Skip to main content

الأصحاح 18

نلاحظ أن الأصحاح يبدأ بالتعبير "وقال الرب لهرون" وهو غير التعبير الذي اعتدنا أن نجده في أول كل موضوع جديد "كلم الرب موسى" وذلك لأن الموضوع هنا يخص الكهنوت.

لم يكن المسيح من سبط لاوي، ولذلك لم يكن كاهناً حسب الجسد بل صار كاهناً بالقيامة وبقوة حياة لا تزول، كاهناً عظيماً على بيت الله، وفي الرسالة إلى العبرانيين التي تشير إلى المؤمنين ككهنة لهم حرية الاقتراب إلى الله وثقة الدخول إلى الأقداس وهكذا لقد أصبحوا كهنة لأنه هو يدعوهم إخوته مثل أولاد هرون الذين أصبحوا كهنة لأنهم أولاده، وفي الإتيان إلى المسيح الحي كحجر حي مرفوض من الناس لكن مختار من الله كريم يصبح المؤمنون مبنيين كحجارة حية بيتاً روحياً كهنوتاً مقدساً, في محبته وفي قيمة عمل الفداء جعلنا مملكة كهنة الله أبيه (رؤ 1: 5، 6)، ورأينا في ما سبق ما كان من قورح وكيف أنه اشتهى الكهنوت لتعظيم نفسه وكيف أنتهى هذا بهلاكه، كما أدين هذا العصيان أيضاً بطريقة أخرى بعمل هرون الكفاري وهكذا نرى كهنوتاً مقدساً مستمراً في هرون وأولاده، وأول من قيل عن هذا البيت (ع 1) أنهم يحملون ذنب المقدس، يحملون ذنب كهنوتهم أي يشعرون بذنب وإثم الآخرين كما لو كان إثمهم ويحملونه بأرواحهم أمام الله. إن إقامة الخيمة وسكن يهوه فيها أوجد حالة من القداسة لها مستوى خاص، وكان فكر الله أن يتوافق هرون وأولاده مع هذا المستوى العالي، وإذا وجد إثم في دائرة القداسة هذا ينبغي أن يدان ويحمله الكهنة، والقدرة على عمل ذلك دليل عملي على الحياة في الكهنوت وأن هذا الكهنوت مرتبط بالمسيح كالكاهن والمرموز إليه بهرون في ص 17.

في رؤيا 1- 3 نجد هناك سبع منابر تمثل السبع الكنائس التي في آسيا ويرى الرب سائراً في وسطها في تميز كهنوتي، وبلغة سفر العدد ص 18 كان الرب يحرس الأقداس، وحين رأه يوحنا بهذه الصورة سقط عند رجليه كميت (رؤ 1: 17)، ووضع الرب يده اليمنى عليه. وكما كان الأمر مع يوحنا كذلك معنا فبوضع الرب يده علينا ننال القوة للخدمة الكهنوتية ونؤهل لحمل إثم الأقداس, نرى الأمور كما يراها هو, نرى الإثم بوضوح داخل الدائرة المقدسة ونشعر بمسئولية حمله على أرواحنا بطريقة كهنوتية.

وحين ندين إثم الأقداس ننفصل عنه، وينبغي أن تكون دينونتنا له طبقاً لدينونة المسيح له، ونحن نعرف شعوره حين وجد التجار واللصوص داخل الهيكل، وتذكر التلاميذ أنه مكتوب "غيرة بيتك أكلتني" (يو 2: 17) كانت مشاعره كهنوتية حقيقة، ومن رؤيا 2، 3 نرى كيف كان ينظر إلى الأمور الحادثة في الكنيسة على مدى تاريخها الطويل- ترك المحبة الأولى، التعاليم المضلة، ترك إيزابل الشريرة لتعلم، الادعاء بالحياة رغم الموت، عدم السهر والفتور والتراخي مع وجود الفقر المدقع، كل هذه الأمور كانت تحت عيني المسيح الكهنوتية، وحين وضع يده اليمنى على يوحنا كان المسيح يشعر بها، وكان يوحنا هو الإناء المناسب الذي يصفها كما يراها المسيح وكتبها إلى السبع الكنائس وهكذا كان يحمل إثم الأقداس طبقاً لفكر الرب عنها، وكل الغالبين في الكنائس يشاركونه في هذا، ولا يمكن للمؤمن أن يكون غالباً إن لم يكن منتبهاً إلى إثم الأقداس ويشعر بثقله وحمله بطريقة كهنوتية.

يكتب بولس في رسالة تيموثاوس الثانية عن الأيام الأخيرة ويقول عن نفسه أنه "رسول يسوع المسيح بمشيئة الله لأجل وعد الحياة التي في يسوع المسيح" ويحرض تيموثاوس أن يتقوى بالنعمة التي في المسيح يسوع ويقول أنه إن كنا قد متنا معه فسوف نحيا أيضاً معه، كل هذا يسير في نفس الخط الخاص بالحياة الكهنوتية وخطتها وتميزها، وحيثما توجد الأخبار المفرحة عن الإنجيل يعطي الرب فهماً وتميزاً ويعرف أن "أساس الله الراسخ قد ثبت إذ له هذا الختم. يعلم الرب الذين هم له" (2 تي 2: 19) ويأتي هذا السؤال- ما هو الإثم؟ هو كل ما يدخله الإنسان بإرادته ومضاد للنظام الإلهي، وذلك في دائرة الأمور المقدسة، وإذا كان لنا التقدير لكل ما يقوله الرب لنا، ولنا المشاعر الكهنوتية، نشعر حينئذ بحقيقة ما يجري في دائرة الاعتراف المسيحي. والذين يحلمون الإثم بروحهم سوف يجدون أن الله قد أوجد طريقة التحرر منه "ليتجنب الإثم كل من يسمي اسم المسيح" وهذا ضروري لسير الخدمة الروحية في بيت الرب، والشيء الذي يبرهن ارتباطنا بالمسيح ككاهن هو مشاعرنا المقدسة تجاه ما هو حادث في الأمور المقدسة.

ع 2- 6 أُعطي اللاويون لهرون وبنيه كعطية ليخدموا خيمة الاجتماع ولذلك تحت قيادة هرون رأس البيت، وهذا يرينا أن الخدمة ينبغي أن تسير خاضعة لسلطان كهنوتي وبإرشاده، وهرون رمز في هذا للرب يسوع المسيح رئيس الكهنة العظيم. جميع العاملين في حقل الرب يجب أن يكونوا متحدين بالرب يسوع رئيس الكهنة العظيم وتحت رئاسته المباشرة وبغير ذلك يصبح العمل هباء منثوراً، وأصغر خدمة نؤديها بمرأى من المسيح وتحت إرشاده لها قيمة عظمى في نظر الله، ولا بد أن تنال الجزاء الذي يستحقه. لا ينبغي أن يكون لنا روح الاستقلال عنه. كان اللاويون مقترنين بهرون وببعضهم البعض، وإذا تحول لاوي عن أخيه فيعتبر هذا تحولاً عن هرون. واتحاد الخدمة اللاوية مع هرون وخدمة خيمة الاجتماع ينشط المشاعر المقدسة بالنسبة للإثم وتعان بطريقة إيجابية.

"وَأَمَّا أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ فَتَحْفَظُونَ كَهَنُوتَكُمْ مَعَ مَا لِلْمَذْبَحِ وَمَا هُوَ دَاخِلَ الْحِجَابِ وَتَخْدِمُونَ خِدْمَةً. عَطِيَّةً أَعْطَيْتُ كَهَنُوتَكُمْ وَالأَجْنَبِيُّ الَّذِي يَقْتَرِبُ يُقْتَلُ" (ع 7) وهكذا نرى أن الخدمة الكهنوتية تنقسم إلى قسمين- (1) ما يخص المذبح، (2) التقدمات والذبائح التي كانت تسمى "جَمِيعِ أَقْدَاسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (ع 8) وهي رمز للذبائح الروحية التي تقدم من الكهنوت المقدس (مؤمني العهد الجديد) (1 بط 2: 5).

استحضار هذه الذبائح أمام الله هو مسئوليتنا وامتيازنا ككهنة، وكما كانت هناك وصية ترتبط بذبائح المذبح وهي أنه لا يظهر أمامه أحد وهو فارغ، فهي لا تزال موجهة إلينا نحن أيضاً، وكما كانت الذبائح قديماً تتكلم عن المسيح واستحضاره أمام الله، كذلك ذبائحنا الآن يجب أن تكون مادتها وجوهرها المسيح مدركاً بالمشاعر تستحضر أمام الله لسروره ومجده، وهي خدمة معانة بكهنوت المسيح.

وينشغل الكهنوت أيضاً بما هو داخل الحجاب والمقصود هنا هو الحجاب الأول الخاص بالقدس وأيضاً الحجاب الثاني الذي في مدخل قدس الأقداس والمشار إليه في عبرانيين 9: 3، وكهنوت هرون وأبنائه الذي يمارس داخل الحجاب الأول يتضمن إسعاد سرج المنارة والعناية بها يومياً وإحراق البخور على مذبح الذهب كل صباح ومساء، ووضع خبز التقدمة على مائدة خبز الوجوه كل سبت، أما طريق قدس الأقداس وهو لم يكن قد أظهر بعد، فلم يكن يدخله سوى رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة في يوم الكفارة العظيم، أما الآن فيمكننا أن نقول "فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع...." (عب 10: 19- 22)، وتستمد الخدمة الكهنوتية في الوقت الحاضر صفتها من ثقة الدخول إلى الأقداس "بدم يسوع"، حتى أن هذا ليس فقط امتيازاً بالنعمة، ولكنه ضروري في طريق خدمة الله المميزة، ويشير "دم يسوع" إلى دم ذبيحة الخطية الذي يأخذه رئيس الكهنة في يوم الكفارة ويضعه فوق وأمام كرسي الرحمة، وكان دم ثور الخطية لأجل هرون وبنيه، مظهراً بهذا أن المسيح دخل بدم نفسه مرة واحدة، وبدخوله كرس لنا طريقاً حديثاً حياً.

كان قصد الله في محبته مخبوءاً وراء الحجاب، كان ينبغي أن يموت المسيح لكي يدخل رئيس الكهنة إلى الأقداس في حالة توافق مع قصد الله من أجل الإنسان، وكذبيحة خطية جعل خطية لأجلنا، ودينت الخطية في جسده، وكان دمه أمام وفوق كرسي الرحمة الأمر الذي برهن قداسة ومجد الله بسبب خطية ونجاسة الإنسان، وأصبح لا يوجد في الأقداس أي أثر للخطية، ودخل بعد الصليب إلى القبر وبعد ذلك إلى الأقداس لكي يصبح لنا هذا الطريق الحي الحديث الذي يرتبط به الأقداس "والمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد" (عب 9: 11) أي أن هذا المسكن ليس من هذه الخليقة، هو الجزء الأقدس من الخيمة الحقيقية التي نصبها الرب لا إنسان" (عب 8: 2).

والآن المسيح- هرون الحقيقي "كاهن عظيم على بيت الله" (عب 10: 21) يحمل كل بيت الله على صدره وعلى كتفيه، ويجعل أفكار محبة الله تسود هناك. أفكاره من نحو القديسين الأمناء الكثيرين الذين يأتي بهم إلى المجد، والذين تقدسوا وأصبحوا واحداً مع المقدس، وهم الإخوة الذي أصبح بكراً بينهم. وقدس الأقداس ليس مكاناً للنشاط بل للتأمل في الله كما هو معروف في نور المسيح، وفكرة التأمل هذه تظهر مراراً في المكتوب- على سبيل المثال "واحدة سألت من الرب إياها ألتمس أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي أنظر إلى جمال الرب وأتفرس في هيكله" (مز 27: 4)، "عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء لكي أبصر قوتك ومجدك كما قد رأيتك في قدسك" (مز 63: 1، 2).

وفي الاقتراب إلى الله بركة عظيمة لرؤية قوته ومجده وهو في الأقداس، ونستطيع أن نرى ذلك ونحن في رفقة المسيح كالكاهن العظيم الأمر الذي يعطي فهماً للفكر، ويؤهل هؤلاء الذين يدخلون إلى محضره بقدرة كهنوتية بممارسة خدمة الله حسب مسرته، ونحن لا نستطيع أن نسره إلا بالاقتراب إليه في حالة أدبية تناسب قداسته، حالة ليس للجسد أو الإرادة الذاتية مكان فيها.

"وَتَخْدِمُونَ خِدْمَةً. عَطِيَّةً أَعْطَيْتُ كَهَنُوتَكُمْ. وَالأَجْنَبِيُّ الَّذِي يَقْتَرِبُ يُقْتَلُ" (ع 7) الكهنوت شيء عظيم يتضمن البنوية لله، والمؤمنون هم أجرة المسيح نظير خدمته لنا على الصليب وخدمته لنا كالكاهن العظيم، ويشير اللاويون إلينا في خدمتنا تحت قيادة المسيح، وهي ثمر النعمة الإلهية التي سر الله أن يعطيها لهؤلاء الذين دعاهم دعوة مقدسة. يا لها من حقيقة سامية أن يوجد كهنوت في ارتباط مقدس بهذا الكاهن السماوي الحي، والذين يقتربون إليه أحياء- استمدوا الحياة منهم. كل من يحاول الاقتراب إليه على أساس آخر فهو غريب يقترب إليه بطريق جسدية ولا بد أن يقتل.

ع 8- 13 الخدمة الكهنوتية لأنها تختص بالمذبح، ولا تذكر هنا بالتفصيل الذي ورد في سفر اللاويين، ولكن تذكر هنا كشيء معطى للكهنوت ويقول الرب لهرون "لقد أعطيتك حراسة رفائعي من جميع أقداس بني إسرائيل لكي أعطيتها حق المسحة ولبنيك فريضة دهرية" وهكذا نرى الصفة الدائمة لهذا التجهيز لمعونة الحياة الكهنوتية. ومع أن هرون وبنيه مسحوا لسنين عديدة دخلت أثناءها أمور محزنة ولكن المسحة لا تزال لها تقديرها لدى الرب، قيمة المسحة باقية أمامه كما كانت في بداية البرية هكذا في نهايتها، وفي تاريخ الكنيسة نرى ما يشابه ذلك إذ مسح مؤمنو العهد الجديد كما هو مكتوب "ولكن الذي.... مسحنا هو الله" (2 كو 1: 21) وكل ما هو كهنوتي ومقدس في الوقت الرسولي- كان في قوة ونعمة المسحة. ومع أن المؤمنين الحقيقيين ارتحلوا بعيداً عن الحالة الروحية التي تشير إلى المسحة، وتضاءلت معرفة قيمة المسحة خلال القرون المظلمة من تاريخ الكنيسة، ولكن حدثت نهضة مباركة خلال القرن الماضي، أهم ملامحها إعطاء الروح مكانه كالمسحة التي كانت في بداية العهد الرسولي وذلك بعيداً عن كل التأثيرات الفاسدة المحيطة، والمسحة هي أساس الخدمة الكهنوتية وأساس اقترابنا إلى الله.

كان غذاء الكهنة مصدره تقدمات الشعب، وحين نرجع إلى العهد الجديد نجد أن الطعام الروحي للأطفال في المسيح هو اللبن العقلي العديم من الغش، والطعام القوي للبالغين، العلوفة في حينها تعطى لبيت الله للخراف والغنم، وهذا كله من الجانب الإلهي لأن النعمة تؤخذ في حسابها الأعواز والاحتياجات وتقدم مما يعطيه الشعب للرب، إن مخزون الثروة الروحية التي تذهب إلى الله من قلوب ممتلئة تعبيراً عن اختباراتهم وشعوراً بفضل الله عليهم.

"كُلُّ طَاهِرٍ فِي بَيْتِكَ يَأْكُلُ مِنْهَا" (ع 11) يجب أن نكون طاهرين حتى يتسنى لنا أن نتمتع بكل ميزة كهنوتية، ونأكل من الطعام الكهنوتي طاهرين بالكلمة. "مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة" (أف 5: 26). عندما نكون في هذه الحالة تصبح لنا كل البركات المجهزة لنا في نعمته "كُلُّ دَسَمِ الزَّيْتِ وَكُلُّ دَسَمِ الْمِسْطَارِ وَالْحِنْطَةِ أَبْكَارُهُنَّ الَّتِي يُعْطُونَهَا لِلرَّبِّ لَكَ أَعْطَيْتُهَا أَبْكَارُ كُلِّ مَا فِي أَرْضِهِمِ الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا لِلرَّبِّ لَكَ تَكُونُ كُلُّ طَاهِرٍ فِي بَيْتِكَ يَأْكُلُهَا" (ع 12، 13) وكم هو جميل أن نرى المرموز إليه في هذه الأمور وكلها طعام لكهنة الله ليجعل كأسهم رياً، تمتلئ قلوبهم بهجة وفرحاً. دخل المرموز إليه وهو المسيح في معصرة الموت وصار مسحوقاً مرفوضاً لكي يهيئ للمؤمنين به فرحاً وسروراً.

وكانت تقدمة الكهنة فقيرة في البرية حيث سأل الرب بعد وقت طويل "هل قدمتم لي ذبائح وتقدمات في البرية أربعين سنة يا بيت إسرائيل بل حملتم خيمة ملكومكم وتمثال أصنامكم نجم إلهكم الذي صنعتم لنفوسكم" (عا 5: 25، 26) كانت لهم شرور رهيبة وما كانوا يقدمون تقدمات كثيرة للرب، في ذلك الوقت كان طعام الكهنة قليلاً، وهذا ما حدث في المسيحية حين تعاظمت الوثنية في دائرة الاعتراف المسيحي، ولكن الذين للرب كانوا محفوظين كما كان الأمر في البرية حيث كان موسى وهرون ويشوع وكالب محفوظين للرب. ورغم أن هذا كان حال الشعب كما هو في دائرة الاعتراف المسيحي الآن، إذ يستحضر الرب تقدمات روحية بالمؤمنين الروحيين، وهذا مقبول عند الله بيسوع المسيح.

ويقول الرب عن كل التقدمات المعطاة للكهنة "قُدْسُ أَقْدَاسٍ" (ع 9) وكانت للكل بهذه الصفة (ع 10) وهي تمثل ما يستحضر روحياً بمشاعر القديسين حيث يتسلم الكاتب الماهر ألسنتهم فتنطق بهذه الذبائح الروحية التي مادتها المسيح. ويقال عن التقدمات أنها "رفائع" وتعني همة أو نشاط في التقدمة وهي من دسم الزيت أو دسم المسطار أي الخمر من الحنطة (ع 12). وتعني كلمة "دسم"- الأفضل، أما الأبكار فهي أفضل ثمار النعمة الإلهية.

كان كل ذكر من بني هرون يأكل من هذه التقدمات (ع 9، 10)، أما ما ورد في ع 12- 13 فهو للبنين والبنات وكل من هو طاهر في البيت يأكل منه، ويشير الذكور إلى الذين لهم قوة المسحة، ولهم القدرة أن يتوافقوا مع قدس أقداس، أما البنات فيشرن إلى المؤمنين الأعضاء في العائلة الكهنوتية ويشتركون في الأكل من الرفائع وتقدمات الترديد أي لهم المشاعر الكهنوتية التي يعضدون بها الكهنة ولكن لا يمارسن الكهنوت، وهم المؤمنون الضعفاء الذين يدخلون المشهد على أساس نعمة الله التي تقدم الفداء إلى كل العائلة الكهنوتية.

"كُلُّ مُحَرَّمٍ فِي إِسْرَائِيلَ يَكُونُ لَكَ" (ع 14) كل محرم أي الأمور المحرمة التي لا يحل للشعب أن يأخذها لنفسه بل ينبغي تكريسها للرب، وإذا كانت مشاعرنا تتجه إلى تكريسها كصدى لمحبته فإن هذا يقود إلى بركة وفائدة للمؤمنين.

ع 15- 20- لم يكن جائزاً تقديم بكر الإنسان وبكر الذبيحة النجسة وهكذا يوضع الإنسان والبهيمة النجسة على نفس المستوى، لأن النجس بالخطية من الناحية الأدبية ليس أفضل من البهيمة النجسة، وكان للرب حق فداء الاثنين، ونقل هذا الحق إلى الكاهن ولذلك كان ينبغي فداء بكر الإنسان وبكر البهيمة النجسة وتقدر قيمتها بشاقل القدس، وتذهب القيمة إلى الكاهن.

البكر من نصيب الرب، وهو يأخذه ليعطيه للكاهن، والأبكار رمز لمؤمني العهد الجديد، وتعطى قيمة البكر للكاهن ليثرى بهم الخدمة الكهنوتية فكلهم كهنة يقدمون ذبائح روحية لمسرة الله وشبع وغذاء كل المؤمنين.

أما بكر الحيوانات الطاهرة فلا يقبل الكاهن فداءها، "إِنَّهُ قُدْسٌ بَلْ تَرُشُّ دَمَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ وَتُوقِدُ شَحْمَهُ وَقُودًا رَائِحَةَ سَرُورٍ" (ع 17) وهي كلها رمز للمسيح ويجب أن تأخذ مكانها مع التقدمات المقدسة لتكون طعاماً للكهنة وتعطى لهم فريضة أبدية "مِيثَاقَ مِلْحٍ دَهْرِيًّا أَمَامَ الرَّبِّ لَكَ وَلِزَرْعِكَ مَعَكَ" (ع 19)، والله في أمانته يضمن طعاماً بعهد ثابت للكهنة، وكم هو معزى لكل محب لله أن يتأكد أن كل ذبيحة روحية تقدم لله إنما هي لغداء العائلة الكهنوتية التي تستمر خدمتنا لله.

ع 21- 24- كان اللاويون لخدمة الكهنة، وكان على الشعب أن يزرع الأرض ويعطي عشوره لله، ويعطيها الله للاويين، وذلك لكي يستمر الكهنوت في سجوده لله، وإذا نقصت الخيمة اللاوية، فهذا معناه أننا لا نفصل العشور لله وبذلك نكون قد سلبناه (ملا 3: 8)، كان العطاء قديماً هو العشور والتقدمات والباكورات والأبكار وزوايا الحقل والحزم المنسية فيه، أما العطاء في العهد الجديد فينبغي أن يزيد عن كل هذا والله يقيس عطاءنا بما نعطي من أعوازنا.

ع 25- 32 في هذه الأعداد نرى أن اللاويين ينبغي أن يعطوا عشورهم للكهنة- رفيعة للرب، أي أن كل ما هو إلهي مكرس لما هو كهنوتي وعدم إعطاء اللاويين عشورهم للكهنة كان يعتبر تدنيساً للأمور المقدسة.

  • عدد الزيارات: 1714