الدرس الأربعون: القيامة من الأموات
نبحث الآن في موضوع القيامة من الأموات وهو الموضوع الأخير الذي نجده في قانون الإيمان عندما نقول: وأترجى قيامة الأموات والحياة في الدهر الآتي. ونحن لا نقدر أن نُغالي في أهمية هذا الموضوع وخاصة في أيامنا هذه عندما نرى حياتنا مهددة بصورة دائمة من جراء أسلحة الإنسان المعاصر المُهلكة والمدمرة.
ماذا نعني بقولنا إننا نؤمن ونترجى قيامة الأموات والحياة في الدهر الآتي؟ بهذه الكلمات نُعبر عن إيماننا القلبي بأن الله تعالى قد أقام السيد المسيح من الأموات وأنه كذلك سيُقيمنا من الأموات في اليوم الأخير ليعطي جميع المؤمنين بالمخلص حياة أبدية في ملكوته البدي. وقد أكد السيد المسيح ورسله أن القيامة من الأموات لها علاقة وثيقة بالمسيح يسوع وبقيامته وهكذا لا نقدر أن نبحث في موضوع القيامة بصورة عامة بل نبحث في موضوع قيامة المسيح وقيامة الموتى في اليوم الأخير أي لدى رجوع السيد المسيح إلى الأرض. وهذه بعض الشواهد الكتابية التي تُعَلّق على موضوعنا:
قال السيد المسيح لمرثا أخت لعازر الذي قام من الأموات:
" أنا هو القيامة والحق والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد" (الإنجيل حسب يوحنا 11: 25و 26).
وقد كتب الرسول بولس في رسالته إلى أهل الإيمان في كورنثوس عن علاقة موضوع قيامة السيد المسيح بقيامة الأموات في اليوم الأخير:
" ولكن إن كان المسيح يُكْرَز به (أي يُنادى به) إنه قام من الأموات فكيف يقول قوم بينكم ليس قيامة أموات؟ فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا (أي مناداتنا بالإنجيل) وباطل أيضا إيمانكم. ونوجد نحن أيضا شهود زور لله لأننا شَهِدنا من جهة الله إنه أقام المسيح وهو لم يُقِمه إن كان الموتى لا يقومون. لأنه إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم، أنتم بعد في خطاياكم. إذن الذين رقدوا في المسيح أيضا هلكوا. إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس.
" ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين. فإنه إذ الموت بإنسان بإنسان أيضا قيامة الأموات. لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سَيَحْيا الجميع. ولكن كل واحد في رُتْبَته، المسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئه، وبعد ذلك النهاية متى سلَّم المُلك لله الآب متى أبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة. لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه. آخر عدو يُبْطَل هو الموت" (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 12- 26).
وإذ أعترف كمؤمن بعقيدة القيامة من الأموات المبنية على قيامة السيد المسيح أعترف بأن سعادتي العظمى ليست في هذه الدنيا بل في العالم الآتي، ولذلك أصل إلى القول:
أولا: عقيدة القيامة تُعلمني بأن أحيا في هذه الدنيا وأنا عالم بأنني سأتركها في يوم ما ولذلك لا أتعلق بالحياة على الأرض إلى هكذا درجة حتى أنها تصبح بالنسبة إلي كل ما في الوجود، بل أعلم نظرا للقيامة أن أفق حياتي هي في هذه الدنيا وكذلك في العالم الآتي الذي هو حقيقي وإن كان في الوقت الحاضر غير منظور. وقد كتب بصدد هذا الموضوع الرسول بولس في رسالته الأولى إلى مؤمني كنيسة كورنثوس:
" فأقول هذا أيها الأخوة: الوقت منذ الآن مُقَصِّر لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم والذين يبكون كأنهم لا يبكون والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون والذين يشترون كأنهم لا يملكون والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه، لأن هيأة هذا العالم تزول" (7: 29- 31).ثانيا: أتعلم من هذه العقيدة بأنه ليس علي الوقوع في اليأس إن لم أكن قد حصلت على جميع النعم التي كسبها لي السيد المسيح إذ أنني لا بد من أن أنالها في الدهر الآتي. يتوق كل مؤمن أن يكون عاملا بكل قواه في سبيل الرب وبحالة غير خاضعة لتأثير الخطية والشر ولكن هذا العالم مليء بالشرور والمؤمن غير خال من الأخطاء والذنوب وكذلك بعض الظروف القاهرة كالفقر أو المرض أو الضعف تمنعه عن القيام بكل ما يود القيام به في سبيل ربه. أيجوز للمؤمن أن يستنتج إذن بأن حياته ستبقى على هذا المنوال بصورة دائمة وفي الحياة الآتية؟ كلا إن السيد له المجد سيكلل حياة كل مؤمن ومؤمنة بالظفر وبالفرح التام وبالخدمة الكاملة في يوم القيامة المجيد. وقد علّق على هذا الرسول بولس في رسالته الثانية إلى كورنثوس وقال:
" لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوما فيوما. لأن خفّة ضيقتنا تُنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديا. ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل التي لا ترى، لأن التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية.
لأننا نعلم أنه إن نُقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السموات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد، أبدي. فإننا في هذه أيضا نئن مشتاقين إلى أن نُلبس فوقها مسكننا الذي من السماء وإن كنا لابسين لا نوجد عراة. فإننا نحن الذين في الخيمة نئن مُثقلين إذ لسنا نريد أن نخلعها بل أن نلبس فوقها لكي يُبْتَلع المائت من الحياة. ولكن الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي أعطانا أيضا عربون الروح. فإذا نحن واثقون كل حين وعالمون أننا ونحن مستوطنون في الجسد فنحن مُتَغَرِّبون عن الرب لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان. فنثق ونُسَرُّ بالأولى أن نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب. لذلك نحترص أيضا مستوطنين كنا أو متغربين أن نكون مرضيين عنده. لأنه لا بد أننا جميعا نظهر أما كرسي المسيح لينال كل ولحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا أم شرا"
(4: 16- 5: 10).
- عدد الزيارات: 5643