Skip to main content

الحجج الخاصة بالأسرار والتعليم، والرد عليها

1- [إن الرسل وحدهم هم وكلاء سرائر الله (1كورنثوس 4: 10)، ومن ثم يجب أن يكون لهم خلفاء لكي يقوموا بها ].

الرد: (أ) فضلاً عن أنه ليس هناك مجال للخلافة الرسولية كما ذكرنا، نقول: إن الأسرار أو السرائر ليست بركات غير منظورة تعطى بوسائل منظورة كما يقول بعض المسيحيين، لأنه ليس هناك مجال لاستنتاج هذا التعريف من الكتاب المقدس، بل هي، كما يتّضح من هذا الكتاب، حقائق كانت سراً عند الله (أو بالحري كانت معروفة لديه وحده أزلاً) ثم أعلنها للرسل بالوحي في العهد الجديد. وبعد ذلك قام الرسل بتسجيلها بالوحي أيضاً، لفائدة المسيحيين في كل البلاد والعصور، ومن ثم لم تعد أسراراً بالنسبة لهم. فقد قال الوحي (مثلاً) عن "سر المسيح": "الذي في أجيال أخر لم يعرف به بنو البشر، كما قد أعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه (في العهد الجديد) بالروح، أن الأمم شركاء في الميراث والجسد ([1]) ونوال موعده في المسيح بالإنجيل" (أفسس 3: 4-5).

وعدا "سر المسيح" الذي ذكرناه، هناك أسرار أو سرائر أخرى نذكر منها: "سر الآب والمسيح" (كولوسي 2: 2-9)، و "سر التقوى" (1تيموثاوس 3: 16)، و "سر مشيئة الله" (أفسس 1: 9)، و "سر المسيح والكنيسة" (أفسس 2: 32)، و "سر الإنجيل" (6: 19)، و "سر الإيمان" (1تيموثاوس 3: 9)، و"سر اختطاف بعض المؤمنين إلى السماء دون أن يذوقوا الموت" (1كورنثوس 15: 15)، و "سر السبعة كواكب" (رؤيا 1: 20)، أو بالحري الأخبار الخاصة بالكنيسة في كل أدوارها على الأرض، و"أسرار ملكوت السموات" الخاصة بتدبيرات الله السياسية من جهة ملكوته في العالم الحاضر (متى 13: 11، مرقس 4: 11، لوقا 8: 10)، و "سر دخول ملء الأمم، ورجوع الأتقياء من اليهود إلى الرب" (رومية 11: 25)، و "سر الإثم" (2تسالونيكي 2: 7)، و "سر بابل العظيمة أم الزواني" (رؤيا 17: 5) التي هي مصدر الوثنية أو الانحراف عن الله ـ وهذه الأسرار ليست لها شعائر أو طقوس، حتى كان يجوز الظن أنها تتطلب وجود أشخاص يمارسونها، بل إنها حقائق موحى بها تقبل كما هي بالإيمان، دون وساطة وسيط.

(ب) أما ما تسمى "الأسرار السبعة" عند بعض المسيحيين (وهي سرّ المعمودية وسرّ الاعتراف وسرّ التناول وسر الميرون وسر مسحة المرضى وسر الكهنوت وسر الزيجة) فليس لها أساس في الكتاب المقدس كأسرار، حتى كان يجوز القول بوجود خلفاء للرسل لممارستها. ولكي يقف القراء على منشأ هذه الأسرار والأدوار التي مرّت بها نقول باختصار ([2]):

إن كلمة "سر"، بجانب استعمالها بالمعنى المعروف لدينا (وهو الخبر الغير المعروف)، كانت تستعمل في القرن الثاني لدى بعض المسيحيين للتعبير عن "العهد المقدس" بين الله وبين الناس. كما كانت تستعمل للتعبير عن الأمور التي تترتب عليها نتائج روحية هامة، مثل الصلاة والفداء والقيامة. وأيضاً للتعبير عن الملح الذي كان يعطى للموعوظين كعلامة على أنهم أصبحوا كالملح الذي يصلح المجال الذي يوضع فيه.

وفي أواخر هذا القرن استعملها بعض رجال الدين بمعنى علامة منظورة تدلّ على حقيقة غير منظورة، وقد استعملت بهذا المعنى للمعمودية والعشاء الرباني وزيت المسحة. ثم للكهنوت بالمعنى الحرفي في أواخر القرن الثالث. وبذلك أصبحت الأمور التي تدعى عندهم أسراراً بالمعنى المذكور، أربعة فقط.

ولكن لم يكد يظهر القرن الرابع، حتى أخذ بعض رجال الدين يحيطون المسيحية بمظاهر من الهيبة الشكلية، وذلك في نظر الناس الذين لا يدركون هيبتها الروحية، فأطلقوا على الكثير مما يجري في نطاقها من أعمال، أسراراً. وقد بلغت هذه الأعمال 12 في القرن التاسع، ثم 30 في القرن العاشر. وبعد ذلك اختصروها إلى 7 أسرار باعتبار السبعة عدداً كاملاً، وكان أول من نادى بذلك (بطرس لمبارد) سنة 1164. وفي مجمع فلورنسا سنة 1439 عرف بعض رجال الدين السرّ بأنه علامة منظورة تحل بواسطتها نعمة غير منظورة ـ وهذا التعريف لا أساس له في الكتاب المقدس، لأنه يعلمنا أن النعمة لا تحل في المواد مثل الماء والزيت والخبز والخمر، ثم تنتقل إلى الشخص الذي يستعملها، بل تنتقل مباشرةً من الله إلى النفوس المؤمنة به والمنفتحة له.

2- [ إن المسيح قال للرسل: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. ومن ثم يجب أن يكون هناك خلفاء لهم، لكي يتحقق وعد المسيح بمرافقة أشخاص معينين من قبله يقومون إلى آخر الدهر بالأعمال التي أسندها للرسل ].

الرد: إن وعد الرب بمرافقة الرسل لم يكن موجهاً إليهم وحدهم، حتى كان يجوز القول بوجوب وجود خلفاء لهم، لكي يتحقق وعد الرب بمرافقة الرسل إلى نهاية الدهر كما يقال، بل كان موجهاً إلى جميع المؤمنين الحقيقيين في كل العالم في أشخاص الرسل، وذلك بوصف الرسل باكورة المؤمنين المذكورين، لأنه (له المجد) أعلن أنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه من هؤلاء، هناك يكون في وسطهم (متى 18: 20)، ومن ثم ليس هناك مجال لهذه الحجة.

3- [ إن المسيح قال للرسل: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به". وقال لهم أيضاً: "الذي يسمع منكم، يسمع مني. والذي يرذلكم، يرذلني". وبما أن الرسل لم يذهبوا إلى جميع الأمم لنشر الإنجيل، لذلك من الواجب أن يكون لهم خلفاء يقومون بهذه الخدمة من بعدهم، حتى يتحقق أمر الرب للرسل، ويتحقق أيضاً وعده بوجود أشخاص يكونون في مركزه، يجب أن يسمع الناس لتعليمهم، وإلاّ يكونون قد رذلوه شخصياً ].

الرد: (أ) فضلاً عن أنه ليس هناك مجال للخلافة الرسولية كما ذكرنا، نقول: إن المهمة التي أقام المسيح الرسل لتأديتها كانت تنحصر في تلقي الوحي، وإعلانه بعد ذلك للناس مؤيداً بالقوى المعجزية. وبما أنهم قاموا بهاتين الخدمتين إلى التمام، كما سجلوا (وهم في حالة العصمة من الخطأ) كل الوحي الذي تلقوه، في الكتاب (2تيموثاوس 3: 17) الذي بين أيدينا، لم تعد هناك حاجة إلى خلفاء لهم للقيام بالخدمتين المذكورتين، لأن من يسمع من هذا الكتاب يكون قد سمع من المسيح، ومن يرذل هذا الكتاب يكون قد رذل المسيح.

(ب) ومما يثبت أن خدمة الرسل قد انتهت في العالم بتسجيل الوحي الإلهي، أن الله قصد أن ينشر الإنجيل بيننا ويثبته، ليس بواسطة خلفاء الرسل، بل بواسطة أنبياء ومبشّرين ورعاة ومعلّمين، ولا يزال الكثير من هؤلاء جميعاً بيننا إلى الوقت الحاضر. فقد قال الرسول عن الله "فوضع أناساً في الكنيسة: أولاً رسلاً، ثانياً أنبياء، ثالثاً معلمين، …" (1كورنثوس 12: 28). وقال أيضاً عنه "وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً، والبعض أنبياء والبعض مبشّرين، والبعض رعاة ومعلّمين، لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح" (أفسس 4: 11-12).

أخيراً نقول إن الرب لم يأمر الرسل بأن يتلمذوا أشخاصاً معينين (حتى كان يجوز الظن بأنه طلب منهم أن يقيموا خلفاء لهم)، بل أمرهم أن يتلمذوا جميع الأمم بدون استثناء، لكي يحفظوا هم أيضاً الوصايا التي أعطاها للرسل من قبل، ومن ثم ليس هناك مجال لهذه الحجة.

4- [ إن المسيح قال لنا: "على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه، فاحفظوه واعملوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا" (متى 23: 3)، الأمر الذي يدل على وجوب وجود خلفاء للرسل يجلسون على كراسيهم، ليتولوا دون غيرهم تعليم الناس وإرشادهم بسلطان إلهي ].

الرد: (أ) فضلاً عن أنه ليس هناك مجال للخلافة الرسولية كما ذكرنا، نقول: إن موسى لم يكن له إلاّ خليفة واحد، هو يشوع بن نون، وبموت يشوع هذا انقطعت الخلافة لموسى نهائياً، إذ لم يعد هناك مجال لها بعد، ولذلك فالمراد بكرسي موسى هنا، ليس مركز الخلافة أو الرياسة بل مركز التعليم والإرشاد. ويرجع السبب في وصية المسيح لليهود التي نحن بصددها، إلى أن التوراة التي تتضمن أحكام الله في العهد القديم، لم تكن منتشرة بين اليهود قديماً، لعدم وجود مطابع وقتئذٍ من ناحية، وللقيود الشديدة التي كانت تفرض على القائمين بكتابة نسخ منها بأيديهم من ناحية أخرى، ومن ثم لم يكن يقتني نسخة من التوراة إلاّ علماء الدين. وبناءً على ذلك، لم يكن هناك سبيل أمام اليهودي العادي الذي يريد معرفة شيء من أحكام الله، سوى الالتجاء إلى هؤلاء العلماء، وكان من الواجب عليه أن يعمل بكل ما يقولونه له، وذلك تحت مسؤوليتهم.

(ب) أما في العهد الجديد فيوجد الكتاب المقدس بين أيدينا جميعاً، وفيه كل الكفاية لإرشادنا وهدايتنا كما ذكرنا. ومن ثم فنحن تحت التزام بأن نعمل بأنفسنا بكل ما جاء به، حتى إذا أفتانا بعض رجال الدين بيننا بغير ذلك. فمثلاً إذا أشاروا على واحد منا أن يطلق زوجته لغير علة الزنا، ثم نفّذ مشورتهم يكون معتدياً على شريعة الله، وعليه تقع مسؤولية ارتكاب هذا الجرم، لأنه أطاع رجال الدين وخالف وصية الله التي بين يديه . لكن إذا كان بيننا شخص يجهل وصية الله من جهة أمر ما، فيمكنه أن يطلب الإرشاد من العارفين بها ـ وإرشاد هؤلاء له، وإن كان عملاً طيباً، غير أنه لا يرفعهم (طبعاً) إلى مركز خلفاء للرسل، لأنهم لا يكونون أكثر من مرشدين أو معلمين مثل غيرهم من العارفين بكلمة الله العديدين. فإذا أضفنا إلى ما تقدّم أن الرسل لم يتركوا عملهم ناقصاً بل أكملوه إلى التمام([3])، حتى أن واحداً منهم خاطب المؤمنين بالقول "لكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيماً (أي محروماً)" (غلاطية 1: 8) . وخاطبهم آخر بأن الإيمان قد سلّم (بواسطة الرسل) مرة واحدة (أو بالحري دفعة واحدة) للقديسين (يهوذا 3)، اتّضح لنا أنه ليس هناك مجال أيضاً لإقامة خلفاء للرسل لأي غرض من الأغراض.


[1] - أي شركاء في جسد المسيح الروحي الذي هو الكنيسة، بعد أن كانوا منفصلين عن الله كل الانفصال.

[2] - لأن الرسل، بالإضافة إلى أنهم أعلنوا للخطاة طريق الخلاص من سلطان الخطية وعقوبتها أعلنوا للمؤمنين كل ما يجب أن يعرفوه على مدى الحياة. وذلك في رسائلهم الخالدة التي تعتبر بحق قانون الإيمان المسيحي، الذي يجب السير على مقتضاه إلى نهاية الدهر. أما القول (إن تعليم الرسل كان للخلاص فقط، لكن تقليد الآباء الذين أتوا بعد الرسل، فهو لبلوغ الكمال) فليس بصواب. لأن الوحي شهد أن الكتاب المقدس كاف لكي يجعل الإنسان كاملاً ومتأهباً لكل عمل صالح (2تيموثاوس 2: 16 و 17).

[3] - عن (أ) كلمتي “Mystry” و “Sacrament” في دوائر المعارف الإنجليزية

(ب) A text Book of History of Doctrines p.p. 51-53

  • عدد الزيارات: 2913