الدرس الثامن والثلاثون: مغفرة الخطايا
لا زلنا نقوم بدراسة موضوع مغفرة أو غفران الخطايا ذلك الموضوع الذي نأتي على ذكره في قانون الإيمان.
من المهم أن نلاحظ أننا عندما نقوم باعترافنا بغفران الخطايا لا نكون بذلك معبرين عن رغبة بشرية في أن تكون خطايانا مغفورة بل إنما نكون مؤكدين لحقيقة واقعية مبنية على وعد الله الصريح الذي نجده في الإنجيل. لو كان عليّ أنا كإنسان أن أقوم بتخليص نفسي بنفسي لكان من المستحيل لي أن أصل إلى اليقين التام بأن خطاياي مغفورة لأني أكون دائما شاعرا بأنني لم أقم بكل ما يتوجب علي القيام به. يبقى ضميري إذا تحت رحمة الشك والعذاب. ولكن أمر خلاصي كإنسان ليس مبنيا على عملي أو جهدي الخاص إنه بيد الله الذي قام بكل شيء م أجل إنقاذ البشرية من الموت والخطية والدينونة. والله ذاته يُعطيني كمؤمن اليقين التام بأن جميع خطاياي مغفورة نظرا لما قام به السيد المسيح على الصليب. وهذا اليقين أحصل عليه كمؤمن بواسطة الروح القدس الذي يجعل من كلمة الإنجيل جزءا لا يتجزأ من حياتي الخاصة. ليس الإيمان بمغفرة الخطايا عبارة عن رغبة في التخلص من عاقبة الخطية ولا عن افتراض بشري واه بل هذا الإيمان هو يقين تام بأن يسوع المسيح يغفر الخطايا وهو لي ولسائر الناس عندما نؤمن به إيمانا قلبيا وشخصيا. وهذه بعض الشواهد الكتابية التي تشير إلى موضوعنا:
قال زكريا والد يوحنا المعمدان وهو يخاطب ابنه قائلا:
" وأنت أيها الصبي نبي العلي تُدعى لأنك تتقدم أمام وجه الرب لِتُعدَّ طرقه: لِتُعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم، بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا المُشرق من العلاء ليُضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يَهدي أقدامنا في طريق السلام" (الإنجيل حسب لوقا 1: 76- 79).
وقال الرسول بولس في رسالته الأولى إلى مؤمني كورنثوس:
" لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبررّتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (6: 11).
وفي رسالته إلى أهل رومية كتب الرسول بولس قائلا: " إذا لا شيء من الدينونة الآن على الذين في المسيح يسوع لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت" (8: 1و 2).
وكان قد كتب قبل ذلك قائلا: " فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح الذي به أيضا قد صار لنا الدخول بالإيمان إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله" (5: 1- 2).
علينا الآن أن ننتقل إلى البحث في المواضيع المتعلقة بغفران الخطايا. أولا نشير إلى أن هذا الإيمان له تأثير كبير وعظيم في حياة كل مؤمن. طبعا كل ما يؤمن به الإنسان له تأثير على حياته وغايتنا هي الإشارة إلى الفؤاد التي يجنيها المؤمن بالمسيح يسوع وبغفران خطاياه.
يعيش كل إنسان تحت رحمة عذاب ضميره الذي يؤنبه كلما تَعَدى على شرائع الله. وإذ يود الإنسان أن يتخلص من هذا العذاب فإنه يبدأ بانتقاد غيره ومحاولة لوم الآخرين كسبب للشرور التي تحيق بحياته. الإنسان إذن تحت رحمة عبودية روحية غاشمة لا يعرف كيف يتخلص منها.
لكن الله يَكْسُر نير هذه العبودية ويحرر الإنسان الذي يؤمن بالمسيح يسوع معطيا إياه أعز شيء في الحياة: اليقين التام بأن جميع خطاياه قد غُفرت له نظرا لاستحقاقات السيد المسيح التي كسبها بموته على الصليب موتا كفاريا وبدليا. وعندما يختبر المؤمن هذا الخلاص العظيم فإنه لا يعود يحاول تبرير نفسه أو لوم الآخرين. يُصبح المؤمن بالحقيقة خليقة جديدة. إن غفران الله يُغير روح الحياة ويعطي الإنسان الفرح الداخلي والسلام الحقيقي الذي يفوق كل تصور أو فكر. وإذ يختبر الإنسان هذا السلام في حياته يرى أن جميع الحواجز التي كانت تفصله عن الله وعن العالم وعن بقية الناس قد زالت. وإذ نُصْبِحُ مصالحين مع الله نكون أيضا قد تصالحنا مع الناس. والإنسان ليس بحي إلا إذا كان قد اختبر غفران الله في حياته.
ننتقل الآن إلى البحث في بعض الصعوبات التي تقف في وجه الإنسان الذي يود أن ينال الغفران ولكنه لا يشعر ضمن حياته بأنه قد وصل إلى ضالته المنشودة.
أولا: الغفران هو نتيجة الإيمان بالله كأبينا السماوي الذي يُريد أن يغفر لنا خطايانا وأن كل ما يلزم لهذا الغفران قد قام به الرب يسوع المسيح. الغفران لا يُحصل عليه بمعزل عن هذا الإيمان القويم. لا بد من أن يعرف الله ويسوع المسيح معرفة حقيقية وصحيحة. بدون معرفة الله ويسوع المسيح ليس هناك إيمان صحيح وبدون الإيمان الصحيح ليس هناك مغفرة خطايا.
ثانيا: وإذا ما وصلنا إلى معرفة الله معرفة صحيحة وحقيقية نصل في نفس الوقت إلى معرفة أنفسنا بصورة صحيحة أيضا وهذه المعرفة المزدوجة تُنْشِئ فينا الثقة بالله والتوبة عن خطايانا. وهذه الثقة ليست عبارة عن ثقة عامة بل هي يقين شخصي ذلك اليقين الذي يسمح لنا بأن نحصل شخصيا على جميع مواعيد الله ونعمه وأن نطيعه تعالى بصورة مستديمة.
- عدد الزيارات: 3730