الفصل الثامن: سفر هوشع
كان هوشع معاصراً لأشعيا وبقي يتنبأ مدة تتراوح بين الخمس والستين وبين السبعين سنة. بعثه الله رسولاً إلى أهل الجانب الشمالي من مملكة إسرائيل ولم يتعرض ليهوذا إلا في النادر. وخاطب إسرائيل تحت جملة ألقاب – مثل السامرة ويعقوب وأفرابم – وخاطبهم تحت هذا اللقب الأخير لأن أفرايم هو أكبر أسباط إسرائيل العشرة وزعيمهم في العصيانـز ويكثر هذا السفر من الاستعارات البليغة مثالها "أفرايم صار خبز ملة لم يقلب الخ". ابتدأ هوشع يتنبأ في حكم يربعام الثاني ملك إسرائيل وخلفائه. ولم يحفل النبي بذكر أسمائهم لأنهم لم يكونوا مختارين من الله (8: 4) ولا خاطر واحد منهم بعرش ملكه حباً بالله وغيرة على مجده. وكان هذا شرحاً مؤثراً لما ورد في سفر التثنية (17: 15) "فإنك تجعل عليك ملكاً الذي يختاره الرب إلهك. من وسط إخوتك تجعل عليك ملكاً. لا يحل لك أن تجعل عليك رجلاً أجنبياً ليس هو أخاك". وأما وجود سفر شريعة موسى في زمن هوشع فواضح من نصوص كثيرة نخص بالذكر النص الوارد في 8: 12.
شر الأرض: بلغت شرور بني إسرائيل في عصر هوشع النبي إلى ما ليس وراءه مزيد. والوثنية التي بدأ بها يربعام بن نباط استمرت نحو مائتي سنة وجرّت وراءها الرذيلة على أنواعها إلى أن قال هوشع شارحاً هذه الحالة التعيسة "للرب محاكمة مع سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله في الأرض. لعن وكذب وقتل وسرقة وفسق. يعتنفون" (4: 1 و 2). وسرى في البلاد رذيلة الترنح بالخمر في المواسم الوثنية. وبلغ شر كهنة الأوثان أن يكمنوا لأبناء السبيل.
الدينونة والرحمة: أرسل هوشع ليبكت الشعب على خطاياهم ويعلن لهم لطف الله وإمهاله واستعداه أن يرحمهم ويغفر لهم إن رجعوا إليه. وكانت معاملة النبي لزوجته مثالاً لمعاملة الله مع شعبه. فإن النبي أطال أناته على زوجته وقد ثبت له عدم أمانتها لعهد الزواج، وهكذا أطال الله أناته على بني إسرائيل الذين نقضوا عهده معه وعبدوا الأصنام. وبدأ الله أن يهددهم بقضائه الرهيب أولاً ثم يعقبه الرحمة. قال إنه يكون كالعث لأفرايم وكالسوس لبيت يهوذا كالأسد لأفرايم وكالشبل ليهوذا يفترس ولا منقذ من يده. قال "أقرضهم بالأنبياء أقتلهم بأقوال فمي". وأنذر بهلاك السامرة بالسيف والنار. وفي غضون تهديداته المخيفة يذكر رحمته داعياً لهم إلى التوية التي هي غاية مقصوده. قال "اذهب وارجع إلى مكاني حتى يجازوا ويطلبوا وجهي. في ضيقهم يبكرون إلي" (5: 15). ويصف النبي اهتمام الله بأفرايم، ومحبته له، وترغيبه في التوبة، تصويراً رائعاً جداً "هلاكك يا إسرائيل أنك عليّ على عونك" (13: 9؛ 11: 8). "ارجع يا إسرائيل إلى الرب إلهك لأنك قد تعثرت بإثمك. خذوا معكم كلاماً وارجعوا إلى الرب. قولوا له ارفع كل إثم واقبل حسناً ... أنا أشفي ارتدادهم. أحبهم فضلاً" (14: 1، 2، 4). ثم يلي ذلك وعدُ الله بسكب البركات عليهم فيزهرون كالسوسن وتضرب أصولهم كلبنان، ويكون بهاؤهم كالزيتون ولهم رائحة كلبنان.
المسيا: تلميحات هوشع إلى المسيح صريحة وحسنة. وكل من الرسولين بطرس وبولس يؤكد لنا أن عدد 10 من الإصحاح الأول تم في المسيح (1 بط 2: 10؛ رو 11: 25 و 26).
وفي إصحاح 3: 4 توصف حالة الشعب المختار في الزمان الحاضر. فإنهم "سيقعدون أياماً كثيرة بلا ملك وبلا رئيس وبلا ذبيحة وبلا تمثال وبلا أفود وترافيم". فالأفود علامة الكاهن فحرموا منه لأنهم رفضوا ملكهم وكاهنهم الحقيقي المقام على رتبة ملكي صادق، ولا يزالون إلى اليوم رافضين ذبيحته التي قدمها. وقال إنهم بلا تمثال وبلا ترافيم لأنهم خلصوا اليوم من الوثنية تماماً. وفي العدد التالي ينبئ برجوعهم إلى الله وطلبهم الرب إلههم وداود ملكهم – الرب يسوع المسيح.
قيامة المسيح: في إصحاح 6: 2 أصرح نبوة عن قيامة المسيح في أسفار العهد القديم: "يحيينا بعد يومين. في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه". ينبئ هنا بقيامة المسيح بعد يومين أو في اليوم الثالث وليس ذلك فقط بل ينبئ بقيامتنا فيه لنحيا أمامه حياة جديدة، كما جاء ذلك بالإيضاح في أسفار العهد الجديد. ويقول في عدد 3 "خروجه يقين كالفجر. يأتي إلينا كالمطر. كمطر متأخر يسقي الأرض". الذي قيل عنه "خروجه يقين" هو الذي قيل عنه "يحيينا" "يقيمنا" يسوع المسيح "أحشاء رحمة إلهنا التي افتقدنا بها المشرق من العلاء" وخرج من القبر في فجر القيامة كما أنبأ عنه المرنم "ينـزل مثل المطر على الزجاج ومثل الغيوث الذارفة على الأرض".
من مصر: (11: 1) "من مصر دعوت ابني". تدل هذه الآية مبدئياً على خروج الشعب المختار من أرض مصر؛ ولكنها لا تنطبق تماماً (بشارة متى 2: 15) إلا على المسيح ابن الله الوحيد.
مخلص واحد: (11: 4) "كنت أجذبهم بحبال البشر بربط المحبة". اجتذبنا المسيح بحبال البشر عندما صار بشراً ومات من أجلنا "وأنا إن ارتفعت أجذب إليّ الجميع".
"لا مخلص غيري" (13: 4). "وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم". "لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص".
(13: 14) "من يد لاهاوية أفديهم من الموت أخلصهم" "الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا".
"أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية". هذه نصرة الفداء الموعود به تحققت حينما قام يسوع من بين الأموات باكورة الراقدين.
- عدد الزيارات: 4475