الدرس العاشر: كلمة الله والولادة الثانية
الخلاص الذي أتمه السيد المسيح لا ينفع الإنسان إلا إذا آمن الإنسان بالمسيح. وبعبارة أخرى لا يقدر أي شخص أن يستنتج بأنه خالص بمجرد معرفته أن يسوع المسيح هو مخلص العالم. على كل شخص أن يؤمن شخصيا بجميع مواعيد الله وأن يؤمن من قرارة قلبه أن يسوع المسيح هو مخلصه الشخصي ليقدر أن يَعُد نفسه خالصا بالحقيقة. لا نقدر أن نشدد كثيرا على هذا الأمر: الخلاص من الخطية وبواسطة السيد المسيح هو أمر شخصي. ومجرد ولادة إنسان في بيت مؤمن لا يعني أن ذلك الإنسان قد تخلص آليا من نتائج الخطية التي ارتكبها آدم والتي ورثها عنه ثانية أو ولادة سماوية ليستفيد من الخلاص المقدم مجانا في الإنجيل.
كون الخلاص الذي أتمه السيد المسيح لجميع العالم أمر لا يُنكر ولكن هذا لا يعني أن الجميع يَخلصون. كلنا منحدرون من آدم وحواء وهكذا جميعنا أخطأنا في آدم وجميعنا تحت غضب الله وذوي طبيعة بشرية ساقطة أي دائمة الميل نحو الشر. ولكن علاقتنا بآدم الثاني أي بالسيد المسيح ليست علاقة جسدية بل روحية ولا تتم بشكل وراثي بل بالإيمان. ولَم يتردد الرب يسوع المسيح عن التشديد على أهمية الإيمان به كشرط أساسي لنيل الحياة الأبدية. فلقد قال لتلاميذه ولسائر المؤمنين به عبر العصور ما يلي:
" أثبتوا فيَّ وأنا فيكم. كما أن الغصن لا يستطيع أن يأتي بثمر بذاته إن لم يثبت في الكرمة، كذلك أنتم أيضا إن لم تثبتوا فيَّ. أنا الكرمة وأنتم الأغصان. فإنكم بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئا" (الإنجيل حسب يوحنا 15: 4و 5).
وهذا الثبات الذي يتطلبه منا الرب يسوع لا يتم بدون الإيمان الحي الفعَّال.
وقد ذكر الرسول يوحنا في مقدّمة الإنجيل عن موضوعنا هذه المبادئ الهامة:
" أما جميع الذين قبلوه فقد أعطاهم سلطانا أن يصيروا أبناء الله، وهم الذين يؤمنون باسمه، الذين لم يولدوا من دم، ولا من مشيئة رجل، بل من الله. (1: 12و 13).
وقبل أن يذكر هذا الأمر كان يوحنا قد كتب قائلا:
" لقد كان في العالم، والعالم به كُوِّنَ والعالم لم يعرفه إلى خاصته جاء، ومن كانوا خاصته لم يقبلوه" (1: 10و 11).
فقول الرسول يوحنا هذه الكلمات المحزنة إنما يشير إلى أن المسيح يسوع مع كونه مخلص العالم إلا أن أكثرية العالم لم يعرفه وخاصته أي بنو جنسه- حسب الجسد- رفضوه في غالبيتهم. أفلا نكون محقين في الاستنتاج بأن الرسول يُحذِّرنا ويرينا بأن الخالصين هم أولئك الذين يقبلون المسيح بإيمان صادق لأنهم إذ ذاك يُعطون القوة والصلاحية بأن يَصيروا أولاد الله؟
وهذا الانقلاب التام في حياة الإنسان يحدث أن اختبر الإنسان ما دعاه السيد المسيح بالولادة الثانية. بدون هذا الاختبار لا يستفيد الإنسان مطلقا من عمل المسيح الخلاصي. وهذا ما حدث بالرب يسوع له المجد أن يقول لنيقوديموس وهو أحد رؤساء اليهود الدينيين في أيامه:
" الحق الحق أقول لك: إن لم يولد أحد من فوق، لا يقدر أن يُعاين ملكوت الله. قال له نيقوديموس: كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟ أجاب يسوع: الحق الحق أقول لك: إن لم يولد أحد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. إن المولود من الجسد هو جسد والمولود من الروح هو روح. فلا تَعْجَب إن قلت لك: إنه ينبغي أن تولدوا من فوق. إن الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، ولكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. فهكذا كل من وُلِد من الروح" (الإنجيل حسب يوحنا 3: 3- 8).
يبدأ الإنسان بواسطة هذه الولادة الثانية الروحية باسترجاع صورة الله الأصلية التي خسرها عندما سقط في آدم. يعلِّمنا الكتاب في سفر التكوين إن الله خلق الإنسان على صورته وشبهه أي إنه كان هناك شبه بين الله والإنسان إذ أن الله وضع في الإنسان بعض صفاته، جاعلا منه تاج الخليقة. ولكنه عندما ثار الإنسان على الله أصبحت صورة الله فيه مُشوهة إلى درجة كبيرة حتى أننا نقدر أن نقول أنه خسرها. صار الإنسان يعمل على تقليد الشيطان في ثورته على الخالق.الولادة الثانية هي المرحلة الأولى والأساسية لرجوع الإنسان من الطريق المؤدي إلى الجحيم للسير على الطريق إلى النعيم. وكما قال الرسول بهذا الصدد في رسالته إلى أفسس:
" وأما أنتم... تَعَلَّمتم أن تنـزعوا عنكم المتصل بتصرفكم السابق، الإنسان العتيق الفاسد بشهوات الغرور، وإن تتجددوا بروح ذهنكم، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق على مثال الله في البر وقداسة الحق" (4: 20- 24).
ولا بد لنا من ذكر علاقة الولادة الثانية بكلمة الله. سقط آدم وحواء في الخطية لأنهما لم يؤمنا بكلمة الله التي استلماها من الخالق بصورة مباشرة ولأنهما صدقا كلمة الشيطان. فكل نتائج الخطية الأصلية وكل الخطايا تنتج إذن عن عدم الإيمان بالله وعن تصديق كلمات الشيطان. وهذا الوضع المؤلم لا يُقلَب من الناحية العملية إلا إذا آمن الإنسان بالله وبكلمته المقدسة. تُعطينا الولادة الثانية المقدرة على السير على طريق الإيمان ولابد لنا إذن أثناء حياتنا بعد التجديد من أن مستمر في الإيمان بكل ما أوحى به الله أي بالكتاب المقدس. وجود الحياة الجديدة بدون إيمان بكلمة الله أمر مستحيل لأننا في الدقيقة التي نمتنع بها عن الإيمان بالله وبكلمته نكون سائرين من جديد على طريق الحياة القديمة التي تَخَلَّصنا منها بواسطة الولادة الثانية.
- عدد الزيارات: 4047