Skip to main content

الدرس الثالث والثلاثون: رجوع المسيح على العالم

لم ننته في الدرس الماضي من البحث في موضوع رجوع أو عودة المسيح إلى العالم ولذلك نعود إلى الموضوع ذاته هذا الدرس ونرى بصورة خاصة علاقة هذا الأمر الهام بكل إنسان وواجب تكييف الحياة الحاضرة بشكل مع رجوع المسيح وظهور ملكوته الأبدي بشكل تام ونهائي.

إن رجوع المسيح إلى العالم يُنذرنا جميعا نحن الذين نسمع البشارة بان يوم الخلاص سوف ينتهي وإنه عندما يعود المسيح إلى العالم في اليوم الأخير فإن ذلك سيعني الفصل النهائي بين الأبرار والأشرار. في ذلك اليوم نكون إما في ملكوت الله أم خارج ذلك الملكوت حيث البكاء وصرير الأسنان. ولذلك نقول بان عقيدة المجيء الثاني للسيد المسيح والدينونة العامة التي ستجرى بعد ذلك تجعل من الحياة الحاضرة التي نحياها الآن ذات أهمية عُظمى. وعلينا جميعا أن ننظر إلى كل يوم يمنحنا إياه الله تعالى كفرصة ذهبية للتوبة والرجوع إلى خالقنا وقبول الغفران المجاني الذي يُقدمه لنا في كلمة الإنجيل. وإن لم نقم بمتطلَّبات الأمر الإلهي بخصوص التوبة والإيمان بالمسيح فليس أمامنا إلا دينونة الله العادلة. وهذه بعض الآيات الكتابية التي تُظهر أهمية تكييف حياتنا على ضوء رجوع المسيح إلى الأرض:

" ولكن لا يخف هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يوما واحدا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتأنى علينا وهو لا يشأ أن يهلك أناس بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة. ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها.

" فيما أن هذه كلها تنحل أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السموات مُلتهبة والعناصر مُحترقة تذوب. لكننا بحسب وعده ننتظر سموات جديدة يسكن فيها البر" (رسالة بطرس الرسول الثانية 3: 8- 13).

نظرا للأهمية القصوى التي كان كتاب الأسفار المقدسة الملهمون يُظهرونها بخصوص موضوع عودة المسيح، علينا نحن الذين نعيش في هذه الأيام المضطربة أن نسأل أنفسنا بشكل جدي هذه الأسئلة:

أولا: هل نحيا حياة تتفق مع كون هذه الدنيا على طريقها إلى نهاية أكيدة كان الله قد ذكرها لنا في الأسفار المقدسة؟

ثانيا: هل نسمح لموضوع عودة المسيح إلى العالم الذي هو أمر أكيد بان يُوسع أفق حياتنا الحاضرة فنحياها لا كالذين ليس لهم إيمان إلا بالمادة العمياء بل كمؤمنين متيقنين بأن مصيرنا في هذا العالم هو في يد الله وأنه تعالى هو المسيطر على كل شيء، بالرغم من كثرة الاختراعات البشرية الهدَّامة وبالرغم من تشدق الإنسان المعاصر المُلحد عن قوته المادية؟

ثالثا: هل هناك أمور تُصاحب حياتنا الحالية وهي في صلبها لا تتفق مع روح الإنجيل والتي يجب علينا أن ننبُذها حالا لئلا يأتي المسيح ويجدنا نياما روحيا وغير مستعدين للقائه؟

رابعا: هل نشهد كما يليق بنا بانجيل المسيح أي بخبره المفرح عما قام به من أجل خلاص وتحرير البشرية من الشر وهل نعمل معا كما يجب في سبيل تعجيل ذلك اليوم الحاسم في تاريخ الإنسانية جمعاء وهل نُكرِّس جميع قوانا في سبيل الله وملكوته العظيم؟

المسيح يسوع آت. هذا أمر واقعي ولا يمكن لأي بشري أن يعترض سبيل المسيح الظافر ويقول له لا تأت. إن آمنا بعودة المسيح أو لم نؤمن بذلك فإنه له المجد سيجيء كما وعد تلاميذه الأوفياء وكما بشر بذلك الملائكة. وكل النقاط التي لم تتم بعد في برنامج المسيح لهذا العالم ستتم. ليست هناك أية قوة في الوجود تستطيع أن تقف في وجه الرب يسوع. وهكذا على كل واحد منا أن يعلم بأننا أحياء بفضل الله الذي لا يود أن نهلك بل أن نأتي جميعا إلى معرفته قلبية خلاصية. وبما أننا لا نعلم متى سنموت ونظهر أمام الله فإنه يجب علينا أن نؤمن اليوم، ما دام الله يتكلم معنا بواسطة كلمة اإنجيل.

أما بخصوص الدينونة العامة فإنه من البديهي أن الله هو عادل وأنه سيُعطي كل إنسان ما يستحقه. ولكنه لا يجوز لنا هنا أن نترك لأنفسنا العنان وأن نتصور بأن هذا الشيء أو ذاك سيتم أثناء الدينونة العامة. المصدر الوحيد الذي يُمكننا الركون إليه في هذا الموضوع كما في سائر مواضيع المعتقدات هو الكتاب المقدس. وهذه هي القاعدة العامة التي أعطانا إياها الرسول بولس عن الدينونة: " كل من أخطأ في الناموس فبالناموس يُدان" (الرسالة إلى رومية 2: 12) وبعبارة أخرى كل من يُخطئ (وكل إنسان يُخطئ) بدون معرفته لنص الشريعة الإلهية التي أعطيت لموسى النبي فإنه يهلك أو يموت روحيا حسب قانون الحياة الأساسي، وكذلك كل من يُخطئ في الناموس أي كل إنسان يُخطئ وهو يتمتع معرفة عقلية نظرية لنص الشريعة الإلهية فإنه أيضا سَيُدان. وهكذا ليس هناك مِن مخلوق في هذه الدنيا إلا ويحتاج إلى الخلاص من الخطية ولعنتها والدينونة التي تجلبها على مرتكبها. المثول أمام الله في اليوم الأخير أمر مخيف جدا إن لم يكن الإنسان قد قام أثناء حياته على الأرض بقبول خلاص الله الذي أتمه بإرسال السيد المسيح إلى العالم ليموت عنا على الصليب مُكفِّرا عن جميع خطايانا.

ولئلا يظن الناس أنهم يقدرون أن يبتوا في موضوع نجاتهم من الدينونة في العالم الآتي أعطانا الرب عدة تحذيرات ومنها ما ورد في مثل لِعازر الفقير والغني الشرير. إذ أنه لما مات هذا الأخير ووجد نفسه في الهاوية ونظر إلى السماء ورأى لعازر في حضن إبراهيم الخليل نادى أبا المؤمنين قائلا:

" يا أبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر لِيَبُلَّ طرف إصبعه بماء ويُبرِّد لساني لأني معذب في هذا اللهيب. فقال إبراهيم: يا بني اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا، والآن هو يَتَعَزَّى وأنت تتعذَّب. وفوق هذا كله بيننا وبينكم هوة سحيقة عظيمة قد أُثبِتت حتى أن الذين يُريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون ولا الذين من هناك يجتازون إلينا" (الإنجيل حسب لوقا 16: 23- 26).

  • عدد الزيارات: 3350