Skip to main content

الأصحاح 35

كانوا بنو إسرائيل قريبين من امتلاك الميراث ويذكر هنا المدن اللاوية التي كان ينبغي إعطاؤها للاويين ليسكنوا فيها، وهنا تبرز قاعدة عامة بالنسبة لكل أولاد الله أنهم ينبغي أن يعطوا من مملكاتهم لكل ما هو لاوي أي المرتبط بالخدمة.

وكان اللاويون قد أخذوا مكانهم حول خيمة الاجتماع في البرية للخدمة، ولكن كان عليهم الآن والشعب على وشك الدخول إلى الأرض أن ينتشروا بين كل الأسباط ليعلموا تعاليم الرب الخاصة بأحكامه وناموسه (تث 33: 10) وكان على الشعب أن يعطي المكان الأول لكل ما هو لاوي.

واللاويون الذين أخذوا بدلاً من الأبكار يمثلون قديسي العهد الجديد ككنيسة أبكار مكتوبين في السموات (عب 12: 23) وليس في فكر الله أن يفرز عدد قليل من مؤمني العهد الجديد للخدمة بل أنهم كلهم مفرزون للخدمة لأنهم أعضاء جسد المسيح وينبغي أن يخدموا لمسرته. وينظر إلى اجتماعات المؤمنين كمدن لاوية، وتذكر كلمة مدن حوالي ثلاثين مرة وهذا يرينا أن فكرة المدن موجودة أمام الله وأنه جهز مدينة لكل السماويين (عب 11: 10، 16)، وحين تظهر تلك المدينة سوف تشبع كل الذين ينتظرونها مثل إبراهيم. سوف يشرق فيها النور الإلهي ويملأ كل الأرض ويزول عندئذ كل ما سببته الخطية من تشويش. وكل سكان المدن اللاوية هم أشخاص مكرسون ومرتبطون بمدينة الله وحين قال الرب يسوع له المجد أنه لا يمكن أن تخفي مدينة موضوعة على جبل أراد أن يظهر فكرة مدينة الله، وأن القديسين ينبغي أن يكون لهم صفة الخدمة المستمرة وذلك لمسرته. والخدمة المستمرة لشعبه تظهر قوة الشهادة لاسمه وإظهار مقاصده وأفكاره من نحو المؤمنين.

والخدمة اللاوية يجب أن تتواجد في كل الأسباط أي يتواجد النور الإلهي فيها جميعها، وكم هو جميل أن يكون الأمر هكذا بيننا نحن مؤمني العهد الجديد حيث يسطع النور الإلهي بيننا بطريقة عملية. وكما ورد في الأصحاح السابق عن حدود الميراث وأننا يجب أن نبقى داخل تلك الحدود فإن هذا الأصحاح يخبرنا أننا ينبغي أن نكون أيضاً داخل المدن اللاوية منفصلين عن كل ما هو من الجسد والعالم مكرسين لخدمة الرب.

والمسرح الذي يرتبط بكل مدينة يشير إلى أن الأبكار الذين يخدمون اللاويين سوف يكون لهم الكثير من الرحمة الأرضية بتوفير احتياجاتهم أثناء وجودهم هنا، يكون لهم كفايتهم من الأمور الزمنية والألف أو الألفي ذراع تعني تسديد احتياجاتكم بأكثر مما يحتاجون لأن الآب السماوي يعلم احتياجهم ويسدده (مت 6: 32).

إن الفكر الإلهي أمر عظيم في تجهيزه لمدن الملجأ وهذا ظاهر في الأصحاحات الأولى من سفر الأعمال لأن الله كان يعرف أن المسيح سوف يُقتل وأن جميع البشر سوف يقعون تحت مسئولية قتله ولكنه أمر مؤثر أن الله يحسب قتل المسيح كأنه تم بدون قصد سابق وهذا الأمر ترينا إياه كلمات الرب يسوع له المجد على الصليب "اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23: 34)وأيضاً كلمات بطرس بعد ذلك "أيها الإخوة أنا أعلم أنكم بجهالة عملتم كما رؤساؤكم أيضاً" (أع 3: 17) وعلى هذا الأساس أوجد الله مدن الملجأ وكثيرون لجأوا إليها.

ولكننا نرى أن الملجأ الذي أوجده الله بموت المسيح له صفة رائعة في الكنيسة إذ وجد فيها ما هو لاوي الخدمة المقبولة بطريقة لم يسبق لها مثيل قبل ذلك، لقد وصل بعد المكرسين للخدمة اللاوية إلى مركز عال من السجود والارتفاع في خدمتهم، لقد تحقق ذلك بهروبهم إلى المدينة التي فيها المسيح وهو هناك لكي يرحب بهم في الدائرة التي أصبح هو فيها مكرماً ومحبوباً وهم يشاركون نصيبهم معه حيث يهتم الكل بخدمة الله حسب قصده. كان للتسالونيكيين الشعور العميق أن المدينة الحقيقية للملجأ موجودة حيث يخدم الله الحي الحقيقي، والشخص المتدرب تدريباً إلهياً لا يشعر بالأمان في أي مكان آخر غير مدينة الله. أما العالم، وإن كان له شكل مسيحي، ولكنه خالٍ من المسيح وكل ما فيه ليس سوى أموراً هالكة. ومدينة الملجأ هي المدينة التي فيها "نمسك بالرجاء الموضوع أمامنا. الذي هو كمرساة للنفس مؤتمنة وثابتة تدخل إلى ما داخل الحجاب حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا صائراً على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى الأبد" (عب 6: 18- 20).

ومن الملجأ هي تجهيز لحالة غير عادية في إسرائيل، ولا يوجد شيء غير عادي أكثر من قتل المسيح، وأعطيت هذه الفرصة لكي يؤمن الناس به وهو في السماء ويلجأون إليه في المكان الذي فيه يُخدَم الله بطريقة كهنوتية ولاوية أي بطريقة روحية سامية أكثر مما كان لإسرائيل.

كانت جماعة الله في فكره هي وكل تاريخها (رو 15: 4) ورغم أنه شعبه كان في حالة محزنة لكنه جهز لهم مدن الملجأ. والحالة المحزنة التي وصلت إليها الكنيسة تجد وصفاً لها في أيامها الأخيرة في تيموثاوس الثانية وأصبح وجود مدن الملجأ شيئاً ضرورياً وسط هذا الانحراف أو التحول العام. وأوجد الله الملجأ بإنهاض الحق الخاص بالمسيح وتم هذا في أوائل القرن الماضي، وعلى قدر ما ندرك ما أصبح عليه العالم المتدين حيث نرى ليس فساداً فقط بل محاولة إنسانية لإصلاحه من خلال الطائفية، وعلى قدر ما ندرك ذلك على قدر شعورنا بحاجتنا إلى الملجأ الذي جهزه الله في رحمته حيث يهرب إليه الذين يرغبون في الانفصال والذين يتبعون البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي (2 تي 2: 19- 21) وإذا تصرفنا هكذا فسوف نجد أنفسنا في مدن الملجأ وفي جو لاوي يحيط بنا.

ومدن الملجأ الست يقع نصفها على الجانب الشرقي من الأردن والنصف الآخر على الجانب الغربي. وبغض النظر عن خطأ رأوبين وجاد أو صوابهما في اتخاذ ملكهما على حدود الأردن فإن الله في رحمته لم يترك القاتل سهواً من غير ملجأ يهرب إليه من ولى الدم.

ومدن الملجأ التي كانت لإسرائيل كانت على تلال (يش 20: 7) وفي هذا إشارة إلى ما هو روحي وسماوي وله السمو فوق كل ما استحضره الشر في الأرض وسط دائرة الاعتراف المسيحي. لقد أعطانا الله تعاليمه الرسولية في هذه الأيام الأخيرة عن طريق إنهاضها، وذلك طبقاً لرحمته في هذه الأيام الأخيرة ويريد منا أن نتمتع بها كثمار المحبة التي حدث التحول عنها سنين طويلة. والخروج خارج مدن الملجأ إنما فيه تعرض للخطر إذ لا ينبغي أن يكون هناك تساهل في طريق البر والإيمان والمحبة والسلام.

والقاتل الذي يشار إليه كثيراً في النصف الثاني من الأصحاح والذي يموت بدون رحمة يشير إلى اليهود الذين أظهروا عداوة قاتلة للمسيح واستمرت متجهة إلى شهيده استفانوس أمام المجمع. ومع أن المسيح على الصليب اعتبرهم قاتليه بدون قصد لكن استفانوس أشار بالروح القدس إلى أنهم كانوا مذنبين ذنباً عظيماً إذ سلموا وقتلوا البار. لقد وضعهم استفانوس تحت المسئولية الكاملة لقتل المسيح وهم لم يحتقروا فقط مدينة الملجأ ولكنهم عملوا كل ما أرادوا لكي يؤخروا البشارة المفرحة لكي لا تصل إلى الأمم، ولذلك أتى عليهم الغضب في قمته بحرق تيطس الروماني لأورشليم وقتله المئات الألوف من اليهود كما أنهم سوف يجتازون الضيقة العظيمة حيث يتحدون بإنسان الخطية. وذلك بعد اختطاف الكنيسة.

  • عدد الزيارات: 1635