الفصل العاشر: سفر عاموس
كان قد أُرسل رجل من يهوذا إلى بيت إيل إلى مملكة إسرائيل ليوبخ يربعام الأول ملك إسرائيل على تقديمه الذبائح للأوثان. وأُرسل رجل آخر من ذلك السبط عينه يتنبأ في بيت إيل مدة حكم يربعام الثاني أخذ من وراء الغنم وهو عاموس. وكثيراً ما دعا الله أفراداً من الناس من أشغالهم اليومية، وكلفهم بخدماته المقدسة.
في مرتفعات يهوذا، على مسافة اثني عشر ميلاً جنوبي أورشليم، في بلدة يقال لها تقوع كان عاموس يرعى قطعان الغنم. وفي أثناء ذلك أعده الله للرسالة، وعلمه رأساً ما يحتاج إلى معرفته لأداء هذه المأمورية. فكان أسلوب تعبيره مزداناً ببساطة أهل البادية. فطن إلى قدرة الله وحكمته من المناظر الطبيعية: النجوم والليل، الليل والنهار، الرياح والعواصف. فكان من هذا القبيل شبيهاً بداود النبي كما كان شبيهاً به في رعاية الغنم. لا شك أنه – شأن كل راعً أمين – كان قد تدرب على حماية الأغنام من سطو الوحوش. ولا يبعد أن تكون مقالته في هذا المعنى "كما ينـزع الراعي من فم الأسد كُراعَين أو قطعة أذن الخ." وتكون واقعة حال له اختبر فيها كيف يكون الدفاع عن الغنم من هجمات الأشبال. ألفَ فخ الصياد الذي ينصب للطير وأفعى البرية إلى غير ذلك مما استعار منه مواعظه.
وكان عاموس فضلاً عن رعاية الغنم جانياً للجميز وهو ثمر شبيه بالتين ولكنه أقل منه زكاوة، لا يأكله إلا الفقراء. يُجرَح ثمره على شجره ليبلغ حه في الإستواء والنمو. واقتبس عاموس كثيراً من أمثاله وتشابيهه من الأودية والسهول التي رآها في حداثة سنه أو فطن لها وهو كبير، لتوقد إحساساته، فاستعار أقواله من البلوط والأرز والكرم والتين والزيتون والبساتين والحارث والزارع والحاصد والعجلة التي يحمل عليها الحزم.
الزلزلة: افتتح عاموس نبوته بما افتتح به يوئيل "الرب يزمجر من صهيون ويعطي صوته من أورشليم". وقال في العدد السابق ما مضمونه أنه تنبأ "قبل الزلزلة بسنتين". وقال يوئيل "قدامه ترتعد الأرض وترجف السماء". وعليه فقد أشار كلاهما إلى تلك الزلزلة التي يظهر أنها كانت عظيمة جداً. فزكريا يتكلم عنها وقد مضى عليها ثلثماية عام كحادثة معلومة لم تعفِّ أثرها حادثة السبي (زك 14: 5). قال بعض المؤلفين المسيحيين عن عاموس أنه تنبأ عن مصيبة ستحل بالبلاد، ووصفها وصفاً دقيقاً يصدق على مصيبة الزلزلة التي حدثت بعد ذلك بسنتين من الزمن. على أنه حين وصف المصيبة لم يعلم بأنها ستكون زلزلة قال (في 8: 8 و 9: 5) "ترتعد الأرض وينوح كل ساكن فيها وتطمو كلها كنهر وتفيض ونتضب كنيل مصر" وهذا الوصف للمتأمل ينطبق على الزلازل العظيمة. ثم إن كانت هذه الزلزلة التي انتشر خبرها في بلاد فلسطين أوحي بها إلى عاموس حرفياً في أقواله المكررة جملة مراراً في الإصحاح الأول والثاني "أرسل ناراً فتأكل قصورها" يلزم أن تكون قد امتدت من صور إلى غزة على ساحل البحر الأبيض المتوسط ومن دمشق إلى ربة نبي عمون شرقي الأردن. وقيل إن كل حوض نهر الأردن بركاني أي يوجد تحته قوات إن شاء الله سخرها لتنفيذ مقاصده. هذا وغني عن البيان أن النار دائماً ترافق الزلازل الهائلة.
وإن قرأنا سفر عاموس باعتبار الزلزلة نجده أنبأ بحوادث مختلفة منها اضطرام النيران. وذكرت مراراً من أول السفر إلى آخره "يدعو مياه البحر ويصبها على وجه الأرض" (5: 8) "ويضرب البيت الكبير ردماً والبيت الصغير شقوقاً" "وترتعد الأرض" (8: 8) "ويمس الأرض فتذوب" (9: 5) "إضرب تاج العمود حتى ترتجف الأعتاب وكسرها على رؤوس جميعهم" (9: 1).
ولنلاحظ أن لهذه النبوات التي عددناها إتماماً عدا الزلزلة ألا وهو هجوم الجيوس الآشورية على البلاد اليهودية وأسر الشعب (5: 27 و 6: 14). وعدا هذا وذاك تتم النبوات المذكورة على وجه أجلي وأصرح في "يوم الرب" "استعد للقاء إلهك يا إسرائل" (4: 12).
القضاء على الأمم: يستهل عاوس النبي رسالته معلناً حلول دينونة الله على ست من الأمم المجاورة: دمشق (سوريا) وغزة (فلسطين) وصور (فينيقيا) وأدوم وعمون وموآب. فلما فرغ من إنذار هذه الأمم تمهدت له الأسباب إلى إنذار بني أمته فبدأ بإنذار يهوذا (2: 4) ثم إسرائيل (2: 6) ثم الأمة كلها (3: 1 و 2).
وقد يكون البعض ارتابوا في صحة رسالته. من أجل ذلك نجده يسألهم سبعة أسئلة إنكارية ليظهر لهم إن سر الرب لعبيده الأنبياء ولهذا لا يجد مناصاً من تبليغ رسالته إليهم (3: 3 – 8).
شهّر عاموس وشنع بخطايا إسرائيل أكثر من يهوذا. وخص بالذكر من خطاياهم حياة البذخ والغفلة مع مضايقة المساكين والسلب والكذب والغدر والرياء. وتأسف الرب عليهم لأنهم لا يقابلون قصاصاته بالإقلاع عن معاصيهم "وأنا أيضاً أعطيتكم نظافة الأسنان في جيمع مدنكم وعوز الخبز في جميع أماكنكم فلم ترجعوا إلي يقول الرب". وكرر هذا الاحتجاج مراراً، وختمه بدعوة جديدة إلى التوبة "اطلبوني فتحيوا".
خمس رؤى: تتضمن الإصحاحات الثلاثة الأخيرة خمس رؤى كشف الله بها لعاموس عن قضائه ودينونته. الأولى الجراد، الثانية النار. أما هاتان الضربتان فرفعهما الله عن الشعب بوساطة عاموس. والثالثة الريح وهذه الأخيرة لم يرفعها الله عنه لأنه قال: "لا أعود أصفح له بعد" فهاجت هذه الضربة غضب امصيا الكاهن على عاموس فوشى به عند الملك "قد فتن عليك عاموس في وسط بيت إسرائيل لا تقدر الأرض أن تطيق كل أقواله". وأثار عليه الشعب وفي الوقت نفسه نصح له أن يهرب إلى أرض يهوذا ويتنبأ هناك ويكف عن التنبؤ في عاصمة الملك. أما عاموس فلم يخش بأسه وأراه بصريح العبارة كيف أخذه الله من وراء قطعان الغنم وقلده النبوة حيث يقول "لست أنا نبياً ولا أنا ابن نبي بل راع وجاني جميز فأخذني الرب من وراء الضان وقال لي اذهب تنبأ لشعبي إسرائيل".
ثم نطق عليه بالقضاء الذي يصيبه هو نفسه، ثم ذكر بقية الرؤى غير مكترث بتهديد أمصيا ولا الملك. والرؤيا الرابعة سلة القطاف التي هي السلة الأخيرة "قد أتت النهاية على شعبي إسرائيل". ورأى النبي أن خطية الأمة نضجت وآن أوان القصاص. وفي الرؤيا الخامسة رأى الربَّ نفسه قائماً على المذبح. وختم الرائي سفره بذلك الوعد المجيد ألا وهو رجوع الشعب المختار وإقامة مظلة داود الساقطة وتحصين شقوقها أي مجيء المسيح وملكه عليهم. واقتبس هذا الوعد في سفر الأعمال (15: 15 – 17) ذكره يعقوب الرسول وطبقه على جميع المؤمنين من الأمم لأن مقاصده الصالحة إلى الأمم واليهود جميعاً وفي الوقت نفسه يقيم خيمة داود الساقطة.
- عدد الزيارات: 4709