Skip to main content

وصَف مفصّل لجغرافية أراضي الكتاب المقدْس

الصفحة 1 من 4

إستعمال الأطلس

تظهر بعد إسم المكان إشارة إلى موقعه في خارطة أو خرائط. فإن الرقم الأول يشير إلى رقم الخارطة. ثم يشير الحرف الذي يليه إلى موقعه في الخارطة نسبة إلى الأحرف المكتوبة إلى رأس الخارطة أو أسفلها ويشير الرقم الآخر إلى موقعه في الخارطة بالنسبة إلى الأرقام المكتوبة إلى جانب الخارطة. وهكذا يشير ( 5 د 4 ، 6 أ 2 ) إلى أن المكان المذكور يقع في الخارطة رقم 5 في خانة الدال طولاً وخانة الأربع عرضا، وأيضا في الخارطة رقم 6 في خانة الألف طولاً وخانة 2 عرضاً.

 فلسطين الشمالية في زمن حوادث الكتاب المقدس

تتألف فلسطين الشمالية من الجليل وسهل يزرعيل. ولكي نفهم تاريخ هذه المنطقة يحتم علينا أن ندرس باختصار جغرافية المناطق المحيطة بها وتأثيرها على الجليل. نلتفت أولاً إلى المغرب فنلاحظ أن شاطئ فلسطين يخلو من المواني الامينة التي كان من شأنها أن تشجع سكان المنطقة على المشاريع البحرية. ومع أن جبل الكرمل يحفظ الجون إلى شماله فلم تبن فيه ميناء في هذا الزمن.

كانت الحالة على نقيض ذلك إلى الشمال في فينيقية حيث كانت الجبال قريبة من الشاطئ وجعل ضيق الساحل الارتزاق من الزراعة ورعاية المواشي صعباً فاتجه السكان إلى البحر. ومع أن بعض الطرق أدّت من الجليل إلى الموانئ الفينيقية لم تكن هي الطرق الرئيسية للقوافل الآتية من الشرق فلم يكن هناك ما يوطد العلاقات الاقتصادية بين فينيقية والجليل.

كان من المدن الرئيسية في فينيقية صيدون وصور. وامتازت صيدون على صور بالألف سنة قبل الميلاد لكن صور برزت في الألف سنة قبل المسيح. وكانت تقع حينئذ على جزيرة قرب الشاطئ وكانت قوية جداً فاخفق ملوك كثيرون في الاستيلاء عليها. لكن الاسكندر تغلب عليها بعد سبعة أشهر بواسطة بناء طريق من البر إليها.

¬¬أصبحت فينيقية عاصمة العالم القديم التجارية وقد وصفت بضائعها وتجارتها في حزقيال 27. وكان لفنونها وبنائها وحضارتها تأثير هام على حضارة فلسطين. فاستخدم داود وسليمان وعمري براعتها في البناء في تعمير القصور والمدن والهيكل وساعد البحارة الفينيقيون على بناء أسطول سليمان وقيادته بقصد كسب التجارة العربية والافريقية (1 مل 10: 22). ويرجح أن مصهر سليمان في عصيون جابر بني بموجب نموذج فينيقي.

على ضوء هذه العلاقات بين فلسطين وفينيقية لا نعجب إذ نقرأ أن النبي إيليا التجأ إلى صرفة في أيام المجاعة. لكن هذا لا يشير بمعنى من المعاني إلى أن فينيقية وفلسطين كانتا متحدتين في الحياة والمصلحة بل كانت فينيقية منفصلة. وعندما سيطر الرومان على كل سوريا اعتبروا فينيقية والشاطئ إلى جبل الكرمل جزءاً من سوريا.

إلى الشمال من الجليل نجد سفوح جبل لبنان وحرمون الوعرة والأودية العديدة التي جعلت السفر بين الجليل والشمال صعباً وخطراً. لذا كان التخم الشمالي التقليدي مدينة دان عند سفح جبل حرمون على مقربة من متابع نهر الأردن.

تقع إلى الشرق من جبل حرمون منطقة خصبة يرويها نهرا ابانة وفرفر اللذان ينبعان من حرمون ويجريان شرقاً ثم يتفرعان وأخيراً يتلاشيان في الصحراء. في وسط هذه البقعة الجميلة قامت مدينة دمشق القديمة وموقعها يضمن لها تجارة وتأثيراً دائمين. إلا أنها أُحيطت بحواجز الجبال إلى الغرب والشمال والصحراء إلى الشرق. فكانت ذات نفوذ على السهول إلى الجنوب منها غير أن فلسطين بعدت عن دائرة تأثيرها. لذا كان تاريخ دمشق ومنطقتها، أي آرام العهد القديم، منفصلاً نوعاً ما عن تاريخ فلسطين.

يقع إلى الجنوب من دمشق سهل يعلو عن سطح البحر ستمائة متر ودعي باشان في العهد القديم وحوران بعد ذلك. وكانت مصلحة هذه المنطقة تتعلق إلى درجة بعيدة بمصلحة دمشق. ورغم ذلك كانت تتأثر من سير الحوادث في الجليل وفي جلعاد إلى الجنوب منها عبر نهر اليرموك. سكن سبط منسى على ضفتي اليرموك (3: 13).

وفي أيام المكابيين ضمت هذه المنطقة إلى فلسطين وبعد ذلك ضمها هيرودس العظيم إلى مملكته. وفي أيام المسيح حكم فيلبس ابن هيرودس عليها كمنطقة مستقلة. وبنى عاصمته في بيت صيدا يولياس ويرجح أنها وقعت على شاطئ بحر الجليل مما يدل على علاقة المنطقة القوية بالجليل. أما سكانها فأمميون.

حينما استولى الرومان على فلسطين كان الأنباط يزعجونهم باستمرار من الشرق والجنوب وكان شرق الأردن معرضاً لغزواتهم. فاهتم الرومان بتقوية المنطقة وتحصينها فشجعوا على تأسيس المدن العشر لهذه الغاية.

أما إلى الجنوب من الجليل فوقع سهل يزرعيل الخصب ووادي الأردن الصالح للسكن والزراعة. وعليه كانت الجليل تتجه دائماً إلى الجنوب. وكان التخم الجنوبي للجليل يمتد من مرتفعات جبل الكرمل على سلسلة التلال التي تنتهي في الجنوب الشرقي في جبل جلبوع. ومع أن عدداً من الوهاد يقطع السلسلة كان تاريخ فلسطين المتوسطة، المعروفة بالسامرة، مميزاً عن تاريخ الجليل.

تحدد الجغرافية إلى حد بعيد التاريخ. والمعالم الطبيعية في الجليل تنبئ بصفات حياتها. كانت ملتقى للطرق المؤدية لجميع الجهات ولها علاقة بالبلدان المجاورة لها من كل جهة. لم تكن في حين من الأحيان منعزلة ولا مستقلة تمام الاستقلال. وكذلك لم تتحدد تماماً مع المناطق الواقعة إلى الغرب أو الشمال أو الشرق منها. كانت متجهة إلى الجنوب وحتى علاقاتها مع هذه المناطق لم تكن قوية جداً. وكانت حياتها تدور حول بحر الجليل.

للجليل تاريخ طويل وقد اكتشف علماء الآثار في الأودية إلى الجنوب من جبل الكرمل آثاراً هامة جداً للإنسان قبل التاريخ وبعد هذا العصر بقرون. لكن قبل مجيء العبرانيين سكن الكنعانيون هذه المنطقة وكانت مدينتهم الرئيسية حاصور في شمال الجليل. وإلى الشمال منها كانت قادش وينوعام. وسكن الكنعانيون أيضاً حول ساحل يزرعيل من كل جهة. فإلى الشرق منه قامت بيت شان وهي من أهم مدن المنطقة وكانت من القرن الخامس عشر إلى منتصف القرن الثاني عشر ق. م. مركزاً مصرياً قوياً بالإضافة إلى كونها مركزاً لحياة الكنعانيين الدينية كما تشهد آثار الهياكل المتتالية فيها.

كانت رابطة المدن الكنعانية في الجليل تقاوم العبرانيين بقوة ولم تخضع كل المنطقة إلى أن استولى داود على الحصون. أما سليمان فجعل سهل يزرعيل منطقته الإدارية الخامسة وعاصمتها مجدو.

من حكم سليمان إلى أيام يسوع لم تلعب الجليل دوراً هاماً. كانت جزءاً من المملكة الشمالية فتعرضت معها للحروب والغزوات على ممر القرون وكانت تتحمل الجزء الكبير من الخراب والخسائر إذ وقعت على الحدود الشمالية من المملكة وكان الدفاع عنها صعباً. كان سكانها في القرن المسيحي الأول خليطاً من اليهود والأمميين. وكانت الديانة اليهودية تبرز فكثرت المجامع فيها. كانت صفورية وطبرية المركزين الرئيسيين للتأثر الأممي. كانت صفورية عاصمة ربع هيرودس انتيباس في السنين الأولى لحكمه. ثم بنى طبرية وجعلها عاصمته. تعلل لنا هذه المظاهر احتقار سكان أورشليم وفلسطين الجنوبية لديانة الجليل المشبوه بها. كانت المنطقة الشمالية موطناً لخليط من السكان وكثيراً ما قطعت علاقاتها مع المدينة المقدسة. فنظر القادة الدينيون في العاصمة إليها بشيء من الترفع. فلما أتى يسوع من الجليل وخاصة من الناصرة، وهي لم تذكر في أي كتابة يهودية قبل ذلك، وأخذ يعلم في أورشليم ويتدخل في إدارة الهيكل (مر 11: 15) لا عجب أن القادة المعترف بهم قاموا عليه بغضب. فإن الجليل كانت في نظرهم أحط قدراً ولا يمكن أن ينال معلم جليلي غير معترف به استحساناً رسمياً (انظر يو 1: 46 و 7: 52). في مثل هذه المنطقة تربى يسوع وقضى القسم الرئيسي من خدمته العامة. اتخذ كفرناحوم مركزاً له وعمل بصورة خاصة حول الجهة الشمالية من بحر الجليل. إلا أنه جال في أكثر جهات الجليل كما يظهر من ذكر قانا ونايين وتجواله بين القرى للكرازة والشفاء (مر 1: 39).

لم يبرز الجليل في تاريخ المسيحية إلى أن بدأ الحجاج يزورون الأماكن التي لها علاقة بحوادث حياة المسيح. وهذا على عكس أهميته للديانة اليهودية بعد خراب أورشليم (سنة 70 م) فتمركزت الديانة اليهودية في الجليل وأصبحت مدنه أمثال صفورية وطبرية مراكز العلم اليهودي وبقيت هكذا سنين طويلة.

فلسطين الوسطى في زمن حوادث الكتاب المقدس
الصفحة
  • عدد الزيارات: 20840