الاعتراضات والرد عليها
1- [ إن الكنيسة التي يعمل الله فيها المعجزات، هي الكنيسة الحقيقية التي يجب أن ينتمي إليها جميع المسيحيين ].
الرد: (أ) إن المؤمنين الحقيقيين، الذين تفتّحت قلوبهم للرب وقبلوه بالإيمان الحقيقي مخلّصاً وفادياً لهم، لا يركضون وراء المعجزات بل وراء شخصه وحده، حتى إذا لم يعمل لهم معجزة واحدة. ذلك لأنهم وجدوا فيه كل الراحة والكفاية لنفوسهم، سواء في العالم الحاضر أو الآتي. إذ أن أكبر معجزة لديهم هي أن الله ولدهم ثانيةً (1بطرس 1: 30)، فغير اتجاه حياتهم بنقلهم من الظلمة إلى نوره العجيب (1بطرس 2: 9)، ومن الموت إلى الحياة (يوحنا 5: 24). كما أن المسيح نفسه هو لديهم معجزة المعجزات من جهة مولده العذراوي، وحياته الخالية من الخطية والمملوءة بكل برّ وصلاح، وأيضاً من جهة موته الكفاري وقيامته من بين الأموات، وصعوده بعد ذلك إلى السماء التي أتى منها في أول الأمر.
(ب) أما من جهة معجزات الشفاء وغيره، فإنها لا تنحصر في جماعة دون أخرى، لأنها تتوقف على الإيمان الحقيقي أينما وجد (لوقا 9: 49-50). كما أنها وإن كانت لها قيمتها، لكن يجب ألاّ نسلم لأول وهلة بصدقها، بل يجب أن نفحصها بكل دقة في ضوء كلمة الله. لأننا نعلم من هذه الكلمة أن الشيطان يستطيع أن يغير شكله إلى شبه ملاك نور (2كورنثوس 11: 14)، وبالأولى إلى أشباه الرسل والقديسين أيضاً. وأنه يستطيع أن يعمل معجزات يمكن أن يضلّل بها لو أمكن المختارين (متى 24: 24). فضلاً عن ذلك فإننا نعلم من كلمة الله أن الذين لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا، سيرسل الله إليهم ([1]) عمل الضلال. ومن ثم سوف يصدقون الكذب (2تسالونيكي 2: 11)، أو بالحري تعليم الشيطان، لأنه كذاب وأبو الكذاب (يوحنا 8: 44). كما أنه تعالى قد يسمح أحياناً لبعض الأشرار بعمل المعجزات، أو بتحقيق أحلام أعلنوا عنها، أو حدوث أمور أنبأوا بها ([2])، وذلك لكي يمتحن مقدار إيمان القائلين إنهم من أتباعه (تثنية 13: 1-5).
(ج) ومن ثم لا يجوز الجزم بأن المعجزات التي يُقال بحدوثها الآن إنها معمولة بواسطة الله، إلاّ إذا كانت نتيجة لصلاة البار إليه. لأن صلاته تقتدر كثيراً في فعلها (يعقوب 5: 16). والبارّ هو المؤمن الحقيقي، المقدس لله، والمعتمد عليه. والقائم بأعماله باسم المسيح وحده (يوحنا 15: 16) ، ولأجل مجده دون سواه (إشعياء 42: 8). كما أن المعجزات التي يعملها الله على يديه تكون شاملة، أي ليس لفائدة الجسد فقط، بل والروح أيضاً (لوقا 8: 35). فضلاً عن لك، فإن شخصاً يعمل الله على يديه نوعاً من المعجزات، لا يعسر عليه أن يعمل أيضاً الأنواع الأخرى منها (مرقس 16: 17و 18، متى 10: 8)، لأنه لا يعسر على الربّ أمر.
هذا مع العلم بأن أرواح القديسين الذين رقدوا (والتي يقال إن بواسطتها تعمل المعجزات في الوقت الحاضر)، هي الآن في الفردوس متأثّرة بكلياتها وجزئياتها بجلال الله ومحبته ([3]). ومن ثم لا يمكن أن يشغلها عن التمتع به والتعبد له شيء ما ([4])، أو بالحري لا يمكن أن تتأثر بظروف سكان الأرض على الإطلاق ([5])، وإلاّ لكانت مع وجودها في الفردوس تتألّم لآلامهم، فيصبح الفردوس جحيماً لها، وهذا باطل ـ وقد شهد بهذه الحقيقة قدامى الأرثوذكس فقالوا "إن أرواح الطاهرين في الأبدية لا تتصوّر هناك شيئاً من الخلائق أو تربط به، لأن الله يكون لها هو الكل في الكل" (حياة الصلاة الأرثوذكسية ص12).
أخيراً نقول إن أقرب القديسين إلى الله كانوا لا يعبئون أيضاً بالرؤى أو الأحلام أو الإعلانات. فقد قال يوحنا الصليبي (الكاثوليكي)، أكبر المتصوفين المسيحيين في القرن السادس عشر، "إن الله وهبنا نور العقل، ولذلك ينبغي أن لا ننحرف إلى نور آخر مثل الإعلانات والرؤى وما شابه ذلك".
وقال أيضاً "إذا كانت الإعلانات والرؤى والأحلام تؤثّر على الحواس الجسدية وحدها، لا تكون من الله على الإطلاق. ومع كل فمهما كان مصدرها، فإنها تعوق المؤمن عن الاتحاد الحقيقي بالله، لأن هذا لا يكون إلاّ بالإيمان ([6]) والإيمان هو السير مع الله، دون التأثر بمنظور أو محسوس، بل بكلمته تعالى دون سواها".
2- [إن المسيح قال لبطرس الرسول: "أنتَ بطرس ([7]). وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16: 18). ومن ثم تكون الكنيسة الكاثوليكية بروما التي أسسها بطرس الرسول، هي الكنيسة التي يجب أن ينتمي إليها كل المسيحيين، حتى يتمتّعوا بالخلاص الأبدي ].
الرد: فضلاً عن أن الذي نادى بالمسيحية بروما، هو بولس الرسول كما يتّضح من رسالته إليها، وأن الخلاص من العذاب الأبدي هو الاقتران بالمسيح مباشرةً عن طريق الإيمان القلبي به، وليس بواسطة الانتساب إلى رسول من الرسل، لأن له المجد هو وحده المخلّص (يوحنا 4: 34)، الأمر الذي لا يدع مجالاً لهذا الاعتراض نقول:
(أ) لو أن المسيح قصد أن يبني كنيسته على بطرس، لكان قد قال له: أنت بطرس، وعليك أبني كنيستي. كما أن كلمة "الصخرة" الواردة في هذه الآية، لا يُراد بها بطرس، بل يُراد بها (كما يتّضح من دراستها مع الآيات التي على شاكلتها)، الإيمان الذي تلقاه بطرس من الله الآب من جهة شخصية المسيح. لأنه له المجد هو المرموز إليه في الوحي الإلهي، بالصخرة. فقد قال الرسول عن اليهود قديماً "وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً (أو رمزياً)، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية (أو رمزية) تابعتهم، والصخرة كانت المسيح" (1كورنثوس 10: 24). فضلاً عن ذلك، فإننا إذا رجعنا إلى رسالتي بطرس، لا نرى أنه يدعو نفسه الصخرة، بل يعلن أن الصخرة هي المسيح. فقد قال عنه إنه صار لليهود الذين رفضوه، "صخرة عثرة" أي الصخرة التي لم يشاؤوا أن يعتمدوا عليها (أو بالحري أن يؤمنوا بها) فعثروا وسقطوا (1بطرس 2: 2-8)، أو بالحري هلكوا إلى الأبد. أما من جهة الذين قبلوه، فقال لهم عنه "الذي إذ تأتون إليه (تجدونه) حجراً حياً..." (1بطرس 2: 4)، وذلك من جهة كونه مصدر الحياة الراسخ لكل المؤمنين المرتبطين به.
(ب) كما أننا إذا رجعنا إلى رسائل بولس الرسول، نراه يعلن لنا أن المسيح هو أساس المؤمنين. فقد قال "فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً غير الذي وضع، الذي هو يسوع المسيح" (1كورنثوس 3: 11) - ومن البديهي أن يكون الأمر كذلك، لأنه لو كانت الكنيسة بنيت على بطرس، لانهارت من زمن وقويت عليها أبواب الجحيم، إذ أن بطرس كان كثير الأخطاء (اقرأ مثلاً: متى 16: 23، 26: 69-75)، الأمر الذي لا يجعله أهلاً لأن يكون أساساً للمؤمنين.
3- [ إن الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية هما أقدم الكنائس وأقربها إلى الرسل، ومن ثم يجب أن ينتمي كل المسيحيين إلى إحداهما ].
الرد: فضلاً عن أن المؤمنين الحقيقيين لا ينتمون جوهرياً إلى طائفة بل إلى المسيح، لأنه مخلّصهم ورأسهم ومصدر حياتهم، وإليه وحده مآلهم، وفضلاً عن أن الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية لم يكن لهما وجود في العصر الرسولي بل نشأتا في القرنين الثالث والرابع، وفضلاً عن أن صدق العقائد الدينية لا يُقاس بالنسبة إلى قدمها، أو اسم الطائفة التي تتمسّك بها، بل بالنسبة إلى ما جاء في الكتاب المقدس عنها، لأنه وحي الله الذي لا يأتيه الباطل من ناحية ما، الأمر الذي لا يدع مجالاً لهذا الاعتراض نقول:
(أ) إن المسيحيين، كما ذكرنا فيما سلف، كانوا في أول نشأتهم يتمسّكون بالكتاب المقدس دون سواه، ومن ثم كانت لهم في كل البلاد عقائد واحدة. لكن ظهرت البدع في القرن الثاني، أطلق المقاومون لها على أنفسهم "أرثوذكس"، أي
" مستقيمي الرأي". أما الكنيسة الأرثوذكسية من حيث هي جماعة لها كيانها الخاص، فلم تتكون إلاّ حوالي سنة 387م (تاريخ الآباء في القرون الثلاثة الأولى ص120)، أي بعد ظهور اسم الكاثوليكية (أو الكنيسة الجامعة) بمدة 180 سنة.
(ب) ولما حدث نـزاع بين المسيحيين بشأن طبيعة المسيح سنة 451م، انقسم المسيحيون إلى قسمين، قال القسم الأول: إن المسيح له طبيعتان متميزتان، ويشمل هذا القسم الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، أم القسم الثاني فقال: إن المسيح جعل الناسوت واحداً مع اللاهوت، ومن ثم تكون له طبيعة واحدة، ويشمل هذا القسم الكنيسة الأرثوذكسية بمصر وغيرها من بلاد الشرق. وكان من جراء هذا الانقسام أن انفصلت هاتان الكنيستان إحداهما عن الأخرى، واستحدثت كل منهما على ممر السنين عقائد خاصة بها.
(ج) مما تقدم يتضح لنا أنه فضلاً عن أن الكنيسة المسيحية الحقيقية لا تحدّها طائفة ما، لأنها تتكوّن من المؤمنين الحقيقيين في كل الطوائف المسيحية كما ذكرنا، الأمر الذي لا يدع مجالاً للقول إن الكنيسة الحقيقية هي الأرثوذكسية أو الكاثوليكية. فإننا إذا وضعنا أمامنا أن الكنيسة من الناحية الموضوعية الظاهرية تكون (كما قيل في القانون المسمى قانون الإيمان) واحدة (لا ثاني لها)، وجامعة (أي تشمل جميع المؤمنين الحقيقيين في كل العالم)، ومقدّسة (أي منفصلة عن الشر وملتصقة بالرب)، ورسولية (أي أن تعليمها هو تعليم الرسل الوارد في الكتاب المقدس، دون زيادة أو نقص)، اتّضح لنا أنه لا يمكن أن تكون الكنيسة الحقيقية حتى من الناحية الموضوعية الظاهرية، هي الكنيسة الأرثوذكسية أو الكاثوليكية أو الإنجيلية أو غيرها من الكنائس المعروفة لدينا، لأنه فضلاً عن أنه لا تشمل إحداها كل المؤمنين الحقيقيين في العالم، فإنه يوجد في كل منها أشخاص أشرار يعيشون بعيداً عن الله كل البعد.
كما أننا إذا وضعنا أمامنا أن الكنيسة التي تدعى الأرثوذكسية أو المستقيمة الرأي، لم تتمسّك بالكتاب المقدس وحده، بل تمسّكت أيضاً (مع الكنيسة التي تدعى الكاثوليكية) بأقوال بعض القدماء الذين أساؤوا فهم بعض الآيات الواردة في هذه الكتاب، لا سيّما ما يختصّ منها بالعشاء الرباني والكهنوت، اتّضح لنا أن هذه الكنيسة أصبحت تقليدية لا أرثوذكسية، لأن الأرثوذكسية (كما ذكرنا) معناها استقامة الرأي، وليس هناك مجال لاستقامة الرأي إلاّ في نطاق الكتاب المقدّس ([8]) ومن ثم فالاعتقاد [بوجوب الانتماء إلى الكنيسة الأرثوذكسية أو الكاثوليكية] يدل على التحيز الطائفي، دون التمسّك بالحق الإلهي.
4- [ إن المسيح لا يعطي بركات الخلاص لكل من يؤمن به على حدى، بل أودع هذه البركات في الكنيسة. والدليل على ذلك أنه عندما ظهر لشاول (الذي صار فيما بعد بولس الرسول، لم يرشده إلى الخلاص، بل أرسل إليه حنانيا لكي يقوم بهذه المهمة. كما أن الملاك نفسه لم يجرؤ على القيام بإرشاد كرنيليوس إلى الخلاص، بل طلب منه أن يستدعي بطرس لكي يرشده إليه، وهذا ما يجعل الخلاص وقفاً على الانتماء إلى الكنيسة ].
الرد: (أ) فضلاً عن أن حنانيا وبطرس هما الكنيسة، الأمر الذي لا يدع مجالاً لهذا الاعتراض نقول: إن المعترض يقصد بالكنيسة التي ذكرها، الكنيسة الأرثوذكسية أو الكاثوليكية، لأنه ينظر إلى الجماعات المسيحية الأخرى كخوارج. لكن غاب عن ذهنه أن الكنيسة مهما كان شأنها، ليست هي التي تخلّص من ينتمون إليها، لأن الذي يخلّص البشر جميعاً هو المسيح دون سواه. والدليل على ذلك أنه يوجد في كل طائفة من الطوائف المسيحية (وفي مقدمتها ما يطلق عليها الكنيسة الأرثوذكسية أو الكاثوليكية) أشخاص أشرار ومؤمنون بالاسم فحسب، وهؤلاء وأولئك لا خلاص لهم على الإطلاق.
وبما أن المسيح هو الذي يخلّص، يجب على الذين يريدون الحصول على الخلاص أن يتجهوا إليه وحده، تائبين عن خطاياهم ومؤمنون به إيماناً حقيقياً. وقد قصد المسيح أن يحتفظ بالخلاص في يده فقط، لأسباب هامة منها:
1- أنه وحده الذي عمل الخلاص، وذلك بتقديم نفسه كفارةً على الصليب، ومن ثم فهو وحده الذي له الحق في إعطائه للمحتاجين إليه.
2- إنه رأس المؤمنين، ولا يليق أن يكون هناك فاصل ما بين الرأس وبين أعضاء الجسد.
3- إن الأشخاص المتغرّبين في بلاد ليست بها كنيسة أرثوذكسية أو كاثوليكية (مثلاً) لا يمكن أن يحصلوا على الخلاص، إذا كان متوقفاً على الانتماء إلى هاتين الكنيستين، وهذا باطل.
4- إن المسيح أكثر عطفاً علينا من أتقى الناس في أي طائفة من الطوائف، كما يمكن الالتجاء إليه في أي وقت من الأوقات. أما لو كان الخلاص في يد جماعة من الناس، لاحتكروه لأنفسهم، أو أعطوه فقط للمقربين إليهم، أو للذين يقدّمون لهم فروض الطاعة ويجزلون لهم العطاء.
5- فضلاً عن ذلك، إذا لم تكن للمؤمنين علاقة مباشرة مع المسيح بالروح القدس في العالم الحاضر، لا يمكن أن تكون لهم علاقة معه بعد انطلاقهم من هذا العالم، ومن ثم يكون الخلاص بواسطة الاتصال بالمسيح، وليس بواسطة الانتماء إلى كنيسة خاصة.
(ب) ولذلك إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس، نرى أن المسيح لا يقول للتعابى (سواء من هموم العالم أو من الخطية): اذهبوا (مثلاً) إلى بطرس أو مرقس، بل يقول لهم "تعالوا إليَّ (أنا)، و أنا أريحكم … تعلّموا مني (أنا) فتجدوا الراحة لنفوسكم" (متى 11: 28). ويقول لهم أيضاً "لا تدعوا لكم معلّماً على الأرض، لأن معلّمكم واحد هو المسيح" (متى 23: 8). وأيضاً "التفتوا إليّ (أنا) واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض" (إشعياء 45: 22)، لأن "من يقبل إليَّ (أنا)، لا أخرجه خارجاً" (يوحنا 6: 27)، وهلمّ جرا.
لكن وإن كان الخلاص في يد الربّ وحده، غير أن هذا لا يدعو من يؤمن به إلى الانعزال عن باقي المؤمنين به، بل العكس يدعوه إلى الالتصاق بهم والاتحاد معهم، لأنه وإياهم أعضاء في جسد المسيح الروحي الواحد. ولذلك قال الرسول لتيموثاوس "… واتبع البرّ والإيمان والمحبة والسلام مع (المؤمنين الحقيقيين) الذين يدعون الربّ من قلبٍ نقي" (2تيموثاوس 2: 22). وقال للمؤمنين جميعاً "مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام: جسد واحد، وروح واحد، كما دعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد". ثم قال لهم عن المسيح "الذي منه كل الجسد مركباً معاً ومقترناً بمؤازرة كل مفصل حسب عمل، على قياس كل جزء، يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة" (أفسس 4: 4-16).
(ج) أما من جهة الاقتباس الواردين في الاعتراض الذي نحن بصدده، فإن الغرض من إرسال حنانيا إلى شاول، وبطرس إلى كرنيليوس، يرجع إلى أنهما كانا من أتباع الربّ العارفين بطريق الخلاص، كما أنه لو كان شاول وكرنيليوس قد تلقيا معرفة هذا الطريق بواسطة ملاك ما، لظلاّ بعيدين عن جماعة الربّ على الأرض، وحرما تبعاً لذلك من بركة التعضيد في الحياة الروحية، لأنه لا سبيل إلى هذه البركة إلاّ بالوجود مع باقي المؤمنين الحقيقيين، إذ أنهما معاً كالبنيان يشدّ أحدهم أزر الآخر.
مما تقدّم يتّضح لنا أن انقسام المسيحيين إلى طوائف متعددة يرجع إلى التفاف كل فريق منهم حول رئيس ديني معين، وعلى أساس عقائد وتقاليد خاصة، لكن لو نظر المؤمنون الحقيقيون إلى أنفسهم في ضوء كلمة الله، لوجدوا أنهم على الرغم من اختلاف طوائفهم، هم واحد في المسيح، لأنهم حقاً أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه (أفسس 5: 30) ، ولأحبوا بعضهم بعضاً من قلب طاهر بشدة (1بطرس 1: 22)، ولتكاتفوا معاً في عبادته ونشر إنجيله والسير في سبيله. لأنه وإن كانت الوحدة الظاهرية هامة، لكن الوحدة الجوهرية أهم منها كثيراً.
فليتهم جميعاً ينظرون هذه النظرة الروحية السليمة، لأجل مجد الله وخير نفوسهم العزيزة، آمين.
[1] - أو بالحري سيسمح بإرسال هذا العمل إليهم، لأنهم رفضوا حقه وركضوا وراء الخرافات ـ وذلك طبقاً لمعاملته العادلة مع جميع الناس (متى 13: 12).
[2] - طبعاً تكون هذه كلها، بعمل الأرواح الشريرة.
[3] - فالرسول بولس موجود مع المسيح الآن (فيلبي 1: 23)، هو واللص الذي تاب وآمن قبل موته (لوقا 23: 43)، وهكذا الحال من جهة الرسل والمؤمنين الحقيقيين الذين رقدوا في العهد الجديد. كما أن مؤمني العهد القديم أمثال إبراهيم واسحق ويعقوب وموسى وغيرها، موجودون الآن أيضاً مع شخصه المبارك (متى 22: 32).
[4] - ولإيضاح هذه الحقيقة لنفرض أن أشهر الوعاظ حضر إلينا، فإن أنظارنا جميعاً تتجه إليه. ولو فرضنا أنه حضر بعد ذلك بولس الرسول، فإن نظر الواعظ المذكور وأنظارنا جميعاً تتجه معاً إلى هذا الرسول. ولو فرضنا أنه حضر بعدهما يسوع المسيح، فإن نظر كل من الواعظ وبولس، مع أنظارنا جميعاً أيضاً، تتجه إليه وحده وتقع تحت تأثيره وحده.
[5] - وبالتالي لا يمكن أن تظهر لهم بهيئة ما.
[6] - عن كتاب في "رحلة إلى الله" (تحت الطبع) ترجمة الدكتور عزت زكي.
[7] - وكأن المسيح يقول له: أنت قلت عني إنني المسيح ابن الله الحي، وأنا أقول عنك أنك بطرس أي الثابت في الإيمان، لأن كلمة "بطرس" معناها صخرة، وأهم خصائص الصخرة الثبات.
[8] - إذا كان الأمر كذلك، أدركنا أن الكنائس التقليدية تحارب الأرثوذكسية ولا تدافع عنها !!
- عدد الزيارات: 3789