الأصحاح السابع عشر
بالعدد الأول من هذا القسم نعود إلى العددين 16و17 من ص15.
1. لقمة يابسة ومعها سلامة خير من بيت ملآن ذبائح مع خصام.
نذكر أن أجزاء من ذبائح السلامة كان يأكلها مقدم الذبيحة وأصحابه؟ وهذه هي الذبائح المشار إليها هنا. فمثل هذه الوليمة من المفروض أنها مظهر تقوى من جانب المضيف ومعارفه الآخرين (لا2: 3؟7: 31). لكن إذا ما شوّه الخصام والشقاق جمال تلك الوليمة؟ فإنها تفقد طابعها الكريم. ذلك أن لقمة يابسة مع سلام وهدوء؟ تُفضَّل كثيراً عن مثل ذلك الاحتفال غير اللائق.
وبتصرف شبيه بهذا كان الكورنثسيون قد أساءوا ممارسة عشاء الرب؟ إذ جعلوه فرصة وليمة عامة؟ ساد فيها الخصام وروح التحزب. والرسول إذ أخذ يوبخهم؟ أمرهم أن يأكلوا وجباتهم الخاصة في بيوتهم في هدوء حتى لا يجتمعوا معاً للدينونة (1كو11: 17-22).
2. العبد الفطن يتسلط على الابن المخزي ويقاسم الإخوة الميراث.
إن العبد الذي يمكن الاعتماد عليه؟ خير من الابن السيئ التصرف. ومثل هذا الابن لن يلوم سوى نفسه إذا لم يمنحه أبوه إلا النذر اليسير؟ أو إذا حرمه إطلاقاً؟ بينما يذكر العبد الذي تتجلى أمانته في أداء واجباته؟ كواحد من أهل البيت. على أنه برغم هذا لا يمكن للعبد الأجير أن يملأ قلب الآب بالفرح الذي يقدمه الابن المطيع. انظر العازر الدمشقي (تك15: 2؟3).
3. البوطة للفضة والكور للذهب وممتحن القلوب الرب.
إن التجارب والضيقات لقديسي الله هي كالبوطة والكور من حيث تنقية المعادن الثمينة. «الذي به تبتهجون مع أنكم الآن إن كان يجب تحزنون يسيراً بتجارب متنوعة لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني مع أنه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح» (1بط1: 6؟7).
إن الصانع يعرف مقدار النار اللازم لتنقية الزغل ويحرص على أن لا يتجاوزه؟ هكذا الأمر مع إلهنا وأبينا. فإنه تبارك اسمه يريد أن يخلصنا ويحررنا من دنايا العالم؟ فيسمح أن نجتاز نيران الضيق ليصل إلى غرضه فينا. لكنها في الحق حقيقة ثمينة أن نعلم أنه يجلس بجانب البوطة؟ حتى يرى صورته تنعكس على نفس القديس. وأنه يمشي أو يتمشى في الكور؟ أي الأتون؟ مع أولاده المضطهدين. انظر بني لاوي والثلاثة الفتيان العبرانيين (ملا3:3؟ دا 3: 19-26).
4. الفاعل الشر يصغي إلى شفة الإثم والكاذب يأذن للسان فساد.
عندما يكتم القلب إثماً فإن الأذن تكون على استعداد فوراً أن تصغي للشفاه الكاذبة واللسان الشرير. أما مستقيمو القلب فيتعلمون كيف يعرفون صوت المضل ويرفضون أقواله. في حين أن النفس الظالمة الباطلة تنسجم مع من هم على شاكلتها. انظر شعب يهوذا؟ والكهنة والأنبياء الكاذبين (إر5: 30؟31).
5. المستهزئ بالفقير يعير خالقه؟ الفرحان ببلية لا يتبرأ.
قارن هذا بما جاء في ص 14: 21. إن الرب قد ترك الفقراء دائماً معنا؟ لكي نتعلم بهم كيف تتحرك أحشاؤنا بالعطف والتقدير من نحو الذين يجتازون ظروفاً أقل ملائمة من ظروفنا. فالاستهزاء والاستخفاف بهم بسبب فقرهم معناه تعيير ذاك الذي سمح أن تكون ظروفنا متباينة.
حينما تحدث بلية لواحد. عوض عن أن نحوطه برثاء المحبة؟ فإذا بنا نجد في قلوبنا فرحاً لأحزانه؟ ولكن هناك ديان لا يحابي الوجوه؟ يعنى بأن يفتقدنا بدورنا. ولا ننسى أن شكوى الله من أدوم هي أنه كان يشمت بقصاص شعبه؟ والنتيجة أنه هو أيضاً حوكم (عو12-16).
6. تاج الشيوخ بنو البنين وفخر البنين آباؤهم.
ليس أحلى لقلب الرب من الوحدة والتآلف في العائلة؟ فالشيوخ يجدون شبابهم قد تجدد في بني بنيهم؟ بينما يوقر الأحداث آباءهم ويكرمونهم بإطاعة تعاليمهم. هذا هو البيت المثالي حيث تتم السياسة العائلية بحسب الله؟ وتسيطر المحبة على كل قلب. وطوبى للأسرة التي يُرىَ فيها المثال الإلهي. انظر يعقوب وابني يوسف (تك48: 8-22).
7. لا تليق بالأحمق شفة السؤدَدِ كم بالأحرى شفة الكذب بالشريف.
إن الأقوال الحسنة التي تصدر من فم الشرير؟ كريهة وفي غير مكانها؟ لأن الحياة العملية تبرهن على عكسها. لذلك ينفر منها الرجل المستقيم. ومن الجهة الأخرى يقولون في الدنيا؟ الجاه يفرض التزاماً؟ فالكلام الباطل والتصرف الباطل من جانب شخص ينظرون إليه كزعيم قومه؟ شيء ينددون به. ذلك لأنهم يحسون بالغريزة أن من يتزعم ويقود الآخرين ينبغي أن يكون هو نفسه حراً. إنهم يتجاوزون عن النقص في الكفاية؟ أو انعدام الذكاء المتوقد أو المواهب الطبيعية أو المكتسبة؟ أما الزيف والرياء؟ فذلك أمر لن يغفروه. والانسجام الذي بهذا المعنى كان هو السبب في التساؤل التهكمي «أشاول أيضاً بين الأنبياء؟» (1صم10:10-12)؟ وذلك يوم كان شاول يتكلم «بشفة السؤدد». ونفس الإحساس حدا بغير المتجددين أن يذكروا بالتنديد إنكار إبراهيم لزوجته؟ فإن مقامه الرفيع ومكانته الجليلة؟ هي التي جعلت خطيته أكثر افتضاحاً (تك20: 1-13).
8. الهدية حجر كريم في عيني قابلها حيثما تتوجه تفلح.
إن الهدية المقدمة رمزاً لمودة مخلصة واحترام؟ لها قيمتها الكبيرة عند قابلها. وتمهد السبيل لكثير من القيم. ومن يريد أن يجد المحبة يجب أن يعطي؟ لا أن يقبل ويأخذ فقط. لكن لاحظ أن الهدية خلاف الرشوة (راجع ع23)؟ فإن هدايا يوناثان لداود استطاعت أن تعزز وتساند صداقتهما بإظهار المحبة التي كانت في قلبه (1صم 18: 3؟4).
ومن الناحية الروحية لنذكر أن المسيح صعد إلى العلاء وأعطى الناس عطايا (أي هدايا)؟ ليس لاستخدامها في تعظيم الذات؟ بل لخدمة الكنيسة. على أنه إذا ما استخدمت العطية استخداماً صحيحاً؟ فإنها تكون مستودع نعمة تمنح قابلها ترحيباً وقبولاً بين من يقدّرون أمور الله.
9. من يستر معصية يطلب المحبة ومن يكرر أمراً يفرّق بين الأصدقاء.
عد يا أخي إلى الملاحظات السابقة عن ص10: 12؟11: 13. واذكر أن من يستر المعصية يتمثل بالله ويحبه الجميع. لكن الذي يكرر أمراً بقصد الإساءة لغيره؟ فإنه يستمد قدوته من ذلك الروح الشرير الذي يسمى «المشتكي على اخوتنا».
بيد أن ستر المعصية؟ ليس معناه الاستخفاف بالخطية؟ والسماح للإثم في الآخرين أن يأخذ طريقه دون توبيخ. بالعكس هو يعني أن تذهب بنفسك إلى أخيك المخطئ؟ مدفوعاً بالرقة واللطف الأخوي؟ لكي تدرب ضميره فيما يتعلق بمسلكه الذي يجلب الإهانة على سيده. فإذا نجحت مساعيك؟ فلا ينبغي أن تذكر الخطية مرة أخرى. لقد سُتِرت ولا يجب أن يعرف أحد شيء عنها.
ولكن من أسف أن ذلك قلما يحدث بيننا! فإن الشر سرعان ما يذاع؟ والنميمة تعمل سراً؟ وهكذا يتنجس الكثيرون وتذبل المحبة وتهدم الشركة.
إن الشخص الذي يجول مردداً أموراً ليس لها ضرورة فعلية؟ إنما هو يورط نفسه في مهمة تاعسة. ذلك أنه يفرق الأصدقاء الأعزاء عن طريق خطواته الذميمة ويجلب التعيير على اسم الرب. إنها لمأساة أن شعب الله غير متنبه إلى هذا الطابع الشرير؟ طابع النمام. إنه يجب الابتعاد عن مثل هذا الشخص؟ كما يُبتعد عن الأبرص النجس الذي ينجس من يصغي إليه.
إن الله وحده هو الذي يجب أن يسمع قصة عار الأخ المحزنة. ففي أذنيه تعالى يجب أن يسكب كل شيء مصحوباً بصلاة حارة لرد نفس الأخ الذي ضل. أما إذا أصررت على إذاعة بيانات عن أخطاء أحد الاخوة في آذان القديسين رفقائك؟ فأنت إنما تحزن وتؤذي من تحاول أن تجعلهم يصغون إليك. وفي الواقع قليلون هم الأشخاص الذين يستطيعون أن يأكلوا ذبيحة الخطية في مكان مقدس؟ والذين حين يصل إلى مسامعهم خبر خطية أحد اخوتهم يحزنون ويأخذونها فرصة لإدانة الذات والاعتراف من جانبهم للرب.
قال واحد: لو أغواك من يريدك أن تقص عليه أشياء معيبة عن أخ غائب؟ فمن الأفضل أن تسائل نفسك هذه الأسئلة الثلاثة: هل الأمر صحيح؟ وهل هذا من المحبة؟ وهل هو ضروري؟ وأنا أضيف سؤالاً رابعاً: هل تكلمت مع أخي الغائب عن هذا الأمر شخصياً؟ وإنني أتصور أن نتيجة هذه الخطوات ستغلق الباب في وجه كثير من التقولات.
لقد كان ناثان النبي حازماً؟ استطاع أن يوبخ في دائرة خوف الله؟ وأن يستر الخطية حينما ظهرت التوبة (2صم12). بينما نرى في سنبلط مثال النمام الذي سعى جهده لإيجاد فرقة بين نحميا واخوته بمحاولة زعزعة ثقتهم في نـزاهته واستقامة مسلكه (نح6).
10. الانتهار يؤثر في الحكيم أكثر من مائة جلدة في الجاهل.
أدِّب الجاهل بقسوة؟ فلن يكف عن التمسك برضائه عن ذاته. ولكن انتهر الحكيم بلطف ولا شك أنه يتأثر ويحزن. الأول واقع تحت تأثير رأيه التاعس عن نفسه بأنه لا يوجد من هو أكفأ منه. والآخر يدرك ويتحقق قصوره فيقبل النصيحة والتوبيخ بقلب شاكر. وازن بين أبيمالك وهيرودس (تك25:21؟26؟لو19:3).
11. الشرير إنما يطلب التمرد فيطلق عليه رسول قاس. 12. ليصادف الإنسان دبة ثكول ولا جاهل في حماقته. 13. من يجازي عن خير بشر لن يبرح الشر من بيته.
لا شيء يزعج المتعجرف المتمرد سوى كبح جماحه عن طريق السلطة الشرعية. إنه يعيش على الغدر والعصيان. ولذلك يجب أن يعامل بالقسوة. ومنازعته تشبه مصارعة وحش هائج انتزعت أولاده منه. إنه يجازي عن الخير بشر؟ من أجل هذا لن يبرح الشر بيته «أما الظالم فسينال ما ظلم به وليس محاباة» (كو25:3).
14. ابتداء الخصام إطلاق الماء فقبل أن تدفق المخاصمة اتركها.
إن فتحة أو ثغرة صغيرة في خندق؟ يمكن وقفها بقطعة صغيرة من الحصا متى لوحظت في مبدأ الأمر. ولكن إذا أُهمل علاجها؟ فإن الثغرة تزداد اتساعاً؟ إلى أن تجرف المياه الدافقة كل ما في طريقها. هكذا الخصام. فكم من خصومات طويلة الأمد؟ بدأت بقليل من الكلمات الهوجاء؟ التي كان يمكن علاجها فوراً لو ندم عنها واعتذر قائلها؟ وكان يمكن منع سنوات من الحزن والألم. لقد قال روح الله مرة «اغضبوا ولا تخطئوا. لا تغرب الشمس على غيظكم» (أف4: 26). ولو أن كل القديسين أطاعوا حرفياً هذه الوصية البسيطة الصريحة؟ لتجنبوا كثيراً من أوجاع القلب! وطوبى لمن يضع رأسه ليلاً على الوسادة وهو عالم أنه لا توجد أعمال هوجاء أو أقوال غاضبة لم يندم عنها؟ ولم يعترف بها لمن أخطأ في حقه. إنه بذلك يتجنب خسارة صديق إلى الأبد؟ لو لم يكن قد أصلح الثغرة في الحال في خوف الله؟ لأنه كلما تتعاقب أيام وأسابيع الاتهامات وما يقابلها؟ وتلاحقها شهور من إثبات الاتهامات أو نفيها؟ فإن المصالحة تكون عملية شاقة. لذلك فمن الأفضل كثيراً أن يتضع الإنسان ويتحمل الخطأ في البداية إذا لزم الأمر؟ عوض أن يحزن روح الله القدوس ويجرح قلوب رفاقه القديسين بفترة طويلة من الخصام الذي لا ظل فيه للمسيحية الحقة؟ والذي يترك خلفه جراحاً لن يمكن الشفاء منها. حتى ولو أمكن الشفاء؟ فلا بد أن تخلف ندوباً لا يمكن أن تزول. انظر بولس وبرنابا (أع15: 35-40).
15. مبرئ المذنب ومذنب البريء كلاهما مكرهة الرب.
إن تبرير الشرير وإدانة البار معناه تسمية الشر خيراً والخير شراً (أش5: 20). إن الله يريد أن يكون الحكم طبق الحق؟ أما عكس ذلك فمكرهة لديه. إن التبرير معناه إعلان البراءة؟ والله يبرر الفاجر على أساس عمل المسيح الكامل؟ بمعنى أنه يبرئ الخطاة المذنبين من كل تهمة؟ حينما يضعون ثقتهم في ابنه ويتحولون إليه نادمين. على إن جعل هؤلاء الخطاة مستقيمين في حياتهم أمر يختلف عن هذا كل الاختلاف. وهو ينتج عن التبرير بالضرورة؟ لكنه ليس التبرير ذاته. هذه نقطة هامة إذا شئنا أن نفهم؟ على الوجه الصحيح؟ تعاليم النعمة المسيحية؟ كما هي معلنة في رسالتي رومية وغلاطية.
وتبرئة المذنب هنا؟ معناها غض الطرف عن الخطية. والتجاوز عن الإثم؟ دون كفارة ملائمة؟ بينما تذنيب البار؟ معناه حسبان البر شراً لا خيراً. ومثل هذا التصرف غير محتمل في نظر الديان العادل. هذه هي خطية بيلاطس المرعبة؟ حيث أنه؟ لكي يرضي الشعب؟ أطلق باراباس المذنب وحكم على الرب. وفي نفس الوقت كان قد أعلن براءة الرب التامة قبل الحكم عليه بلحظات (مت27: 24-26).
16. لماذا في يد الجاهل ثمن؟ ألاقتناء الحكمة وليس له فهم؟
لا فائدة للإنسان الذي لا يضع قلبه على طلب الحكمة؟ أن يحاول تعلمها بواسطة الحفظ عن ظهر قلب. فليس من ثمن يدفع لاقتنائها؟ إذا لم تكن الحواس مدربة للتمييز بين الخير والشر. قد يحصل الجاهل على بعض صور المعرفة عن طريق كثرة الدرس والتطبيق الذهني؟ غير أن هذا أمر يختلف كل الاختلاف عن امتلاك الفهم لمقاليد الكيان. ونحن إنما نعرف الحق بسلوكنا فيه. انظر سيمون (أع8: 18؟19).
17. الصديق يُحَبُ في كل وقت. أما الأخ فللشدة يولد.
إن قلب المسيحي يتحول؟ بنفس راضية؟ عن كل قدوة بشرية؟ مهما تكن مخلصة؟ ويدعو صديقاً واحداً لم تستطع سيول مياه الدينونة الدافقة أن تطفئ محبته؟ ولا تيارات الغضب أن تغمرها. إن ربنا يسوع المسيح هو ذلك الصديق الذي لا تتغير محبته؟ وهو؟ بلا منازع؟ الأخ الذي ولد للشدة. لكن عباراتنا هذه؟ لا تعني التسامح والتساهل مع تلك العاطفة المعوجة التي تنسى كرامة شخصه الكريم المبارك؟ فتدعوه «الأخ الأكبر»؟ وتطبق عليه ألقاباً غير كتابية من هذا النوع. ولكن كما نستطيع أن نعتمد في يوم الشدة على الأخ الفاضل الغيور؟ هكذا نقدر أن نعتمد على سيدنا المحبوب في ساعة العوز والتجربة. «إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى» (يو13: 1).
وإنه لشيء كريم بما لا يقاس للنفس أن تثبت في محبته. ولو أن ذرة من الشك تدخلت لتحجب جلال وعظمة عواطفه التي لا تخبو؟ فسرعان ما يحل؟ محل الفرح والسلام؟ كآبة واضطراب. أما إذا لم نسمح لأي شيء أن يعوق التمتع بتلك المحبة الكاملة التي تطرح الخوف إلى خارج؟ فإن الحياة تكون حلوة حقاً؟ والشركة معه تكون أعز وأغلى كثيراً مما تمنحه أية صداقة بشرية.
إن كثيرين من القديسين عرفوا الرب كمخلصهم؟ ولكنهم لم يعرفوه كالصديق الحي المحب الودود؟ الذي يدخل في أحزانهم؟ ويحب أن يشاركهم في كل أفراحهم؟ وعندما نعرفه بهذه الصورة؟ فإننا نستطيع أن نواجه صعوبات طريق الغربة؟ في رباطة جأش؟ ويستطيع القلب أن يثق فيه كل ساعات التجارب. (انظر18: 24).
18. الإنسان الناقص الفهم يصفق كفا ويضمن صاحبه ضماناً.
ليرجع القارئ إلى ملاحظاتنا عن ص6: 1-5؟ 11: 15. فإن انعدام الرأي السليم هو الذي يدفع الإنسان لضمانة غيره؟ برغم تحذيرات كلمة الله المتكررة. إلا إذا كان على استعداد لاحتمال الخسارة؟ ومواجهة نتائجها. لقد ضمن بولس ابنه أنيسيموس (فل18؟19). كما ضمن يهوذا بنيامين (تك42: 17؟ 44: 32) وكلاهما عمل حساب النفقة. وكان مستعداً ليدفع آخر فلس.
19. محب المعصية محب الخصام. المعلي بابه يطلب الكسر. 20. الملتوي القلب لا يجد خيراً والمتقلب اللسان يقع في السوء.
الذين يحبون المعصية؟ يجدون لذة في الخصام والشقاق. وبذلك يظهرون محبتهم لطرقهم الخاصة؟ لأنهم يملّون من التقييد. وفي عجرفتهم يعلون أبوابهم؟ وهم بذلك يجلبون على أنفسهم الخراب والهدم؟ إذ وهم يمجدون أنفسهم؟ يقتربون من السقوط؟ وإذ لهم قلب ملتوٍ؟ فإنهم لا يجدون سوى الشر؟ لأن ألسنتهم المتقلبة؟ تحرك السوء. ولنا في "حانون" (2صم10) قصة مؤلمة ترسم آثار الكبرياء والتحدي البشري. ونتائجه المؤلمة.
21. من يلد جاهلاً فلحزنه ولا يفرح أبو الأحمق.
هذا العدد ليس بحاجة إلى تعليق؟ وهي حقيقة مؤلمة وواضحة يدركها الجميع. فإن حزن داود على أبشالوم؟ برهان على صدقها (2صم 18: 33؟ انظر أيضاً ع25).
22. القلب الفرحان يطيب الجسم والروح المنسحقة تجفف العظم.
(انظر 15: 13؟15). لا شيء يحطم الجهاز البدني مثل الكآبة والحزن. ولكن حين يمتلئ القلب بالفرح؟ فإن الكيان بجملته ينتعش. على أن بهجة المسيحي أشد أصالة من استهتار واستخفاف الشخص العالمي. وهو يستطيع في كل الظروف أن يفرح في الرب؟ وهكذا يرتفع فوق كل ما من شأنه أن يبعث الكآبة ويحني النفس. ثم بدلاً من أن يظهر سعادته وغبطته بأساليب العالم الفارغة الجوفاء؟ فإنه يستطيع أن يرنم وينشد في قلبه لمصدر وهدف أفراحه. يقول يعقوب «أمسرور أحد فليرتل» (يع5: 13). إن الإنسان العالمي يلجأ إلى مختلف الوسائل لكي يهدئ قلقه ويرفع روحه المعنوية. ومن هنا كان اشتراكه ومساهمته الفعالة في جميع أنواع الملاهي والتسليات؟ التي هدفه منها جميعها؟ النسيان. والعكس صحيح مع أولاد الله؟ فإنهم في مباهجهم ومسراتهم؟ يذكرون مركزهم ونصيبهم في المسيح. وازن الحالتين المختلفتين التي وُجد فيهما كاتب مزمور 116؟ حينما كان مشغولاً بذاته؟ ثم حين حلّق إيمانه إلى الله.
23. الشرير يأخذ الرشوة من الحضن ليعوّج طرق القضاء.
يحاول من يكسر القانون؟ وهو عالم بفعله الشرير؟ أن يرشو القاضي أو الموظف الذي يحقق جرائمه. مثل هذا التصرف اعتراف ضمني بالذنب؟ وإنه من الصعب فعلاً أن تتصرف بأمانة مع شخص أنت مدين له بمعروف؟ ومن هنا كانت الحاجة إلى الرفض القاطع لأي شيء يقدم من الأشخاص المتهمين بمسلك خاطئ. عندما أرسل ملك بابل رسائل وهدايا لحزقيا؟ كان أن ذلك الملك التقي غفل عن مركزه؟ وتصرف دون الحصول على مشورة الرب كما فعل قبلاً يوم تسلم رسالة التهديد (إش 1:39 بالمباينة مع إش 37: 14).
24. الحكمة عند الفهيم وعينا الجاهل في أقصى الأرض.
إن تركيز الفكر على الهدف الوحيد الأكبر؟ لاقتناء معرفة الرب والسير معه؟ هو الحكمة التي من كل شيء قدراً؟ ولكن بلا هدف من هذه جميعاً. ومن هذه العينة أولئك الذين حذر بولس ابنه تيموثاوس ضدهم؟ واصفاً إياهم بأنهم تملك الفهيم؟ أما الجاهل الذي بلا هدف معين؟ فإنه يجول هنا وهناك؟ يتذوق مختلف النظريات ويأخذ «يجمعون لأنفسهم معلمين مستحكة مسامعهم» وهم بذلك لا يهتمون بحق الله الذي هو وحده الحكمة. ومن ثم ينحرفون إلى الخرافات «يتعلمون في كل حين ولا يستطيعون أن يقبلوا إلى معرفة الحق أبداً» (2تي3: 7؟4: 3؟4). وعكس ذلك على خط مستقيم؟ كان الطابع الذي ميز الرسول نفسه؟ الذي استطاع أن يقول «أفعل شيئاً واحداً» (في 3: 13).
25. الابن الجاهل غم لأبيه ومرارة للّتي ولدته.
(انظر ص10: 1 ثم17: 21). ليس الشاب وحده هو أكثر الناس معاناة حينما يُلقى التعقل في مهب الرياح؟ وينغمس في الحماقة والرذيلة؟ بل أبوه وأمه أيضاً.
ولا ريب أن قسوة حزن قلب أبيه ومرارة خيبة آمال أمه. لهي أحزان أعمق من أن تفصح عنها الأقوال. فإذ ولد لهما من يحتقر محبتهما ويحطم القيود؟ فذلك أمر مخيف حقاً. ومن أسف أنه قلما يتأثر قلب الشاب العنيف المتعجرف المتمرد بل يسير قدماً بلا رادع؟ وهو يزيد الغم غماً والويل ويلات. اقرأ عن الابن المعاند المارد في تثنية 21: 18-20.
26. أيضاً تغريم البرئ ليس بحسن. وكذلك ضرب الشرفاء لأجل الاستقامة.
إن تحريف العدالة من جانب الحاكم بمعاقبة أو تغريم الرجل الطيب؟ أو من جانب المحكوم بضرب الشرفاء بسبب استقامتهم كلاهما شر. ولا ننسى أن هذا ليس نادراً في هذا العالم؟ إذ من الشائع الانتقام من الأبرياء بقصد إخفاء مجرمين؟ وكذلك التمرد على الرؤساء الذين يخافون الله بسبب طرق استقامتهم التي تناقض وتناوئ الأثمة وروح العصر غير المستقرة. اقرأ قصة إسماعيل بن نثنيا والمذبحة التي نصبها للرئيس المستقيم جدليا ثم أعقبها بقتل ثمانين رجلاً من شكيم وشيلوه والسامرة لئلا يفضحوا أمر جريمته (إر41: 1-7).
27. ذو المعرفة يبقي كلامه وذو الفهم وقور الروح. 28. بل الأحمق إذا سكت يحسب حكيماً. ومن ضم شفتيه فهيماً.
راجع ملاحظات ص 12: 23؟ 15: 2. إن الأبله هو الذي دائماً يهذي. أما ذو المعرفة فإنه لا يتشدق دائماً بمعلوماته؟ هو وقور الروح ويستطيع أن ينتظر وقته. لكن الشخص الذي يتكلم كثيراً هو في العادة إنسان تافه المدارك وقليل المعلومات. وبين المسيحيين نرى أن صاحب اللسان غير الملجم لا يصلح للتمييز. بل صاحب المعرفة المحدودة يعد حكيماً إذا كانت أقواله قليلة. والمؤمن الذي يعيش في خوف الله؟ يقدّر قيمة الأقوال؟ الأمر الذي لا يفهمه الشخص عديم الاكتراث؟ لأنه يتذكر القول «إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين». وحتى ما اختبره من محبة الله ونعمته؟ لا يحدث الناس به دائماً في استهتار وخفة. لقد ظل بولس طوال أربع عشرة سنة يحتفظ بسر اختطافه إلى السماء الثالثة؟ حتى جاء الوقت المناسب وتحدث عنه (2كو12: 1-7). وبهذه المناسبة يحسن بنا أن نتعلم من أليشع كيف ضبط نفسه؟ وهو يسير خلف إيليا (2مل2: 3).
- عدد الزيارات: 3861