الأصحاح 34
يصف هذا الأصحاح أرض كنعان طبقاً للتخوم المذكورة به (ع 2). لم يكن الشعب قد دخل الأرض بعد، ولكن كان سرور الرب أن يعرفهم حدود الميراث. وأرض كنعان هي الميراث، وتشير إلى البركات السماوية التي قصد الله أن يدخلنا إليها نحن مؤمني العهد الجديد وهي عطية حاضرة ويقول الرسول بولس "شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور" (كو 1: 12). وميراث القديسين في النور هو من نصيب الذين تقدسوا بالإيمان في الوقت الحاضر ولهم من الآن أن يتمتعوا به. وهذا الميراث له حدود محددة وهو يختلف كل الاختلاف عن كل ما هو خارج هذه الحدود، ويريد الله منا أن نفهم ذلك حتى قبل أن ندخل إليه عملياً. وكان هذا الميراث أمام الرسول بولس حين صلى من أجل مؤمني كولوسي لكي يمتلئوا من معرفة مشيئته في كل حكمة وفهم روحي (كو 1: 9). وهذا الأصحاح رمز لذلك في ذكر هذه الحدود.
"وهذا الميراث في النور، والذين أهلهم الله لهذا الميراث هم الذين دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب" (1 بط 2: 9).
اعتنى الله بأمور شعبه من كل وجه إذ حدد لهم حدود الأرض التي يسكنون فيها، وحدد حدود مسكن اللاويين الذين لم يكن لهم نصيب في الميراث، وحدد ست مدن للملجأ لكي يهرب إليها قاتل النفس سهواً وهي رمز لمعاملات الله المنعمة لإسرائيل الذين في جهلهم صلبوا المسيح واعتبروا عن أنفسهم مسئولين عن دمه، الأمر الذي لم يكن في طاقتهم احتماله. ودين إسرائيل بسبب عصيانهم وصلبهم للمسيح وتشتتوا وسوف يظلون مشتتين طالما أن الكاهن العظيم ربنا يسوع المسيح جالس على عرش الله في السماء، ولكنهم وهو مشتتون تحت عناية الله حتى يرجعهم إلى أرض كنعان مرة أخرى بمجرد قيام الكاهن العظيم عن عرش الله.
إن اليد التي قادت إسرائيل في البرية إلى أن أدخلتهم إلى الأرض هو النفس اليد التي خططت لهم حدود مساكنهم. وللأسف لم يضع بنو إسرائيل يدهم على كل الأرض مع أن الله أعطاهم جميع أرض كنعان وأعطاها لهم إلى الأبد. اكتفوا بجزء من الأردن، ولكن لا بد أن يحقق الرب مواعيده لشعبه ويمتلك كل الأرض.
وكان الرب قد حذرهم أنهم إن لم يطردوا سكان الأرض من أمامهم فالباقون منهم سيكونون أشواكاً في أعينهم ومناخس في جوانبهم ويضايقونهم وسيفعل بهم كما عزم أن يفعل بسكان الأرض الأصليين (عدد 33: 55- 56)، وسبق أن أعطى الرب ليشوع في خطابه الأخير نفس التحذير (يش 23: 13)، ولم يطرد إسرائيل كل سكان الأرض كما قال الرب لهم وكان عليهم أن يتحملوا نتائج عدم طاعتهم.
ونجد فرقاً هنا بين حدود الأرض وما جاء في تك 15: 18 حين أعطى الرب الوعد لإبراهيم ولنسله حيث كان الوعد هناك تحت عهد النعمة ولكن إسرائيل دخل الأرض تحت عهد الناموس. ولو أطاعوا الرب كان لا بد أن يمتلكوا كل الأرض وهذا ما يتحقق في الملك الألفي.
وكانت الأرض توزع بالقرعة، والقرعة "تعطل الخصومات وتفصل بين الأقوياء" (أم 18: 18)، "القرعة تلقى في الحضن من الرب كل حكمها" (أم 16: 33).
وإسرائيل كشعب أرضي سوف يكون لهم حدود في يوم قادم حينما يرثون أرض كنعان كلها وذلك كما تفهم من حزقيال 47، 48، وكان القصد الإلهي أن يعطي كل سبط من الأرض نصيبه لكنه قصد أيضاً أن يعين أشخاصاً لكي يقسموا الأرض، ألعازار الكاهن ويشوع بن نون وأيضاً رئيساً من كل سبط (ع 17، 18) وألعازار ويشوع كانا رمزاً للمسيح إذ كان لهما تدريب كهنوتي ونشاط رعوي. وقصد الله من تعيين هؤلاء الأشخاص أن يتمتع الشعب بميراثه كما يتمتع المؤمنون الآن بميراثهم بنشاط المسيح لا ينبغي أن يحددا في تفكيرنا بأمور البرية بل يمتد إلى الأرض. ونفعل حسناً حين ننظر بعين التقدير، إلى هذا الجانب من خدمة المسيح، وجانب كبير منها قد نقل إلينا من خلال خدمة الرسل وهم عطايا المسيح للكنيسة.
ونلاحظ أن ألعازار الكاهن يذكر أولاً قبل يشوع كما في يش 14: 1 لأن كل ما هو كهنوتي وروحي ينبغي أن يأخذ المكان الأول، وكما رأينا في سفر العدد ص 27 أن يشوع يقف أمام ألعازار الكاهن لكي يسأل له من الرب بقضاء الأوريم والتميم، وحين يقود إلى الخدمة الرعوية فلا بد أن تكون الخدمة حسنة تقود إلى التمتع بالميراث.
ويشير رؤساء الأسباط إلى المؤمنين الروحيين الذين لهم التميز الروحي في اجتماعات المؤمنين في العهد الجديد الذين يأخذون ما أعطى لهم من بركات روحية ويوزعها على بقية المؤمنين.
- عدد الزيارات: 1688