الأصحاح 26
نجد هنا بيان التعداد الثاني للشعب عندما كان على وشك الدخول إلى أرض الموعد. ولا شك أنه أمر مؤسف عندما نرى أنه لم يبقى على قيد الحياة غير يشوع وكالب من الستمائة ألف مقاتل الذين أحصوا أولاً، بل سقطت جميع الجثث في القفر، لم يبق سوى رجلا الإيمان ليحصدا ثمر إيمانهما. إن عدم الإيمان هو الذي منع ذلك النسل الأول من دخول أرض كنعان، وعلى هذه الحقيقة يبنى الروح القدس أحد التحذيرات الخطيرة "انظروا أيها الإخوة أن لا يكون في أحدكم قلب شرير بعدم إيمان في الارتداد عن الله الحي" (عب 3: 12) إن كلمة الله ممتزجة بالإيمان هي التي تربط قلوبنا بإلهنا وتفصلنا عملياً عن هذا العالم.
ويقترن عد الشعب في هذا الأصحاح بدخول الأرض. وقال الرب لموسى "لِهؤُلاَءِ تُقْسَمُ الأَرْضُ نَصِيبًا عَلَى عَدَدِ الأَسْمَاءِ. اَلْكَثِيرُ تُكَثِّرُ لَهُ نَصِيبَهُ وَالْقَلِيلُ تُقَلِّلُ لَهُ نَصِيبَهُ" (ع 52- 54). ومن هذه النقطة فصاعداً كان أمام فكر الله وقلبه أن يعطي الميراث لشعبه. وكان لهذا الميراث صفة رمزية حتى أنه يمكن للمؤمن في العهد الجديد التمتع بما يرمز إليه ذلك الميراث من الآن أي البركات الروحية في المسيح. كان في فكر الله أن ينال الأمم بالإيمان بالمسيح غفران الخطايا ونصيباً مع المقدسين (أع 26: 18) وهذا هو الجزء الأول من الميراث، والجزء الثاني هو التمتع بنصيبنا في المسيح من بركات روحية. والجزء الأول ضروري لكي نتمتع بالجزء الثاني. وكم هو جميل أن نقرأ بصورة متكررة أننا ورثة الله "الذي فيه (أي في المسيح) أيضاً نلنا نصيباً معينين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته" (أف 1: 11).
وتذكر هنا العائلات بالاقتران نع التعداد إذ نقرأ القول "حسب عشائرهم" كما نرى أن ذكر العائلات يرتبط أيضاً بالميراث. التعداد الأول كان له الصفة الحربية فتذكر الخدمة الحربية بالارتباط مع كل سبط، لكن في هذا الأصحاح لا تذكر الخدمة الحربية سوى مرة واحدة، الأمر الذي نرى فيه أن التعداد كان له الصفة العائلية والميراث. والذي يؤكد ذلك ذكر بنات صلفحاد اللاتي لم يكن لهن اشتراك في الحرب ولكن لهن الصفة العائلية. لم يقدم صلفحاد جندياً واحداً للحرب ولكن ذلك لم يمنع بناته من أن يأخذن ميراث العائلة. وهذا يرينا أنه بينما الصفة الحربية ضرورية للإمساك بالميراث فإن التمتع به يرتبط بالصفة العائلية التي تعني التحرك معاً حتى يمكنهم التمتع بالميراث وذلك عندما تتحرك جماعة الرب معاً. وتصور رسالة يوحنا الأولى القديسين في الصفة العائلية وهم يسيرون معاً في محبة كإخوة، وهكذا يكون لنا الشعور المتزايد أننا مرتبطون معاً بمشاعر التمتع المشترك بالميراث.
ونلاحظ أنه في الفترة التي شملها هذا السفر أن خمسة من الأسباط نقص عددهم ولكن زاد عدد السبع الباقين. والنقص الأعظم كان في سبط شمعون الذي تألم كثيراً من شراك المديانيين (ص 25)، أما الزيادة العظمى فكانت في سبط منسى الذي كان له الرغبة العظمى أن يمتلك الميراث، وكانت بنات صلفحاد من هذا السبط، وهذا يرينا أن النمو في الصفة العائلية وتقدير الميراث يسيران جنباً إلى جنب. وينبغي أن نسأل أنفسنا هل نحن ننمو أم نتناقص؟ وكان كلام الرب إلى موسى "اَلْكَثِيرُ تُكَثِّرُ لَهُ نَصِيبَهُ وَالْقَلِيلُ تُقَلِّلُ لَهُ نَصِيبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ الْمَعْدُودِينَ مِنْهُ يُعْطَى نَصِيبَهُ" (ع 54). على قدر النمو في الصفة العائلية على قدر كبر الميراث والتمتع به.
والصفة العائلية ترتبط بمعرفة الله كالآب، هكذا كانت كنيسة تسالونيكي كانوا جماعة من المؤمنين الصغار، لكن لكونهم فب الله الآب كانت روح العائلة هناك. ولم يكن بولس في حاجة أن يكتب لهم عن المحبة الأخوية "وأما المحبة الأخوية فلا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنها لأنكم أنفسكم متعلمون من الله أن يحب بعضكم بعضاً" (1 تس 4: 9). ويقول لهم الرسول أيضاً "فإنكم تفعلون ذلك أيضاً لجميع الإخوة الذين في مكدونية كلها" (1 تس 4: 10) أي أن الروح العائلية كان لها مكانها عملياً، وأيضاً كان لها صداها بطريقة عامة لجميع الكنائس.
ونرى قاعدة أخرى عظيمة في عددي 55، 56 "إنما بالقرعة تقسم الأرض حسب أسباط آبائهم حسب القرعة يقسم نصيبهم بين كثير وقليل" وهذا يستحضر سيادة الله المطلقة في رسم الحدود التي لا تعبر. كل سبط له قرعته وينبغي أن يبقى في حدوده. كلنا أولاد الله مهما كانت الفروق في درجة النمو. ولكن كل واحد منا له حدوده في الاجتماع المحلي حيث كل واحد له مسئولية محددة، وهناك فرق بين الرجل والمرأة فالمرأة يجب أن تكون صامتة وخاضعة في الاجتماع وتغطي رأسها بينما الرجل يكشف رأسه. إنهما متساويان تماماً في الصفة العائلية لكن في الاجتماع يجب الخضوع للنظام المرتب من الله.
أيضاً في رسالة كورنثوس الأولى ص 12 نرى أن هناك مواهب روحية "ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء" (1 كو 12: 11) وهذا يرجع بنا إلى القرعة الإلهية "فوضع الله أناساً في الكنيسة أولاً رسلاً ثانياً أنبياء ثالثاً معلمين ثم قوات وبعد ذلك مواهب شفاء...." (1 كو 12: 28)، كل هذه وضعها الله في الكنيسة، وترجع إلى سيادته وتجهيزاته، عطايا المسيح المرتفع إلى السماء (أف 4: 11) رسل وأنبياء ومبشرين ورعاة ومعلمين. ينبغي أن يمارس كل واحد ما أعطي له من موهبة لكي يكون هناك تمتع بالميراث.
والميراث عظيم لدرجة أنه لا يشغله إلا القديسون. وحين يمارس كل واحد موهبته ويتمتع الجميع بالميراث تعم الأفراح الجماعة.
- عدد الزيارات: 1617