Skip to main content

الدرس السادس عشر: خالق السماء والأرض

نعترف بإيماننا الكتابي ونقول: أومن بإله آب ضابط الكل خالق السماء والأرض وكل ما يرى ولا يرى. وقد رأينا حتى الآن في دروسنا في تعاليم الكتاب المقدس أن الله الآب هو قادر على كل شيء وأنه يستعمل هذه المقدرة اللامحدودة لخير أبنائه الذين تبناهم في المسيح يسوع. ولا بد لنا الآن من التعليق على العبارة: خالق السماء والأرض، كل ما يُرى وما لا يرى. إذ أننا عندما نقول بأننا نؤمن بإله واحد...

خالق السماء والأرض والأمور المنظورة وغير المنظورة نُقِرُّ ونعترف بإيماننا الكتابي الذي يختلف كل الإختلاف عن المعتقدات السائدة في أيامنا هذه والتي تؤله المادة وتُعَلِّم أن الكون المادي هو كل ما له وجود وأنه كان منذ الأزل من تلقاء نفسه ولنفسه. وما تعلمناه سابقا عن كون الله قادرا على كل شيء لا يكون ذو أهمية أن لم نُقر بعقيدة الخالق عزّ وجل الذي صنع السموات والأرض والكون وسائر المخلوقات المنظورة منها وغير المنظورة. إن لم يكن الله هو الخالق وخالق الكل فإنه لا يقدر أن يكون قادرا على كل شيء ولا ضابطا لكل شيء. نشكر الله لأنه كشف عن ذاته في كتابه المقدس وأخبرنا بأنه هو الخالق ولذلك نقدر أن نركن إليه ونحتمي ونلقي جانبا سائر النظريات والافتراضات التي تُحاول تفسير العالم والوجود بأسره بواسطة فلسفة مادية عقيمة وخالية من المحبة والرحمة.

يُعلمنا الكتاب إذن أن الله خلق الكون بأسره من لا شيء وأنه تعالى يسوس هذا الكون بكلمة قدرته. وعبارة السماء والأرض أنه هناك عالما روحيا فوق الطبيعة وكذلك كونا ماديا شاسعا تَسبح فيه النجوم والأفلاك العديدة. وهذا الكون بأسره إنما يعلن عن وجود الله ويُخبر عن عظائمه وعن قوته ولاهوته. فهو إذن ذو قيمة كبيرة وإن كانت هذه الأمور لا تفيد الناس الخطاة لأنهم لا يتمتعون ببصر روحي سليم. أي أن الإنسان الخاطئ لم يَعد ينظر إلى الكون بعين سليمة بل أصبح تائها في أفكاره الشريرة وغير قادر على رؤية عظمة الله في الكون.

وقد قال صاحب المزمور الـ 33 عن موضوعنا:

" بكلمة الرب صُنِعت السموات وبِنَسْمَةِ فيه كل جنودها" (6) قائلا:

" لأن ما يُعرف عن الله ظاهر فيهم لأن الله أظهَرَه لهم. لأن أموره غير المنظورة أي قُدرته السرمدية ولاهوته، تُرى منذ خلق العالم، مُدْرَكَة في المخلوقات، فلذلك هم بلا عذر" (1: 19و 20).

فكما أن الآلة المصنوعة من قِبَل المخترع الماهر تُشير إلى مخترعها هكذا أيضا تُشير السموات والأرض إلى باريها. وهذا الإعلان هام جدا أي إعلان الله الكائن في الطبيعة بالرغم من أنه لا يدرك الآن إدراكا صحيحا من قِبَل الإنسان الخاطئ الغير مهتدي إلى نور إعلان الله الخاص والفدائي الكائن في الكتاب.

فقد تَغَنى المرنِّم داود بالهام الروح القدس قائلا عن موضوعنا:

" السموات تُحَدِّث بمجد الله. والفلك يُخبر بعمل يديه. يوم إلى يوم يذيع كلاما وليل إلى ليل يبدي عِلما. لا قَوْلٌ ولا كلام. لا يُسْمَعُ صوتهم. في كل الأرض خرج منطِقُهُم وإلى أقصى السموات خروجها ومدارها إلى أقاصيها ولا شيء يختفي من حرّها" (المزمور الـ 19: 1- 6).

وأخيرا علينا أن نلاحظ أن الله لم يخلق الكون كما نراه الآن بأعيننا. فإن خليقة الله العظيمة والجميلة والحسنة التي نقرأ عنها في سفر التكوين هذه الخليقة سقطت مع آدم وحواء وأصبحت تحت سلطان الشر والخطية. وهكذا فإننا نقدر أن نقول بأن كل شيء في هذا العالم الذي لا يمكن إرجاعه إلى الله كَمُبْدِعِهِ إنما هو بسبب الخطية. الموت مثلا هو أجرة الخطية والطبيعة بأسرها تئن وتتمخَّض إلى الآن وحتى نهاية التاريخ البشري بسبب عصيان آدم الإنسان الأول. كل التشويش الهائل الذي نراه في العالم من قحط وجراثيم وأوبئة كل ذلك يعود إلى الخطية. فلنتذكر دوما هذا العامل المؤلم عامل الخطية والشر عندما ننظر إلى عالمنا الذي نحن جزء منه ولنشكر الله الذي لم يقف مكتوف اليدين تجاه ثورة الإنسان وعُصيانه بل جاء بتدبير الخلاص والإنقاذ الذي لا يستفيد منه الإنسان وحده فقط بل الطبيعة بأسرها بل الكون بأسره. المجد للآب والابن والروح القدس الإله الواحد من الآن وإلى الأبد، آمين.

  • عدد الزيارات: 3868