يوم الرب
أول يوم من الأسبوع هو يوم الرب. وهو اليوم الذي درج المسيحيون على حفظه دورياً. إنه إحياء لذكرى قيامة المسيح من بين الأموات، وينبغي قضاؤه في ممارسة العبادة والتكريس الروحي، علناً وسراً على السواء، وبالإقلاع عن التسليات العالمية، والاستراحة من الأشغال الزمنية، باستثناء أعمال الرحمة والأعمال الضرورية.
خروج 20: 8- 11؛ متى 12: 1- 12؛ 28: 1 وما يليه؛ مرقس 2: 27 و28؛ 16: 1- 7؛ لوقا 24: 1- 3، 33- 36؛ يوحنا 4: 21- 24؛ 20: 1، 19- 28؛ أعمال 20: 7؛ 1 كورنثوس 16: 1 و2؛ كولوسي 2: 16؛ 3: 16؛ رؤيا 1: 10.
كان اليوم السابع من الأسبوع في العهد القديم مقدساً باعتباره سبتاً للرب (خروج 20: 8- 11). والكلمة "سبت" تعني راحة. وهكذا تشير الكلمة "سبت" إلى الغرض الذي خُصص اليوم له، وليس إلى العدد الترتيبي لذلك اليوم. فقد كان واجباً أم يُخصص للراحة يوم واحد من سبعة أيام.
أما رقم ذلك اليوم فمصدره أنه في اليوم السابع استراح الله من عمل الخلق. وهكذا يُحيي اليوم السابع ذكرى انتهاء الله من عمل الخلق، فضلاً عن كونه يوم راحة. ولهذا كان يوماً مقدساً.
وفي الأناجيل، حفظ المسيح وتلاميذه اليوم السابع باعتباره سبتاً. فقد كان يهوداً، وكان السبت يومهم المخصص للراحة والعبادة، إذ كان ذلك اليوم مقرراً لإراحة الجسد والروح وتجديد نشاطهما.
وفي أيام المسيح كان معلّمو الدين اليهود قد استنبطوا أكثر من ألف وخمس مئة قاعدة سلوكية تهدف إلى تنظيم حفظ السبت.
وبذلك صار ذلك اليوم عبئاً أكثر منه بركة. وقد تجاهل يسوع هذه القواعد، إلا أنه لم ينقض قط الوصية الرابعة كما قصد الله أن تُحفظ.
كان في اليهودية أربعة أمور يجري التشديد عليها، وهي الهيكل، والتوراة، والتقاليد، والسبت. وكان في الديانات الأخرى ما يعادل الثلاثة الأول، فيما كان السبت خاصاً باليهود فقط. لذلك كان قادة الدين اليهود حساسين تجاه هذه النقطة إلى حد فائق للمعتاد. ولأن يسوع لم يأبه بتنظيماتهم العديدة، فقد كان دائماً على خلاف معهم بخصوص حفظ السبت (متى 12: 1- 14؛ مرقس 2: 23 إلى 3: 6؛ لوقا 6: 1- 11؛ يوحنا 5: 1- 47).
وقد كان موقف يسوع الواضح أن "السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ. إِذاً ابْنُ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضاً" (مرقس 2: 27 و28)، إذ كان ينبغي أن يكون السبت بركة للإنسان، لا عبئاً عليه. وقد وضع يسوع ذلك اليوم في مكانه الصحيح بحسب قصد الله، وعلّم بأن ثلاثة أمور يجب أن يقوم بها الإنسان في السبت: الأعمال الضرورية، الرحمة، العبادة (متى 12: 3- 5، 9- 13).
والمسيحيون الأولون الذين كانوا من أصل يهودي، كانوا يشاركون اليهود في العبادة، سواء في الهيكل أو في المجامع. وكان من عادة بولس وبرنابا أن يؤمّا المجامع أيام السبت لأنهما يجدان فيها أناساً يستطيعان أن يكرزا لهم بالإنجيل.
يوم الرب
يرد التعبير "يوم الرب" (في صيغته الأصلية التي تعني "اليوم الخاص بالرب") في العهد الجديد مرة واحدة فقط (رؤيا 1: 10). والمرجح أنه يُشار به في ذلك الموضع إلى اليوم الأول من الأسبوع.
وليس في العهد الجديد وصية محددة تقضي بتحويل اليوم السابع إلى اليوم الأول. على أنه من الواضح أن المسيحيين الأولين خصّصوا اليوم الأول من الأسبوع للعبادة، بعد قيامة المسيح. ويُشار إلى اجتماع المسيحيين للعبادة يوم الأحد في غير موضع من العهد الجديد (أعمال 20: 7؛ 1 كورنثوس 16: 2).
يُشير أنصار اليوم السابع إلى أن يوم الأحد كان في الأصل مخصصاً لعبادة الشمس عند الوثنيين. ولكن أول الأسبوع في المسيحية ليس على علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، بأية عبادة وثنية، بل هو شيء خاص بالممارسة المسيحية.
ومثلما يُخلِّد اليوم السابع ذكرى إكمال الله للخلق، فإن يوم الرب يخلِّد إتمام عمل الفداء. وقد أُقيم المسيح من بين الأموات في اليوم الأول من الأسبوع. فكان طبيعياً إذاً أن يجتمع التلاميذ معاً في ذلك اليوم ليسمعوا ويتناقلوا الأخبار المختصة بالرب المقام. وقد ظهر المسيح مرتين لجماعة التلاميذ المجتمعة في يومي أحد متواليين (يوحنا 20: 19 و26). أما ظهوره مساء الأحد الذي قام فيه، فأمر طبيعي. ولكن لماذا انتظر إلى الأحد التالي ليظهر مرة ثانية؟ لعله فعل هذا ليشجّع أتباعه على تخصيص يوم الأحد للاجتماع للعبادة.
وكان يُعتقد أن التعبير "يوم الرب" هو تعبير مسيحي بحت. إلا أن الاكتشافات بينت أن الرومان استعملوا هذا التعبير للإشارة إلى الأيام المخصصة لإكرام الإمبراطور. وهذه العادة تلقي ضوءاً على استخدام هذا التعبير في العهد الجديد. فقد كُتب سفر الرؤيا على الأرجح خلال حكم دوميتيان (81- 96 م)، وقد لقد المسيحيون الاضطهاد لأنهم رفضوا أن يقولوا "القيصر رب" (رومية 10: 9؛ 1 كورنثوس 12: 3). فمن المحتمل أن المسيحيين، احتجاجاً منهم على عبادة القيصر، اتخذوا هذا التعبير للدلالة على اليوم الذي فيه يُحيون ذكرى قيامة الرب. فبالقيامة ثبت حقاً وبكل جلاء أن المسيح هو الرب.
وأية علاقة لنا أن نراها بين السبت العبري ويوم الرب المسيحي؟ بما أن معنى "سبت" هو راحة، ففي هذا هما مرتبطان. أحدهما يُخلِّد ذكرى استراحة الله من عمل الخلق؛ والآخر يحتفل بذكرى استراحته من عمل الفداء الكامل.
وفي هذه النقطة أيضاً يختلف الأحد المسيحي عن السبت العبري. فالسبت إقرار، أما يوم الرب فاحتفال، إذ فيه يعبد المسيحيون الله لا خالقاً وحسب بل فادياً أيضاً.
ومؤكد أن يوم الرب ينبغي أن يكون يوماً يستريح فيه المسيحيون المؤمنون من كل أعمالهم الزمنية غير الضرورية. وقد ينطبق هنا حسناً تعليم المسيح بخصوص السبت من حيث القيام فقط بأعمال الرحمة والضرورة والعبادة. وحقيقة كون اليوم قد جُعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل اليوم، لا تدع مجالاً لإساءة استعماله عند المسيحيين المؤمنين كما يُساء استعماله عند غيرهم. فمن الواجب أن يكون يوماً مكرساً للراحة والعبادة.
وقد صدق آستاغ (Stagg) إذ قال في تحديد الفرق بين يوم الرب والسبت اليهودي: "كان السبت يوم استراحة من العمل، أما يوم الرب فمعناه الحقيقي كامن في تشديده على ناحية إيجابية هي تخليد ذكرى قيامة المسيح. ولا يكون لهذا اليوم معنى مسيحي إلا بالنسبة إلى أولئك الذين يعرفون المسيح المُقام. وخير حفظ ليوم الأحد هو في الاجتماع والعبادة والشهادة عن المسيح الحي... والأمل في إعطاء اليوم معناه المسيحي قائم في كون المسيح يصبح في حضوره معنا الآن حقيقياً جداً بحيث تحرِّكنا تلك القوة الدافعة التي جمعت حفنة من المؤمنين الأولين المتحمّسين الذين سرّهم أن يعلنوا على الملأ: (هو الرب! قد قام!)".
للمراجعة والبحث
1- ما معنى الكلمة "سبت"؟ كيف صار معناها مرتبطاً باليوم السابع؟ أي الأمرين أهم: رقم هذا اليوم أو غرضه؟
2- لماذا يحفظ معظم المسيحيين أول يوم من الأسبوع؟ ما الفرق في المعنى بين "يوم السبت" و"يوم الرب"؟
3- ماذا كان قصد المسيح من قوله إن السبت جُعل لأجل الإنسان، وليس الإنسان لأجل السبتِ؟ أفي هذا ما يبرر جعل يوم الأحد حراً من كل قيد؟ ما هي الأعمال التي علّم المسيح بأنه يليق القيام بها في هذا اليوم؟ ما أهمية هذا التعليم نسبةً إلى عصرنا المعقَّد؟
- عدد الزيارات: 6500