الدرس الثاني والثلاثون: تمجيد المسيح وعودته إلى العالم
انتهينا في درسنا السابق من التأمل في موضوع صعود السيد المسيح إلى السماء بعد قيامته المجيدة. ونأتي الآن إلى البحث في موضوع تمجيد المسيح يسوع ورجوعه إلى العالم لدى نهاية التاريخ البشري أي في اليوم الأخير. ونجد هذا النص في قانون الإيمان المبني على تعاليم كلمة الله: " وجلس عن يمين الآب وسيأتي بمجد عظيم ليدين الأحياء والموات الذي ليس لملكة انقضاء"
أولا: ماذا نعني بهذه العبارة: وجلس عن يمين الآب أي الله الآب؟
إن هذه العبارة مبنية على تعاليم الكتاب وهي تُعطينا بصورة رمزية فكرة عن السلطة التامة التي يتمتع بها السيد المسيح وهو الآن في حالة التمجيد أو المجد بعد أن كان في حالة الاتضاع أثناء حياته على الأرض منذ نحو ألفي سنة. فكما كان الملوك والأمراء في الأيام القديمة يُجلسون عن يمين الله الآب وهو يسوس أمور العالم والكون. وهو أيضا يقوم بهذه المهمة الخاصة: إنه كرئيس الكنيسة المسيحية التي هي جسده يقودها وسط العالم المضطرب والمليء بالشرور ويُساعدها على التغلب على سائر قوى الشر.
وهذه بعض التعاليم الكتابية التي تبحث في موضوع تمجيد المسيح والسلطة التامة التي يتمتع بها الآن:
كتب الرسول بولس في رسالته إلى أهل كولوسي مايلي:
" وهو- أي السيد المسيح بعد قيامته من الأموات وصعوده إلى السماء- رأس الجسد الكنيسة، الذي هو البداءة بكر من الأموات لكي يكون هو متقدما ما في كل شيء" (1: 18).
وقال السيد له المجد قبل صعوده إلى السماء: " دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض" (الإنجيل حسب متى 28: 18).
وكذلك قال السيد المسيح: " لأن الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن، لكي يُكرِّم الجميع الابن كما يُكرِّمون الآب. من لا يُكرِّم الابن لا يُكرِّم الآب الذي أرسله" (الإنجيل حسب يوحنا 5: 22و23).
ويستفيد المؤمن من إيمانه بتمجيد المسيح وبتسلطه على سائر مقدرات العالم والكون وذلك لأنه أي المؤمن يأخذ من المسيح عطية أو هبة الروح القدس التي تُعطيه كيانه ووظيفته في الكنيسة أي في جسد المسيح. وكذلك لك يكون المؤمن دوما تحت عناية المسيح الذي يهتم به إلى هكذا درجة حتى أن شعرة واحدة من رأسه لا تسقط بدون مشيئة الرب يسوع. إذ صعد إلى العُلى سبى سبيا وأعطى الناس عطايا. هذا ما ذكره الرسول بولس عن المسيح رئيس الكهنة وسيد المؤمنين واستطرد قائلا:
" المسيح أعطى بعضا أن يكونوا رُسلا وبعضا أنبياء وبعضا مبشرين وبعضا رعاة ومعلمين لأجل إعداد القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح إلى أن ننتهي جميعا إلى وحدة الإيمان ومعرفة ابن الله إلى إنسان كامل إلى مقدار قامة ملء المسيح" (الرسالة إلى أهل أفسس 4: 11- 13).
أما موضوع عودة المسيح إلى العالم أو مجيئه الثاني كما نُشير إليه عادة فإنه أمر ذكره الرب أثناء حياته على الأرض وكذلك الملائكة والرسل الملهمون. ونعني بعودة المسيح أنه تعالى سيأتي إلى العالم في اليوم الأخير لدينونة الأحياء والأموات ولإنشاء ملكوته الأبدي المجيد. ونكتفي باقتباس قول الملائكة للرسل بعد صعود المسيح إلى السماء:
" أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم على السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلى السماء" (أعمال الرسل 1: 11).
وكمؤمن أعلم أن هذا الرجاء الحي الذي يوجده في قلبي الروح القدس بواسطة كلمة الإنجيل المقدسة إنما هو عزاء كبير لي لأن المسيح سيظهر في نهاية العالم من أجل خلاصي التام والكامل. أثناء مروري بهذه الحياة والمشقات والصعوبات العديدة التي تُجابهني أعلم عِلم اليقين أن ربي ومخلصي سيعود إلى هذا العالم كالديان العادل وإنه يجب علي ألا أخاف مطلقا من هذا الحادث إلهام لأن ديان العالم هو في نفس الوقت فاديّ المحب الذي مات عني على الصليب.
وهكذا كمؤمنين لا نخاف من الدينونة العامة التي ستجري لدى رجوع المسيح إلى العالم ولا نضطرب لأن الذي سيكون الديان إنما هو أيضا بالنسبة إلينا شفيعنا والمُدافع عنا وهو سيأخذنا معه لنكون معه أبديا. ولذلك علينا أن ننتظر مجيء المسيح بكل فرح وسرور متيقنين أن نصرنا التام والنهائي على الخطية وقيامتنا من الأموات- وذلك إن متنا قبل المجيء الثاني- كل هذه الأمور العظيمة مرتبطة بالمسيح يسوع وبرجوعه إلى العالم.
وهذه بعض الشواهد الكتابية بخصوص موضوع الثاني للمسيح:
كتب الرسول بولس في رسالته إلى مؤمني كولوسي:
" متى أُظْهر المسيح حياتُنا حينئذ تُظهرون أنتم أيضا معه في المجد" (3: 4).
وفي الرسالة إلى أهل فيلبي كتب بولس قائلا:
" فإن سيرتنا – أي رعويتنا – نحن هي في السموات التي منها أيضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح الذي سيُغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يُخضع نفسه كل شيء" (3: 20و 21).
وفي رسالته إلى ابنه الروحي تيطس أحد أساقفة الكنيسة الرسولية قال الرسول بولس:
" لأنه قد ظَهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس مُعَلّمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر، منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفيدنا من كل إثم ويُطهِّر لنفسه شعبا خاصا غيورا في أعمال حسنة" (2: 11- 14).
- عدد الزيارات: 4837