الدرس السابع والستون: خلاصة الوصايا الإلهية: حياة محبة
لاحظنا في درسنا السابق أن الكتاب يعلمنا أن الإنسان لا يقدر أن يحفظ الوصايا الإلهية لأنه إنسان خاطئ وأن الله أعطانا وصاياه لتقودنا إلى المسيح فنحتمي به ونطلب منه أن يأخذ عنا حمل الخطايا الثقيل. وكذلك تعلمنا أن المؤمنين الذين اختبروا خلاص الرب وجدة الحياة بواسطة عمل الروح القدس في حياتهم، لا يحفظون الوصايا حفظاً تاماً نظراً لأن الخطية تبقى عالقة بهم وهكذا نرى أن المؤمنين- حسب تعاليم الكتاب- لا يصلون الكمال إلا متى عبروا شاطئ الأبدية وذهبوا إلى الحضرة الإلهية حيث يلبسون تاج الخلاص والانتصار. ولكن معرفة عدم إمكانية الوصول إلى الكمال في هذه الحياة لا تعني أن المؤمنين يهملون موضوع العيش بمقتضى تعاليم الوصايا الإلهية بل إن حياتهم الروحية- إن كانت على ما يرام وإن لم تكن مصابة بمرض روحي وبيل- هي حياة نمو في النعمة والمعرفة والقداسة لا حياة خمول وإهمال وإباحية. فالخلاص الذي يتكلم عنه الكتاب ليس بأمر نظري أو خيالي إنه أمر واقعي حياتي ومن لا يظهر ثمار الخلاص في حياته لا يجوز له أن يظن بأنه من عداد الخالصين ومن وارثي الحياة الأبدية السعيدة.
أما في درسنا الآن فإننا نتكلم باختصار عن موضوع خلاصة الوصايا الإلهية. جاء مرة أحد الناموسيين (أي خبير في الشريعة الموسوية) إلى السيد المسيح وسأله ليجربه قائلاً:
"يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس؟" فكان جواب الرب يسوع المسيح:
"تُحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك، هذه هي الوصية الأولى والعظمى، والثانية مثلها: تُحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء" (الإنجيل حسب متى22: 37- 39).
وهكذا أعطانا الرب يسوع المسيح خلاصة الشريعة الأخلاقية التي تعلمنا أن الناموس بأسره يتم بمحبة الله فوق كل شيء وبمحبة القريب أو الجار كالنفس وكالذات.
ماذا نعني بمحبة الله من كل القلب ومن كل النفس ومن كل الفكر؟
إن هذه المحبة التي تكلم عنها السيد المسيح والتي ذُكرت أيضاً في العهد القديم تعني أن الله يطلب مني كمؤمن أن أحبه كما يليق به وهو الله تعالى اسمه أي أن أنظر إليه كربي وسيدي ومخلّصي وأبي السماوي. وهذه المحبة التي يجب أن أكنها لله يجب أن تكون مقرونة بمخافة واحترام وإطاعة الله والثقة به ثقة تامة وكلية.
وعندما ذكر السيد المسيح عبارات من كل القلب ومن كل النفس ومن كل الفكر فإنه كان يعلمنا بأن محبتنا لله تعالى يجب أن تكون مقرونة بغيرة شديدة حتى أنه لا يوجد في داخلنا أية رغبة أو إرادة أو فكرة أو أي ميل يعارض هذه المحبة. وبكلمة أخرى محبتنا لله يجب أن تكون فوق كل شيء وقبل كل شيء.
وقد قال عن موضوعنا هذا الرسول يوحنا في رسالته الأولى:
"فإن هذه هي محبة الله: أن نحفظ وصاياه. ووصاياه ليست ثقيلة. لأن كل من ولد من الله يغلب العالم، وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا. من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله؟" (5: 3- 5).
وبما أن الإنسان يحب نفسه بصورة طبيعية فإن الله يأمرنا بأن نحب القريب كأنفسنا. محبة القريب يجب أن تصبح رائد حياتنا وهذا يعني أننا نسعى من أجل خيره الدائم ونعمل بأن تكون جميع أعمالنا وأفكارنا ومواقفنا منه مدفوعة من قبل المحبة. وهنا قد نسأل: ماذا نعني بالقريب؟ من هو قريبي؟ ليس القريب من كان من أنسبائنا ومعارفنا وأصدقائنا فقط، القريب هو كل بشري يضعه الله في محيط حياتنا. وهكذا نقول استناداً على تعاليم الكتاب المقدس بأنه ليست هناك حدوداً للقرابة البشرية لأننا جميعاً خلقنا على صورة الله وشبهه وجميعنا انحدرنا من آدم ومن نوح ونسله. فواجبنا إذن أن نعمل لخير الجميع ونظهر بذلك أن محبتنا لهم هي محبة عملية حقيقية لا خيالية.
وهذه بعض الآيات الكتابية المتعلقة بمحبة القريب:
"قال السيد المسيح لتلاميذه: وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً، كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضاً لبعض... هذه هي وصيتي: أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم. ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه. أنتم أحبائي إن فعلتم ما أوصيتكم به" (الإنجيل حسب يوحنا13: 34و 35، 15: 12- 14).
وكتب الرسول يوحنا، المعروف أيضاً باسم رسول المحبة قائلاً في رسالته الأولى:
"نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الأخوة، من لا يحب أخاه يبقى في الموت، كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس، وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه. بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا (وهنا أشار الرسول إلى موت المسيح يسوع الكفاري على الصليب) فنحن ينبغي أن نضع نفوسنا لأجل الأخوة" (3: 14- 16).
- عدد الزيارات: 3879