الأصحاح 19
لم تأتِ البقرة الحمراء كرمز للمسيح في التقدمات المذكورة في سفر اللاويين لأنه يختص بالسجود ولكنها أتت هنا بعد كل الفشل في البرية والمسجل في الأصحاحات 11- 16، وهي رمز نبوي لتجهيزات النعمة لنا نحن الآن بعد الفشل الذي ورد ذكره في تاريخ الكنيسة.
ذكر ماء الخطية في ص 8: 7 ولكن شاء الله في حكمته أن لا تأتي شريعته سوى في هذا الجزء من سفر العدد، وهذا يرينا أن هذا الأمر كان في فكر الله من البداية.
وإذا رجعنا إلى هذه الأصحاحات (11- 16) نرى أن الجسد أظهر نفسه فيها وعندئذ نفهم أنها ضرورة أدبية أن إسرائيل الله يجب أن يتطهر من نجاسته. رغب الجسد في أن يقود مع أن القيادة كانت قد أعطيت لموسى وهرون، وتذمر من أكله للمن، واشتهى طعام مصر، وأراد أن يقيم رئيساً ويرجع إلى مصر، طلب الكهنوت لنفسه، ويقول الله عن هؤلاء الناس "بأكثرهم لم يسر الله لأنهم طرحوا في القفر" (1كو 10: 5) كانوا يموتون بمعدل تقريبي ألف شخص في الأسبوع وحدثت لهم هذه الأمور مثالاً لنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور (1 كو 10: 11)، ويقول الرسول إن فكر الجسد موت، وهذه الأمور التي ظهرت في إسرائيل ظهرت بصورة أكبر في دائرة الاعتراف المسيحي وهي كائنة في جسدنا نحن، وفي هذا الأصحاح يعطي الله بالنعمة الرمز اللازم للتطهير من نجاسة الجسد.
ويجب أن نتذكر أننا في هذا الأصحاح نقف بالارتباط مع الخيمة وأقداس الرب وهكذا ندرك أن النجاسة شيء خطير، ليس فقط أنها تنجسنا نحن شخصياً بل أيضاً تنجس مسكن ومقدس الرب (ع 13، 20).
وشريعة البقرة الحمراء تناسب البرية، وكان الشعب يموت فيها بالآلاف بسبب نجاستهم، وكان ينبغي أن تكون هناك وسيلة لتطهيرهم. وكان على الشعب أن يستحضر إلى موسى "بَقَرَةً حَمْرَاءَ صَحِيحَةً لاَ عَيْبَ فِيهَا وَلَمْ يَعْلُ عَلَيْهَا نِيرٌ" (ع 1، 2) والبقرة الحمراء رمز للمسيح (عب 9: 13، 14)، وحين تأتي الأنثى كرمز، فهي تشير إلى ضعف الحالة التي نراها في النجاسة والتي تستلزم التطهير، وتحدث النجاسة بلمس شخص ميت أو عظامه أو قبره، وتشير هذه الحالات الثلاث إلى حالة الإنسان في الجسد وهو تحت سلطان الخطية والموت. إذا سمحت للطبيعة العتيقة أن تعمل فيَّ، فأكون بذلك قد لمست شخصاً ميتاً أو عظامه وأصبحت في دائرة الأموات أدبياً "لأن اهتمام الجسد هو موت.... اهتمام الجسد هو عداوة لله.... فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله" (رو 8: 6- 8).
يجذب الله نظره في التطهير إلى كمال المسيح وتوجد تفاصيل في ذكر البقرة الحمراء لا نجدها في الرموز الأخرى، ويذكر هنا أنها "حمراء" أي أن لونها أحمر منذ ولادتها واللون الأحمر هو لون الدم ويشير إلى طاعة المسيح حتى الموت، و"صحيحة" أي بلا عيب وبلا نقص، وهكذا قال بيلاطس البنطي عن المسيح إنه "بار" واللص التائب قال إنه "لم يفعل شيئاً ليس في محله"، وقال تبارك اسمه عن نفسه متحدياً الجميع "من منكم يبكتني على خطية، وبطرس قال عنه "لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر"، وبولس قال "لم يعرف خطية"، ويوحنا قال "ليس فيه خطية" كان باطنياً وظاهرياً كاملاً كمالاً مطلقاً.
"ولم يعل عليها نير" والنير يوضع على الحيوان لكي يضبط طبيعته الوحشية ولم يكن الرب يسوع يحتاج إلى وضع نير عليه "حينئذ قلت هنذا جئت. بدرج الكتاب مكتوب عني أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت. وشريعتك في وسط أحشائي" (مز 40: 7، 8)، وكان هذا هو التير الوحيد الذي حمله- التسليم المطلق لإرادة الله التي يسمح الله من خلالها بالألم، ويقول الرب عن هذا النير أنه خفيف. حمل الرب يسوع هذا النير ليسر الله وهو يخضع قط لتأثيرات وعادات وتقاليد هذا العالم، لم تؤثر عليه بأقل درجة، لم يخط خطوة واحدة وهو تحت تأثير البشر، لم يكن يتأثر بالمدح أو التهديد، لم يقبل أن يأخذ ممالك العالم من الشيطان، وفي الدائرة الأقرب إليه، لم تكن آمال التلاميذ أو مخاوفهم لتؤثر عليه، ولم تكن اقتراحات أمه لتغيير مجرى سيره الأمر الذي قد يحدث معنا، أو يؤثر في خدمتنا، والروح القدس في هذه الأقوال يطبع على قلوبنا اعتبارات كمالاته لأن هذا كان ضرورياً لكي يكون مناسباً ليحمل في نعمته الدينونة التي كان يستحقها الإنسان وهو تحت سلطان الموت.
ومع أن محتويات هذا الأصحاح هي كلام يهوه إلى موسى وهرون، ولكن نلاحظ أن هرون لا يعمل شيئاً بالنسبة للبقرة الحمراء، إنه ألعازار الكاهن الذي يتعامل معها ويكون نجساً إلى المساء (ع 3- 7)، ويرينا هذا أنه ليس رمزاً للمسيح، بل هو يشير إلى حالة كهنوتية في القديسين، لا سيما أن معنى اسمه الله يعتني، إنها معونة الله بواسطة القديسين الذين يعطيهم الله فهماً لمقابلة ما هو لازم للنجاسة التي تحدث من إخوتهم في البرية.
وألعازار لا يذبح البقرة أو يحرقها ولكن يتم ذلك أمامه (ع 3، 5) وهكذا نرى أن التدريب الكهنوتي في القديسين يقود إلى فهم محدد للضرورة العظمى للموت والدينونة التي احتملها المسيح، وينظر إليها هنا ليس للتبرير أو المصالحة لكن للتطهير من النجاسة.
استحضر الروح القدس أمامنا هنا ثلاثة أنواع من التدريب:
1- تدريب ألعازار الكاهن والبقرة تذبح قدامه وتحرق أمام عينيه، وتدريب الذي أحرقها، وتدريب الذي جمع رمادها.
2- تدريب الرجل الطاهر الذي ينضح ماء النجاسة على المتنجس.
3- تدريب الشخص المتنجس نفسه.
وإذا تأملنا في التدريبات الثلاثة بعناية فسوف يساعدنا هذا على فهد موضوعات هامة. فالكاهن يرى رمزياً مشغولاً بالمسيح- موته واحتماله الدينونة "فتعطونها لألعازار الكاهن فتخرج إلى خارج المحلة وتذبح قدامه" بينما في لاويين 4: 3 "إن كان الكاهن الممسوح يخطئ لإثم الشعب يقترب عن خطيته التي أخطأ ثوراً ابن بقر صحيحاً للرب ذبيحة خطية. يقدم الثور إلى باب خيمة الاجتماع أمام الرب ويضع يده على رأس الثور ويذبح الثور أمام الرب" أي أن الكاهن في لاويين 4 هو الذي يخرج الذبيحة ويذبحها خارج المحلة، أما هنا في عدد 19 فتخرج الذبيحة إلى خارج المحلة وتذبح قدامه، وهذا يشير إلى التحرك في تميز كهنوتي مع الله مدركاً ما هو مناسب للقداسة الإلهية مرتسماً أمامه أن المسيح جعل خطية لأجلنا حيث كان متروكاً من الله فوق الصليب "تألم خارج الباب" فالكاهن هنا يشير إلى المؤمنين الذي يتأثرون بموت المسيح، ويتحركون إلى هذا المكان الخارجي حاملين عاره، متحققين أنه كان ضرورياً على المسيح أن يخرج إلى حيث الإنسان الخاطئ محتملاً دينونته "جعل نفسه ذبيحة إثم" وأنه لا يوجد أساس آخر سوى هذا الأساس لتطهير الخطية.
"وَيَأْخُذُ أَلِعَازَارُ الْكَاهِنُ مِنْ دَمِهَا بِإِصْبِعِهِ وَيَنْضِحُ مِنْ دَمِهَا إِلَى جِهَةِ وَجْهِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ سَبْعَ مَرَّاتٍ" (ع 4) وهذا يرينا إدراك الإيمان- إن الأساس الوحيد لسير الشعب مع الله هو موت المسيح وسفك دمه الكريم الذي يطهر من كل خطية (1 يو 1: 7)، وسفك الدم يعني أن حياة الجسد قد سكبت (لا 17: 11) حدث هذا للمسيح لأجلنا، وإذا كنا نقترب إلى الله فإن هذا هو الأساس الوحيد لاقترابنا. إن رش الدم بواسطة الكاهن يشير إلى الإدراك الشخصي لقيمة دم المسيح، ولأن العدد 7 يشير إلى الكمال فلذلك فإن رش الدم سبع مرات يشير إلى ما يمثل عمل المسيح كاملاً أمام الله هو الأساس الوحيد لالتقائنا مع الله "فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع طريقاً كرسه لنا حديثاً.... لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير...." (عب 10: 19- 23).
"وَتُحْرَقُ الْبَقَرَةُ أَمَامَ عَيْنَيْهِ. يُحْرَقُ جِلْدُهَا وَلَحْمُهَا وَدَمُهَا مَعَ فَرْثِهَا" (ع 5) أي لا يحرق أي جزء منها على المذبح، هي فريدة في هذا الشأن، وهي تؤكد أكثر من كل الذبائح الأخرى ثقل الدينونة التي دخل تحتها المسيح وجعله الله ذبيحة خطية، وجعل نفسه (أي الرب جعل نفس المسيح) ذبيحة إثم لكيما يمكن أن ينزع إثمنا ويكفر عن خطيتنا.
"وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ خَشَبَ أَرْزٍ وَزُوفَا وَقِرْمِزًا وَيَطْرَحُهُنَّ فِي وَسَطِ حَرِيقِ الْبَقَرَةِ" (ع 6)- ترمز هذه الأشياء إلى كل ما يمكن أن يفتخر به الإنسان- حيث يشير خشب الأرز إلى كل ما هو عال ومرتفع (إش 2: 12- 17) وتشير الزوفا إلى التواضع الذي يتظاهر به الإنسان وهو يعمل إرادته الذاتية أي تشير إلى المظهر الخارجي للتواضع مع وجود الذات البغيضة وهذا هو الانتفاخ الباطل في فكر الجسد (كو 2: 18)، أما القرمز فيشير إلى كل ما قد يوجد في الإنسان ويدعوه للمجد. ويطرح الكاهن هذه الأشياء في حريق البقرة، ليس الله هو الذي يضعها لأنه هو وضعها على صليب ابنه ولكن الذي يضعها هنا هو الكاهن أي المؤمن الذي له الفكر الروحي إذ حين نتأمل في الدينونة التي احتملها المسيح يطرح كل شيء من الجسد هناك، ويعين الله الكاهن لكي يضعها هناك (في 3: 3- 11).
"ثُمَّ يَغْسِلُ الْكَاهِنُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ وَبَعْدَ ذلِكَ يَدْخُلُ الْمَحَلَّةَ وَيَكُونُ الْكَاهِنُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ" (ع 7)- مع أن الكاهن لم يمس جسد ميت ولكنه يغسل ثيابه ويرحض جسده بماء، وذلك لأن الله يعطي الأشخاص الروحيين الشعور بما هو في جسدهم الأمر الذي يستلزم عملية تطهير مع عدم وجود نجاسة ظاهرية. حين نتأمل في المسيح وهو حامل الخطية متألماً لا بد أن يوجد هذا فينا الشعور أن آلامه هذه هي دينونة الخطية التي في جسدنا- نشعر بالحاجة إلى الانفصال الأدبي عما هو فينا بالطبيعة وهذا ما يشير إليه غسل الثياب وترخيص الجسد حيث تشير الثياب إلى الصفات.
"ويكون الكاهن نجساً إلى السماء"- الأمر الذي يشير إلى فترة تدريب حيث نتعلم نجاسة جسدنا، ليس بالفشل العملي، لكن في نور ما تألم به المسيحي احتماله للدينونة، وهذا التدريب هو نفس النوع من التدريب الذي يجوز خلاله الرجل الطاهر ".... وَيَجْمَعُ رَجُلٌ طَاهِرٌ رَمَادَ الْبَقَرَةِ وَيَضَعُهُ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ، فَتَكُونُ لِجَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي حِفْظٍ، مَاءَ نَجَاسَةٍ. إِنَّهَا ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ" (ع 8، 9)- وهذا التدريب الذي للكاهن أو الرجل الطاهر يجوز فيه الشخص الذي يعمل الخدمة التي تكلم عنها الرسول في غلاطية 6: 1 "أيها الإخوة إن انسبق إنسان فأخذ في زلة ما فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظراً إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضاً".
"مَنْ مَسَّ مَيْتًا مَيْتَةَ إِنْسَانٍ مَا يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ" (ع 11) يرمز هذا العدد إلى المؤمن الذي يسمح لبعض أعمال الجسد أن تأخذ طريقها، ومدة السبعة الأيام تشير إلى أن التطهير يستلزم تدريباً أدبياً يستغرق وقتاً سواء كان هذا الوقت طويلاً أو قصيراً، والمسئولية في التطهير تستقر في المكان الأول على الشخص الذي تنجس بلمس ميت إذ مكتوب عنه "يَتَطَهَّرُ" (ع 12) أي يطهر نفسه، وَلَمْ يَتَطَهَّرْ (ع 13) فيتحقق ما جاء في 2 كو 7: 1 "لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد و الروح مكملين القداسة في خوف الله" أي تصبح قداستهم ناقصة. والشخص الذي أخطأ في كورنثوس وأظهر توبة وندماً وحزناً- حدث ذلك قبل أن يوصي الرسول بولس في كورنثوس أن يظهروا نحوه النعمة، ويؤكدوا له محبتهم، حدث هذا قبل اليوم الثالث، لم يعمل الآخرون شيئاً، كانوا يتأملون في التدريبات التي جازت بعا نفسه، وبتحريض الرسول كانوا على استعداد أن يقبلوه في الشركة معهم، والأمر هنا أنه حين يشعر الشخص أنه سمح للجسد أن يعمل، عندئذ يبدأ التدريب، ويبدأ حساب الأيام- الثلاثة أيام حيث يأخذ فيها الاختبار المحزن طريقه، إنه نجس وليس مناسباً للتمتع بامتيازات الاجتماع، وحين يأتي اليوم الثالث يأتي الرجل الطاهر ويساعده برش ماء النجاسة عليه، عليه أن يعتمد على خدمة رجل آخر لتطهيره، ومع ذلك يعتبر هو مسئولاً على ذلك بقوله خدمة الرجل الآخر، ولذلك يقال "يتطهر" أي "يطهر نفسه" والتدريب من اليوم الثالث إلى اليوم السابع الذي يعني رش ماء النجاسة يحمل معه التأمل في المسيح الذي حمل دينونة نجاسة جسده، وهذا يقوده لا إلى الاستخفاف بما يحدث بل يعمق فيه كراهية ما حدث منه حين يعرف الكلفة الغالية التي يحملها دينونة الخطية، وإتمام هذا التدريب يعني أنه في اليوم السابع يصبح طاهراً، ويبدأ طريقاً جديداً في حرية النعمة وبضمير صالح يتناسب مع الخيمة والأقداس، يتناسب مع قداسة الله.
"هذِهِ هِيَ الشَّرِيعَةُ. إِذَا مَاتَ إِنْسَانٌ فِي خَيْمَةٍ. فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ الْخَيْمَةَ. وَكُلُّ مَنْ كَانَ فِي الْخَيْمَةِ يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ" (ع 14).
يرينا هذا العدد أن الخطية العاملة في الجسد- يمتد تأثيرها المنجس إلى المكان الذي يستخدمه الشخص كسكن بين شعبه، يمتد التأثير إلى الذين يكونون معه في هذا السكن، ويطابق هذا ما يقوله الرسول "لا تضلوا فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة" (1 كو 15: 23). كان يرغب في أن يكون القديسون في كورنثوس في حالة السهر ولا ينجسوا أنفسهم بهؤلاء الأشخاص بالوجود في الشركة معهم، كما أن هذا يتفق مع القول "خميرة صغيرة تخمر العجين كله" (1 كو 5: 2)، (غلا 5: 9) وإذا لم يستخدم التطهير فلا بد أن يترتب على ذلك نتائج خطيرة. إذ تقطع تلك النفس من الشعب وتحرم من أقداس الرب (ع 20).
"َكُلُّ إِنَاءٍ مَفْتُوحٍ لَيْسَ عَلَيْهِ سِدَادٌ بِعِصَابَةٍ فَإِنَّهُ نَجِسٌ" (ع 15) نحن معرضون لينابيع النجاسة المنتشرة حولنا ويجب ألا ندع هذه الينابيع تمتد إلينا، نكون مغلقين بالنسبة لتياراتها النجسة- فالشخص الذي يعكف على قراءة الصحف والمجلات ويجلس أمام التليفزيون مفتوح لاستقبال تيارات النجاسة، ولا نكون عندئذ صالحين لاستخدام السيد لنا، ويلزم قبل ذلك التطهير "فيأخذون للنجس من غبار حريق ذبيحة الخطية ويجعل عليه ماءً حياً في إناء"- وغبار البقرة الذي عليه الماء الحي يذكرنا بآلام المسيح من أجل الخطية، والماء الحي يشير إلى الروح القدس وهكذا تستحضر آلام المسيح بقوة الروح القدس إلى الشخص الذي يتطهر. إن الروح القدس الذي يحزن لأي تساهل جاهز لخدمة النعمة هذه، جاهز للمعاونة في تطهير المؤمن، ومن المكتوب- نفهم أنه حين يخطئ المؤمن فالحركة الأولى تكون من جانب المسيح لأنه مكتوب- إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار" (1 يو 2: 1)، وهو يقود المؤمن للحكم على ذاته، وينبغي على المؤمنين وقتئذ أن يلاحظوا ذلك ويأخذوا نصيبهم في خدمة رد النفس "أيها الأخوة إن ضل أحد بينكم عن الحق فرده أحد فليعلم أن من رد خاطئاً عن ضلال طريقه يخلص نفساً من الموت ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 19).
"وَيَأْخُذُ رَجُلٌ طَاهِرٌ زُوفَا وَيَغْمِسُهَا فِي الْمَاءِ وَيَنْضِحُهُ عَلَى الْخَيْمَةِ، وَعَلَى جَمِيعِ الأَمْتِعَةِ وَعَلَى الأَنْفُسِ الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ، وَعَلَى الَّذِي مَسَّ الْعَظْمَ أَوِ الْقَتِيلَ أَوِ الْمَيْتَ أَوِ الْقَبْرَ. يَنْضِحُ الطَّاهِرُ عَلَى النَّجِسِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالْيَوْمِ السَّابعِ. وَيُطَهِّرُهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ بِمَاءٍ، فَيَكُونُ طَاهِرًا فِي الْمَسَاءِ" (ع 18، 19).
يرينا هذا العدد أن خدمة الإخوة لها مكان هام وضروري بالارتباط بالتطهير ونراها هنا في خدمة الرجل الطاهر الذي يرش الماء على الشخص النجس، يحب الرب أن تجري أعمال نعمته من خلال شعبه، وهي تفترض أن الرجل الطاهر قد شاهد الحالة ولاحظ تدريب أخيه النجس، وأنه يعرف النجاسة وكيف يتقدم التدريب في أخيه، ويعرف أنه متى جاء اليوم الثالث ينبغي أن يتقدم لمعاونة أخيه حتى يصل إلى اليوم السابع، يعمل ذلك في روح التواضع الأمر الذي تشير إليه الزوفا ، ورش الماء معناه استحضار شهادة عن آلام المسيح في قوة الروح القدس حين يستحضر تدريب مناسب في تطهير الرجل النجس في اليوم السابع. يظهر كل هذا خدمة النعمة المقدسة التي تتحرك بين الشعب في توافق مه طهارة الأقداس.
"وَيُطَهِّرُهُ فِي الْيَوْمِ السَّابع فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ بِمَاءٍ فَيَكُونُ طَاهِرًا فِي الْمَسَاءِ" (ع 19) يصبح الشخص المطهر نشيطاً في تدريبه لأن دوافعه وطرقه وارتباطاته ممثلة في ثيابه. كلها تستحضر تحت نظام التطهير حيث يأخذ موت المسيح طريقاً جديداً لتطهير نفسه وهو طريق أدبي.
"وَالَّذِي رَشَّ مَاءَ النَّجَاسَةِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَالَّذِي مَسَّ مَاءَ النَّجَاسَةِ يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ" (ع 21).
يعطينا الله نوراً متزايداً ليرينا أن الشر أمر خطير جداً، والتطهير منه أمر ممكن من خلال التأمل في آلام المسيح ومونه، والمؤمن الروحي سواء كان ممثلاً في الكاهن أو في الرجل الطاهر يصبح منتبهاً إلى التعامل مع الآخرين، لا يمكنه أن يقول أنه ليس له خطية (1 يو 1: 8)، ويرينا الغسل للثياب أن شيئاً له صفة التقديس يأخذ طريقه في الشخص الذي يمارس المحبة الأخوية، يتعمق فيه الحكم على الذات وهكذا يكون طاهراً في المساء أي بعد حكمه على ذاته.
- عدد الزيارات: 2077