماها قيصرية إكراماً لأصدقائه الرومان.

3- وادي الأردن

لم توازِ الجهة الغربية من وادي الأردن الجهة الشرقية منه من حيث عدد السكان والازدهار. ومع ذلك قامت مدينة مزدهرة هي بيت شان في الشمال على مقربة من بحر الجليل حيث وسعوا الأراضي الزراعية بواسطة الري. أما مدينة أريحا فلها تاريخ قديم، ثم وسَّعها هيرودس وحسنها كي يجعلها مشتى له.

فلسطين الجنوبية في زمن حوادث الكتاب المقدس
الصفحة
  • عدد الزيارات: 20359