Skip to main content

الحجج الكتابية، والردّ عليها

الباب الخامس: الحجج الخاصة بالاعتراف والحصول على الغفران

1- [ قال يعقوب الرسول: "اعترفوا بعضكم لبعض بالزلاّت، وصلّوا بعضكم لأجل بعض لكي تشفوا" (يعقوب 5: 17) ـ فهذه الآية والآية السابقة لها تدلان على وجوب وجود قسوس في كل كنيسة لكي نعترف أمامهم بخطايانا، حتى ننال الصفح والغفران ].

الرد: إننا لا ننكر أهمية وجود قسوس بين كل جماعة مسيحية، يكونون شيوخاً في السن وفي الإيمان، وذلك لرعاية المؤمنين الذين فيها، ولكن ما ننكره هو أنه يجب أن نعترف لهؤلاء القسوس بخطايانا حتى ننال غفراناً لها، كما يتّضح لنا مما يلي:

(أ) إن الآية التي نحن بصددها لا تدل على أن المؤمنين يجب أن يعترفوا بخطاياهم للقسوس أو الشيوخ، بل أن يعترفوا بها للأشخاص الذين يُخطئون إليهم. فإذا كانوا يخطئون إلى القسوس (مثلاً) يجب أن يعترفوا لهم. وعلى هذا النسق نفسه، إذا كان القسوس يُخطئون إلى إخوتهم المؤمنين من غير القسوس زملائهم، يجب أن يعترفوا بدورهم لهؤلاء المؤمنين. لأن هذا هو المعنى الواضح لقول الوحي "اعترفوا بعضكم لبعض بالزلاّت، وصلّوا بعضكم لأجل بعضٍ". كما أن هذه الآية لا تقول إن القسوس يغفرون الخطية، أو يتوسطون لله لأجل غفرانها (حتى يجوز القول بضرورة وجود أشخاص أقرب إلى الله منا يقومون بأحد هذين العملين)، بل تقول (كما يتّضح من الآية السابقة التي نحن بصددها) "وإن كان قد فعل (المريض) خطية، تغفر له"، أي أن الله هو الذي يغفرها له وليس القسوس. لأنه ليس هناك ما يدعو الوحي إلى استعمال صيغة المبني للمجهول في الآية المذكورة، لو كان القسوس المذكورون فيها هم الذين يغفرون الخطية.

2- [ قال الوحي عن اليهود إنهم اعتمدوا من يوحنا معترفين بخطاياهم (متى 3: 6)، وإن الذين آمنوا بالمسيح كانوا يأتون إلى الرسل معترفين ومخبرين بأفعالهم (أعمال 19: 18). ومن ثم يجب أن يكون في الكنيسة خلفاء للرسل نعترف أمامهم بخطايانا، حتى ننال الصفح والغفران.

الرد: فضلاً عن أنه ليس هناك مجال لوجود خلفاء للرسل كما ذكرنا فيما سلف، فإن هاتين الآيتين لا تدلان على أن الاعتراف يجب أن يكون سرياً أمام أشخاص أياً كان مقامهم، حتى نحصل بواسطتهم على الغفران (كما هو متبع عند القائلين بوجود كهنة بالمعنى الحرفي لديهم في الوقت الحاضر)، بل تدلان على أن هذا الاعتراف يجب أن يكون علنياً، وذلك للشهادة على نعمة الله التي تخلص من الخطية وتغفرها. وهذا ما يليق بنا جميعاً أن نفعله، عندما نخبر بفضائل الذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب (1بطرس 2: 9). وقد سبقنا بولس الرسول إلى هذا الاعتراف، فقال "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول، أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلّص الخطاة الذين أولهم أنا" (1تيموثاوس 1: 15). كما أن المعترفين بخطاياهم في أيام يوحنا المعمدان، لم يقبلوا الغفران منه بل من الرب يسوع نفسه (الذي كان يوحنا قد أنبأ في أيامه بمجيئه) وذلك بواسطة الإيمان القلبي بشخصه (لوقا 1: 76-77). لأنه له المجد هو وحده الذي يغفر الخطايا لمن يعترف بها ويؤمن به إيماناً حقيقياً (لوقا 7: 36-50). وهكذا الحال من جهة المعترفين بخطاياهم في أيام الرسل، فإنهم لم يتقبلوا الغفران منهم، بل من الربّ يسوع نفسه أيضاً، وذلك بواسطة الإيمان الحقيقي بشخصه. فقد قال بطرس الرسول عنه "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به، ينال باسمه غفران الخطايا" (أعمال 10: 43).

3- [قال الله لموسى النبي: "فإن كان يذنب (إنسان) في شيء من هذه (الوصايا)، فيقرّ بما أخطأ به، ويأتي إلى الربّ (عن طريق الكاهن) بذبيحة لإثمه" (لاويين 5: 5)، الأمر الذي يدل على وجوب اعتراف المخطئ في الوقت الحاضر أمام كاهن أو أي شخص يقوم مقامه، حتى تغفر له].

الرد: فضلاً عن أنه ليس هناك أي دليل كتابي على وجود كهنة بالمعنى الحرفي في العهد الجديد، كما ذكرنا بالتفصيل في كتاب "كهنوت المؤمنين" الأمر الذي لا يدع مجالاً للنظر في هذه الحجة أو غيرها من مثيلاتها، نقول:

(أ) إن الإقرار أو الاعتراف الوارد هنا لم يكن سرياً بل علنياً، ولم يكن الغرض منه أن يغفر الكاهن في العهد القديم خطية المذنب، بل أن يطلب منه الذبيحة القانونية حتى بتقديمها لله، يغفر الله له خطيته. ولكن لا يمكن أن يكون هذا هو الحال معنا في العهد الجديد، لأننا نعلم أن المسيح قدّم نفسه ذبيحة لله، وأن ذبيحته قد وفت كل مطالب عدالة الله وقداسته إلى الأبد (يوحنا 19: 30)، حتى أعلن الوحي أنه
"لا يكون بعد قربان عن الخطية" (عبرانيين 10: 18). ومن ثم لا يتطلب الأمر منا إذا أخطأنا، أن نقدّم أي ذبيحة (أو يقدّمها أحد لأجلنا) لكي نحصل على الغفران.

(ب) فضلاً عن ذلك، فالمسيح كما أنه الذبيحة، هو أيضاً الكاهن (عبرانيين 10: 11)، كما ذكرنا بالتفصيل في كتاب (كهنوت المسيح). ومن ثم فالاعتراف بالخطية يكون أمامه وحده. وذلك للسببين الآتيين:

(أولاً) إنه معنا في كل حين، الأمر الذي ييسّر لنا الاعتراف له في الحال بالخطية التي نقع فيها، حتى ننال غفراناً سريعاً عنها يحررنا من ثقلها على نفوسنا، ويُهيّئنا لاستئناف الشركة الروحية مع الله. (ثانياً) إن الاعتراف يكون للمخطأ إليه، والذي نُخطئ إليه هو المسيح وحده، لأنه صاحب الحقّ علينا، وفي الوقت نفسه هو الذي يجوز له أن يتنازل لنا عن هذا الحقّ، بوصفه الذي وفاه نيابةً عنا على الصليب.

4- [ قال الله لموسى النبي إنه بعد ذبح تيس الخطية، يضع هرون يديه على رأس التيس الحي، ويعترف عليه بكل ذنوب بني إسرائيل وكل سيّئاتهم مع كل خطاياهم، ويجعلها على رأس هذا التيس. ثم يرسله بيد من يلاقيه إلى البرية، ليحمل التيس عليه كل ذنوبهم إلى أرض مقفرة (لاويين 16: 10-22)، الأمر الذي يدلّ على وجوب اعتراف الخاطئ في الوقت الحاضر أمام شخص في مرتبة هرون الكاهن، حتى ينال الصفح والغفران ].

الرد: فضلاً عن أنه ليس هناك أي دليل كتابي على وجود كهنة بالمعنى الحرفي في العهد الجديد، كما ذكرنا، نقول: إن المعترف بالخطية في هذه الآيات ليس هو الخاطئ، بل هرون الكاهن، وذلك بوصفه النائب عن الخطاة جميعاً. وهو في ذلك رمز إلى ربّنا يسوع المسيح نفسه كاهننا الحقيقي، الذي اعترف (بوصفه نائبنا) بكل خطايانا لله، كما لو كان هو الذي ارتكبها (مزمور 69: 5)، حتى أنه له المجد اعتبر أثيماً (لوقا 22: 37) ـ كما أن المعترف عليه في الآيات المذكورة، ليس هو الكاهن، بل الذبيحة التي كانت هي أيضاً رمزاً إلى ربّنا يسوع المسيح بوصفه الذي حمل خطايانا، وقبل في نفسه نيابةً عنا تنفيذ الأحكام الصادرة ضدّنا بسببها (إشعياء 53: 6-12)، ومن ثم لا يسوّغ اتخاذ هذه الآيات مبرراً للاعتراف أمام إنسان ما، للحصول بواسطته على الغفران.

5- [ قال يشوع لعخان "يا ابني إعطِ الآن مجداً للربّ إله إسرائيل، واعترف له، وأخبرني الآن ماذا فعلت" (يشوع 7: 19)، الأمر الذي يدلّ على وجوب اعتراف الخاطئ أمام شخص معين من الله على الأرض، حتى ينال الصفح والغفران ].

الرد: يتّضح لنا من هذه الآية والآيات التالية لها أن اعتراف عخان بما عمله من شرّ، لم يكن ليشوع بل كان لله، وأن غرض يشوع من معرفة هذا الشر، لم يكن النظر في منح الغفران لعخان، بل إشهار خطيته حتى يتّضح للملأ استحقاقه للقصاص، الذي كان الله عتيداً أن يوقعه عليه. لأن موقف يشوع كان موقف الحاكم من قبل الله، وكان اعتراف عخان اعتراف مذنب أمام هذا الحاكم. ولذلك كانت نتيجة المحاكمة، ليس الغفران بل إصدار الحكم برجم عخان هو وأفراد عائلته. ومن ثم ليس هناك مجال لاتخاذ هذه الآية مبرراً للاعتراف أمام إنسان ما للحصول على الغفران.

6- [ عندما قال داود لناثان النبي: "قد أخطأت إلى الربّ"، قال له ناثان: "الربّ أيضاً نقل عنك خطيتك. لا تموت" (2صموئيل 12: 13). وهذا دليل على وجوب الاعتراف بالخطية أمام رجال معينين من قبل الله، لكي ننال الصفح والغفران ].

الرد: يتّضح لنا من هذه الآية وما قبلها أن ناثان لم يطلب من داود أن يعترف له بخطيته، وكل ما فعله أنه أيقظ ضمير داود، فأحسن هذا بما ارتكبه من خطأ. ومن ثم صاح قائلاً "قد أخطأت إلى الربّ". كما يتّضح أن ناثان لم يغفر له خطية، بل أعلن له أن الله نقلها عنه أو غفرها له. لأن داود اعترف بها وندم لارتكابها، وهذا هو كل ما يطلبه الله من المؤمن الحقيقي حتى يمنحه الصفح والغفران ـ فمكتوب "من يقر بها (أي الخطايا) ويتركها يرحم" (أمثال 28: 13) ـ وذلك على أساس كفارة المسيح الثمينة المعروفة لدى الله قبل تأسيس العالم (1بطرس 1: 19-20).

  • عدد الزيارات: 3843