Skip to main content

الشهادة في سفر العدد

تحمل أسفار موسى الخمسة لنا خمس رسائل متتالية توضح لنا الكثير من الحق.

ففي سفر التكوين نرى الاختيار حيث يختار الله هابيل وليس قايين، ثم إبراهيم وليس ناحور، ثم يعقوب وليس عيسو، ثم يختار يوسف وليس رأوبين، ثم أفرايم وليس منسى، والاختيار من مطلق سلطان الله ونعمته ومحبته.

وفي سفر الخروج نرى الفداء. والفداء له وجهان وهما الفداء بالدم وهذا ما نراه في خروج 12 "فأرى الدم وأعبر عنكم" (خر 12: 13)، والفداء بالقوة وهذا ما نراه في خروج 15 "ترشد برأفتك الشعب الذي فديته تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك" (خر 15: 13).

وفي سفر اللاويين نرى هذا الشعب المختار والذي افتداه الرب يأتي به إلى الأقداس فنرى الأقداس وما يليق بها وما لا يليق.

وفي سفر العدد نرى أولئك الذين اختارهم وفداهم وأدخلهم على أقداسه عليهم أن يعبروا طريقاً طويلاً فيه تنكشف حالتهم، وكذلك يعلن الله نفسه لهم.

وفي سفر التثنية نرى حكومة الله وسياسته حيث يعلن الله المبادئ التي ينبغي أن يسير عليها شعبه حين يدخلون إلى الأرض.

وحيث أن سفر العدد يرينا رحلة الشعب في البرية فهو صورة للحياة الحاضرة للمؤمن قبل أن يصل إلى الرب في السماء. وعمل المؤمن في هذه الفترة هو الشهادة للرب في العالم. "في وسط جيل معوج وملتو تضيئون بينهم كأنوار في العالم". (في 2: 15). لذلك نرى المسكن اسمه مسكن الشهادة (عد 1: 50، 35)، والتابوت تابوت شهادة (عد 4: 5)، وخيمة الاجتماع اسمها خيمة الشهادة (عد 9: 15)، وعندما تذكر أدوات خيمة الاجتماع يركز الروح القدس على شيئين هما:

1- المنارة: وهي تكلمنا عن الشهادة. وفي سفر الرؤيا (ص 1- 3) عندما أشار الرب للكنيسة في الفترة الحاضرة من يوم الخمسين للاختطاف لم يشبهها بمسكن أو بيت أو عرس أو جسد مع أنها كانت هي كذلك لكن شبهها بسبع مناير (رؤ 1: 12)

2- الأبواق: وهي أيضاً تكلمنا عن الشهادة حيث يعلن البوق عن وجود شعب يتبع الرب.

وينقسم سفر العدد بالارتباط بالشهادة إلى ثلاثة أقسام رئيسية:

1- ص1- ص10: مطاليب الله من شعبه لكي تتم الشهادة.

2- 1ص11- ص20: ما عمله الشعب وفشله في الشهادة حيث يسجل الروح القدس عشر حوادث ترينا فشل الشعب.

3- ص21- ص36: ما عمله الله لكي تتم الشهادة بالرغم من فشل الشعب.

وفشل الشهادة يرجع غالباً إلى شيئين هم الفساد والعجز.

ولكن كيف عالج الله مشكلتي فساد وعجز الشعب؟

أولاً: كيف عالج الله مشكلة فساد الشعب:

1- عدد 21: معالجة مشكلة الخطية في الجسد:

عندما ظهر الجسد بنجاسته وفساده ضد الله "تكلم الشعب على الله وعلى موسى قائلين لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البرية لأنه لا خبز ولا ماء وقد كرهت أنفسنا الطعام السخيف (عد 21: 5). "اهتمام الجسد هو موت... اهتمام الجسد هو عداوة الله" (رو 8: 6، 7). والذي يبدأ بالعداوة هو الجسد "الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد" (غل 5: 17). ونحن بعد اختبارنا للخلاص نكتشف أن الجسد فينا يعطل شركتنا مع الرب ونختبر الفشل والإحباط "ويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو 7: 24).

قدم الله علاجاً رائعاً حيث قال لموسى "اصنع لك حية محرقة وضعها على راية فكل من لدغ ونظر إليها يحيا" (عد 21: 8). وقال الرب بفمه الكريم "وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان" (يو 3: 14)، فكانت الحية النحاسية رمزاً للمسيح عندما رفع على الصليب لا لكي يرفع الخطايا لكن ليجعل خطية "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2 كو 5: 21)، "فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد" (رو 8: 3). لقد أدان الله الخطية التي في الجسد في صليب المسيح، وحين يرفع المؤمن عينيه إلى صليب المسيح يجد هذا العدو البغيض الرديء وقد أدين في صليب المسيح. وهكذا تحل ّ مشكلة الخطية من جانبها القضائي ويسقط ثقلها من على ضمير المؤمن، هذا بالإضافة إلى الروح القدس الذي يحل المشكلة من جانبها العملي وعندئذ يهتف المؤمن قائلاً "ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد اعتقنى من ناموس الخطية والموت" (رو 8: 2). وهذا هو اختبار العتق. وأول نتائج هذا الأمر تظهر في الضمير عند الدخول إلى محضر الله، ويقف المؤمن في صف الله ضد الجسد ويحكم عليه.

2- عدد 28: اكتساب جمال المسيح.

"خروفان حوليان صحيحان لكل يوم محرقة دائمة. الخروف الواحد تعمله صباحاً والخروف الثاني تعمله بين العشاءين" (عد 28: 3، 4). وكأن الله عندما ينظر لبني إسرائيل يريد أن يراهم من خلال سحابة رائحة السرور من المحرقة. وهكذا نرى المؤمن وقد اكتسب جمال المسيح في حضرة الله، فبينما يجد العلاج في صليب المسيح كذبيحة الخطية وقد انتقل جرمه إلى المسيح وعالج قبحه وفساده مرة واحدة لكن في المحرقة الدائمة يُرى المسيح كالمحرقة وقد انتقل إليه جمال المسيح وكماله. وهذا ما نراه في رسالة أفسس "لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب" (أف 1: 6). وحيث أن المحرقة دائمة بذلك لا يمكن أن يفقد المؤمن جماله أبداً. ورأى بلعام هذا الجمال العجيب ونطق قائلاً "لم يبصر إثماً في يعقوب ولا رأى تعباً في إسرائيل. الرب إلهه معه وهتاف ملك فيه." (عد 23: 21)، "كأودية ممتدة كجنات على نهر كشجرات عود غرسها الرب. كأرزات على مياه..." (عد 24: 6).

3- عدد 19: شريعة البقرة الحمراء.

ويحتاج المؤمن إليها حين يتنجس ويُشوّه عملياً جماله في المسيح، فيعود مرة أخرى لصليب المسيح لا لكي يرى الخطية وقد دينت أو المحرقة لكن ليتذكر من جديد دينونة الخطية ويرى الخطية كما رآها الله "أما الرب فسرَّ بأن يسحقه بالحزن إن جعل نفسه ذبيحة إثم" (إش 53: 10)، وهذا ما يحدث في اليوم الثالث حيث يرش عليه ماء النجاسة. وهذا من عمل رووح الله في المؤمن حيث يعمق فيه الشعور بالكراهية للخطية، وبعد ذلك يرى دم المسيح كما يراه الله في كفايته للتأهيل لمحضر الله، وهذا معنى رش الماء في اليوم السابع. "إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يُطهرنا من كل خطية" (1 يو 1: 7).

ثانياً: كيف عالج الله مشكلة ضعف وعجز الإنسان:

1- عدد 11: المن.

حين يجوع المؤمن في البرية فيظهر عدم الرضى والتذمر والضيق، عندئذ يقدم الله له صنفاً واحداً من الطعام وهو المن الذي يشير إلى الرب يسوع "أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء" (يو6: 51). فالمؤمن في حالة الجوع عليه أن يبحث عن المسيح ويتأمل فيه ويتغذى عليه.

2- عدد 20: الماء.

حين يعطش المؤمن يذهب للصخرة (أي المسيح) فيجد الماء الخارج من الصخرة الذي يشير للروح القدس "من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" (يو 7: 38، 39). ولكي يمتلئ المؤمن بالروح القدس عليه أن يتأمل في جمال المسيح فتنتعش عواطفه ويمتلئ بالفرح.

3- عدد 17: رئيس الكهنة وعصا الكهنوت.

للرثاء والمعونة في وقت التجربة "لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية. فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه" (عب 4: 14- 16)

إذاً فالله قدّم المسيح للمؤمن مرفوعاً كالحية لعلاج مشكلة الخطية في الجسد، والمسيح كالمحرقة ليكسبه جمال المسيح وكذبيحة البقرة الحمراء للتطهير اليومي من نجاسات غير متعمدة، ثم يعالج عجزه بإشباعه بالمن وإروائه بماء الصخرة أي المسيح وقوة الروح القدس ثم كهنوت المسيح. فإن تمتع المؤمن عملياً بكل هذا نجح في الشهادة.

  • عدد الزيارات: 1626