Skip to main content

الدرس التاسع والستون: الصلاة الربانية

سنبحث الآن في موضوع الكلمات التي نتفوه بها أثناء صلواتنا إلى الله. فالسؤال الأول الذي يخطر على بالنا هو: هل نستعمل أية كلمات في صلواتنا أم هل توجد هناك قواعد معينة أو أنظمة تنظم حياة الصلاة؟ والجواب هو أننا بحاجة إلى تعلّم الصلاة وأن الله ذاته هو الذي يعلّمنا الصلاة بواسطة كلمته المقدسة وإرشاد الروح القدس.

لنتعلم قبل كل شيء أن نصغي إلى الله لكي تكون صلاتنا متجانسة مع إرادة الله. فقد نظن أن العضو الأساسي في الصلاة هو اللسان لكن الكتاب يعلمنا أن الأذن تأتي قبل اللسان في موضوع الصلاة. فكما أن الطفل يسمع كلمات والديه قبل أن يبدأ بالكلام هكذا أيضاً المؤمن يتوجب عليه أن يصغي إلى الله قبل البدء في الكلام مع الله بواسطة الصلاة. وقد قال النبي اشعياء عن موضوع الاستماع لله:

"أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أُغيث المعيي بكلمة. يوقظ كل صباح لي أذناً لأسمع كالمتعلمين. السيد الرب فتح لي أذناً وأنا لم أعاند، إلى الوراء لم أرتد" (50: 4و 5).

يوقظ الرب الأذن لكي يتعلم اللسان الصلاة. وإن كان العديدون من الناس لم يتعلموا الصلاة كما يجب فهذا يعود إلى أنهم لم يتعلموا الإصغاء إلى الرب.

وهنا من يقول: كيف نصغي إلى الله؟ وبكلمة أخرى أين يتكلم الله حتى نصغي إليه؟ الجواب هو: يتكلم الله معنا اليوم بواسطة الكتاب المقدس، بواسطة هذه الكلمة المنزهة عن الخطأ.

وما تكلم به الله مرة بواسطة عبده اشعياء النبي موجه إلينا الآن ويتعلق بموضوع الصلاة أيضاً:

"أيها العطاش جميعاً هلّموا إلى المياه والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا، هلّموا اشتروا بلا ثمن خمراً ولبناً. لماذا تزِنون فضة لغير خبز؟ وتعبكم لغير شبع؟ استمعوا لي استماعاً وكلوا الطيب ولتتلذذ بالدسم أنفسكم. أميلوا آذانكم وهلّموا إلي. اسمعوا فتحيا أنفسكم وأقطع لكم عهداً أبدياً مراحم داود الصادقة" (55: 1- 3).

وكذلك يتوجب علينا ونحن ننشد الإصغاء إلى الله أن نكون منصتين إلى أمور عنايته التي تشمل كل شيء والتي نفهمها بواسطة نور الكلمة المقدسة. فما يحدث في عالمنا لا يحدث بمعزل عن المشيئة أو العناية الإلهية ولذلك فإن كل مؤمن يقدر أن يعلم نفسه أو أن يتعلم تفسير الأمور التي تجري في هذه الدنيا بمقتضى نور كلمة الله. وهذا يعني أن الله يتكلم معنا أيضاً بواسطة عنايته وهذا ما يساعدنا أيضاً في صلواتنا لأننا لا نعيش في عزلة أو انفراد بل وسط العالم والتاريخ.

وكذلك يتوجب علينا ونحن ننشد الإصغاء إلى الله أن نتعلم كمؤمنين كيف ننقاد بواسطة إرشادات الروح القدس. فلقد وعدنا الله بواسطة الرب يسوع المسيح أن يعطينا روحه القدوس ليعزينا ويقودنا في هذه الحياة. وهذا يتطلب من جهتنا الرغبة الشديدة في أن نكون منقادين بالروح. وقد تكلم عن موضوع إرشاد الروح القدس في الصلاة الرسول بولس في رسالته إلى المؤمنين في رومية عندما كتب قائلاً:

"وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها. ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح، لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين" (8: 26و 27).

يجب إذن أن نتعلم أن نصغي لله قبل أن نصلي وهذا الإصغاء يتم بأن نضع أنفسنا تحت تأثير الكلمة الإلهية المقدسة وأن ننظر إلى العناية الإلهية المسيطرة على كل شيء ونفهم حوادث الحياة بواسطة نور الكلمة وكذلك نكون منصتين لله عندما ننقاد بواسطة الروح القدس المعزي. حياة الصلاة إذن ذات صلة تامة ووثيقة بحياة الإيمان والتقوى وكل من كان جاداً في موضوع الصلاة لا بد له من أن يكون جاداً في الحياة المبنية على الوحي الإلهي والعناية الإلهية وإرشاد الروح القدس.

ونشكر الله الذي لم يتركنا بدون إرشاد خاص في موضوع الصلاة بل أعطانا بواسطة السيد المسيح الأنموذج الكامل لحياة الصلاة وذلك في الصلاة التي علمها المسيح لتلاميذه والتي ندعوها عادة بالصلاة الربانية والتي هي كما يلي:

"أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض، خبزنا كفافنا أعطنا اليوم. واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير، لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد، آمين"

وسوف ندرس هذه الصلاة بالتفصيل في دروسنا المقبلة.

  • عدد الزيارات: 3806